بقلم: فاطمة الزهراء أزرويل استفاق العالم في نهاية الأسبوع على خبر كان له وقع الصاعقة حسب تعبير مارتين أوبري، زعيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهي تعلّق على الفضيحة الأخلاقيّة التي ارتبطت باسم رفيقها المرموق في الحزب، ورئيس أقوى المؤسّسات النّقديّة في العالم، أي صندوق النّقد الدّولي. وكانت الصّورة المهينة التي جابت العالم في وقت باكر من صباح يوم الإثنين، هي تلك التي تظهر دومينيك ستروسكان، أحد أقوى الرجال المقرّرين في مصير البشريّة منذ توليه رئاسة الصندوق المذكور خلال السنوات الأخيرة، مقيّد اليدين ومحاطا بشرطة نيويورك، لينقل في سيارة إلى قاضي التّحقيق، بعد أن قضى في مركز الشّرطة ثلاثين ساعة. دومينيك ستروسكان هو أيضا المرشّح المفضّل لدى الفرنسيّين حسب الاستطلاعات بشأن الانتخابات الرئاسيّة خلال السنة المقبلة، وكان الجميع بما في ذلك رفيقاته ورفقاؤه في الحزب الاشتراكي الفرنسي، ينتظر إعلانه لترشّحه بعد انتهاء مدّة رئاسته لصندوق النّقد الدولي في يونيو المقبل، كما كان الجميع يعتقد أنّه المرشّح الأكثر مصداقيّة وخطرا على الرّئيس ساركوزي، إذا ما طمح هذا الأخير إلى تجديد ولايته الرّئاسيّة. لكنّ هذا المنافس قد يصبح في خبر كان إذا ما ثبتت عليه التهم الموجّهة إليه من طرف الشرطة الأمريكيّة، والتي تتمثّل في الاعتداء الجنسي، ومحاولة الاغتصاب، والحبس، وهي تهم أقلّ ما يقال عنها إنّها خطيرة في القانون الأمريكي، وأنّ مدّة السّجن فيها حسب التراكم الجنحي الذي يعتمده القانون المذكور قد تصل إلى 25 سنة إن لم تكن أكثر. والواقع أنّ الحادثة التي لم يبثّ فيها القضاء الأمريكي بعد تتلخّص في أنّ امرأة أمريكية من أصول إفريقية، يصل سنّها إلى 33سنة، تشتغل عاملة نظافة في أحد الفنادق الكبرى بنيويورك، اتهمت مدير صندوق النّقد الدّولي بأنّه اعتدى عليها جنسيا، وغادر الغرفة واتجه نحو مطار كيندي، حيث لحقت به الشّرطة وألقت عليه القبض قبل دقائق من إقلاع الطائرة نحو باريس. الواقع أيضا أنّ المتتبّع للساحة السياسيّة الفرنسيّة لاحظ خلال الأسابيع الأخيرة تصاعد حملات اليمين ضدّ ستروسكان، حول ثرائه هو وزوجته الصحفيّة الشهيرة آن سانكلير، وكيف أنّه يقتني بذلاته مقابل 35000 دولار للواحدة منها... ومن تمّ بدأ التّساؤل يطرح نفسه: هل يصلح رجل بهذا الثراء لتمثيل اليسار الفرنسي في الانتخابات الرّئاسيّة، في وقت تنخر فيه الأزمة الاقتصاديّة المجتمع الفرنسي، وتتّسع الهوّة بين الأغنياء والفقراء فيه؟ بصرف النّظر عمّن له المصلحة في إبعاد هذا الرجل القويّ ومآله، تحيل الحادثة على علاقة معقّدة ومتشابكة منذ القديم بين المال والسلطة والجنس. المال في حدّ ذاته سلطة، تحوّل كلّ الأشياء المادّيّة والرّمزيّة بما في ذلك القيم والأخلاقيّات إلى سلعة وتخضعها لمنطق السوق، أمّا إذا انضافت السلطة السياسيّة إلى المال، فذلك يؤدّي ببعض كبار رجال السياسة إلى استشعار قوّة قد تبيح لهم كلّ التّصرّفات، حتّى الأكثرها عبثيّة وجنونا أو إباحيّة. لقد كان ستروسكان مدير صندوق الدّولي معروفا بنزواته الجنسيّة، ولكنّه ليس السياسيّ الوحيد في هذا المجال، أغلب الرّؤساء الفرنسيّين السابقين كانوا معروفين بغزواتهم النسائيّة التي لا تنتهي، وكانوا يثبتون بذلك قوّة نفوذهم بشكل أو بآخر، ويجدون ملاذهم في كون المجتمع الفرنسي يتجنّب الخوض في حياة السياسيّين الخاصّة، ويعتبرها حقّا من حقوقهم الفرديّة لا يصحّ التّدخّل فيه. أكثر من ذلك، حين شكّل الرّئيس الفرنسي الحالي الاستثناء في مجال السلوك الجنسي، وعرف بحبّه لامرأة واحدة سواء تعلّق الأمر بزوجته السّابقة سيسيليا أو بزوجته الحالية كارلا، نال من جرّاء ذلك الكثير من السّخريّة في وسائل الإعلام، وكأنّ رجل السياسة لا يستكمل صفاته ورجولته إلاّ إذا سجّل حريما من النّساء في غنائمه التي لا تنتهي... بل إنّ صحافيّة فرنسيّة ألّفت كتابا لاقى شهرة واسعة، تتحدّث فيه عن المفارقة التي تمثلت حسب رأيها في انتظار الرئيس ساركوزي لزوجته مدّة طويلة لكي تحضر معه الاحتفال بنجاحه من جهة، وانتظار الجماهير لتحتفل بالرّئيس الذي صوّتت لصالحه من جهة أخرى. الثقافة الأنكلوساكسونيّة عالم مغاير لنظيره الفرنسي، حيث يراهن أغلب المرشّحين للرّئاسة على قيم العائلة والمحافظة عليها، وتراقب الحياة الخاصّة لرجال السّيّاسة تحت المجهر، وحيث كادت قضيّة مونيكا لوينسكي أن تعصف بمستقبل الرّئيس الأمريكي كلينتون ذات يوم، إضافة إلى استقالة الكثير من المسؤولين الكبار في أمريكا أو بريطانيا إذا ما كشفت علاقاتهم الجنسيّة خارج الزّواج، ولعلّ ورطة ستروسكان ليست بالسهلة مع القضاء الأمريكي سواء كان فعلا متورّطا أم لا، إضافة إلى الصورة التي يقدّمها الحادث عن فرنسا، وإمكانيّة انتخاب رئيس جديد لصندوق النقد الدّولي غير أوروبّي، الشيء الذي لا يخدم مصالح القارّة العجوز. يبقى أنّ السلطة السياسيّة تغري الرّجل والمرأة التي تنساق له على السّواء، وأنّ هناك صورة جمعيّة تشكّلت عبر قرون في اللاوعي عن الارتباط بين السلطة والفحولة، وفي هذا الزّمن الذي تلعب فيه الصورة دورا أساسيّا في تلميع السياسي، لا يتورّع بعضهم عن التّباهي بذكورته. ذات يوم سألت صحافيّة أحد المرشحين للرّئاسة في فرنسا إلى جانب ساركوزي وسيجولين، سألته في نهاية الاستجواب: ما هو الجانب الذي يستثير إعجاب زوجتك فيك؟ أجابها مبتسما: فحولتي ! ma virilité ... حتّى لهْنا ما بْقى كْلام.