معاطف، سترات، فساتين النساء، تنورات، قمصان... منتوجات إلى جانب أخرى، تدخل في خانة الملابس الجاهزة، تشكل بالنسبة للمغرب عامل قوة لا يقهر بالمقارنة مع بلدان منافسة في قطاع النسيج. فصادرات البلد من النسيج تخصصت منذ فترة ليست بالقصيرة، في هذا الصنف من المنتوجات. لكن عوامل عديدة باتت تقف في وجه تطور أداء صادرات المغرب من منتوجات النسيج والألبسة، إلى أن فقد البلد حصصا مهمة من السوق الدولي.استراتيجيات تونس والمغرب في قطاع النسيج تتشابه إلى حد بعيد، فكلا البلدين يعتمدان بشكل كبير على المناولة والمنتوج النهائي، إلى جانب اعتماد مسار صغير للإنتاج.... لكن ظهرت في الآونة الأخيرة تباينات كبيرة بين أداء القطاع داخل البلدين، فتونس التي تعتمد استراتيجية للقيمة المضافة والتحول إلى مناولة مشتركة، والمنتوج النهائي وإحداث صيحات جديدة... تبدو أكثر تنافسية بالمقارنة مع المغرب. رابطة مسيري قطاع النسيج والألبسة بالفضاء الأورومتوسطي، اختارت خلال تقريرها الشهري الأخير الوقوف على أوجه الاختلاف الحاصل بين بلدين تكاد مميزات قطاع النسيج تتشابه بهما، لذلك فإن تحسن القيمة المضافة لقطاع النسيج التونسي بالمقارنة مع نظيره المغربي سيكون بنتيجة حتمية: متوسط أسعار معظم المنتوجات التونسية بات أكبر من نظيره المسجل بالمغرب. مقاولات نسيج يغيب عنها الابتكار “أخويا الحركة ماتت ما بقينا كانديرو والو”. كلمات تخرج بعفوية على لسان “رشيدة. ن” عاملة بإحدى شركات النسيج الكائنة بالمنطقة الصناعية مولاي رشيد بالدار البيضاء، لتصف حال عديد مقاولات النسيج بالمغرب، التي باتت منذ فترة ليست بالقصيرة تتكبد خسائر متوالية، فصادرات النسيج المغربي ما تزال تحت سيطرة تشكيلات بقيمة مضافة ضعيفة. صحيح أن رفع الحواجز الجمركية على واردات الاتحاد الأوروبي من المواد الأولية، سيوفر هذه الأخيرة بأسعار تنافسية، لكن قليلة هي المقاولات التي سيكون بإمكانها الاستفادة من هذا الوضع، يقول مصدر مهني، فالعديد من مقاولات النسيج المغربية تفضل أن تستقر في إطار فلسفة تجارية بامتياز، تنتظر من خلالها الطلبيات القادمة إليها من الشركات الأجنبية، لتكيف إنتاجها مع هذه الطلبيات، دون أن تكون لغالبيتها القدرة على ابتكار منتوجات جديدة يكون بمقدورها اختراق الأسواق الأوروبية بالأساس. إلى جانب هذا الوضع فغياب سياسة تنهض بالمؤهلات البشرية لمقاولات النسيج بالمغرب، تشكل أيضا عائقا أمام تطور أداء القطاع على الصعيد الخارجي، إذ لا تقو هذه المقاولات على توظيف عاملين بمؤهلات معقولة، كما أن غيابا كبيرا للمصممين، الذين باستطاعتهم ابتكار منتوجات جديدة تساعد البلد على تبوأ المكانة المميزة، يزيد الوضع سوء. من خلال معطيات رابطة مسيري النسيج والألبسة بالفضاء المتوسطي، فإن المغرب يوجد في مركز متأخر بالمقارنة مع بلد كتونس من حيث صادرات البلدين إلى الاتحاد الأوروبي. فالمغرب بات سابع مزود للسوق الأوروبي بمنتوجات النسيج، بصادرات بلغت خلال العام الماضي حدود 2,24 مليار أورو، أما تونس فتأتي سادسا بصادرات في حدود 2,6 مليار أورو. لكن في ظل هذا الوضع أين تكمن قوة المغرب بالنظر إلى منتوجاته كثيرة الشبه مع نظيرتها التونسية؟ الجواب تحمله معطيات الرابطة في تقريرها الأخير. فالمغرب يتوفر على قوة تنافسية لا تضاهى ببلدان الحوض المتوسطي، على مستوى الملابس الجاهزة النسائية، كما هو الشأن بالنسبة للمعاطف والسترات والفساتين والتنورات والقمصان... لكن قوة المغرب التنافسية تظهر أيضا من خلال تسويقه للأزياء الرياضية، وهي كلها منتوجات كانت تشكل هدفا تطويريا بالنسبة لمخطط إقلاع الصناعي في شقه الموجه لقطاع النسيج والألبسة. من جانبه “الجينز” الذي طالما شكل مصدر فخر للصناعيين المغاربة خلال السنوات القليلة الماضية، أخذ توهجه يتوارى عن الأنظار، إلى أن فقدت صادرات البلد من هذا المنتوج حصصا مهمة من السوق الأوروبي لفائدة تونس، التي تعتمد بشكل كبير إلى جانب تركيا على ورقة الابتكار في هذا المجال لتوسيع حصصهما من السوق، فيما المغاربة يواصلون اعتمادهم على سياسة تجارية تجعل من الأسعار التنافسية هدفها الأسمى، دون أن تكون لهم القدرة على ابتكار منتوجات أكثر تنافسية، عوض إغفال هذا الجانب لصالح الأسعار. لذلك كان من البديهي أن تنخفض مبيعات البلد من هذا المنتوج، مقابل تحسن لمبيعات عدد من منافسيه. الاتحاد الأوروبي استورد خلال العام الماضي ما يعادل 485,6 مليون “جينز” بقيمة فاقت 3,36 مليار أورو، حصة المغرب منها تقلصت بشكل كبير ليصبح البلد سادس مزود للسوق الأوروبي من هذا المنتوج. لكن ما لا يجد له المراقبون أي تفسير، هو أن الأسعار المغربية في هذا الباب تشكل مصدر قوة، لكن ذلك لم يجد نفعا على ما يبدو، فمتوسط أسعار “الجينز” المغربي لا يتجاوز عتبة 9,53 أورو للسروال الواحد، مقابل سعر يتجاوز 15,88 أورو بالنسبة للجينز التونسي، وسعر في حدود 12,49 أورو بالنسبة للجينز القادم من تركيا. لكن يبدو هنا بأن عامل السعر لا يلعب دورا كبيرا، فيما قد تظهر الجودة عاملا حاسما لتفوق المنتوج التونسي بالأساس، يقول مصدر مهني، ما دام أن البلد حسن موقعه داخل السوق الأوروبي ليصبح رابع مزود له بهذا المنتوج. ما يؤكد فرضية انهيار مبدأ تخفيض الأسعار مقابل تحسن المبيعات، التغيرات الحاصلة على مستوى أسعار “الجينز” بالسوق الدولي، فالمغرب عمل على تخفيض أسعاره خلال العام الماضي بحوالي 6,5 في المائة، مقابل ارتفاع في أسعار المنتوج الصيني بحوالي 9,5 في المائة وارتفاع مماثل في أسعار “جينز” البنغلاديش بحوالي 7,6 في المائة. لكن رغم هذا الوضع فالبلد لم يستفد من هذه الأسعار التنافسية، إلى أن فقد حصصا مهمة لصالح هؤلاء المنافسين المتوسطيين والآسيويين. وخلال العام الماضي، تحسس فاعلو النسيج المغربي هذا الخطر القادم فأطلقوا صفارات الإنذار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ما دفع بالجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة إلى إطلاق دراسة قطاعية، فيما وزارة الصناعة والتجارة ذهبت لاستكشاف سبل تمكين مقاولات النسيج من الاستفادة من مختلف ميكانيزمات دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، في وقت ما تزال فيه المنافسة تغير أشكالها وسبلها الابتكارية. كيف تتصرف الدولة لإعادة التوهج إلى قطاع النسيج؟ في فبراير من العام 2008 وقع أمام أنظار جلالة الملك اتفاقيات إنجاز مخطط “إقلاع” الصناعي، ضم في أهم مكوناته هدف تحقيق 111 إجراء يشمل مختلف القطاعات الصناعية، التي يعتزم المغرب تطوير أداءها في الفترة المقبلة، وهو ما سينعكس إيجابا على مستوى أداء الأنشطة غير الفلاحية، أملا في دعم نمو الاقتصاد الوطني. قطاع النسيج شكل محورا أساسيا في الاستراتيجية الجديدة، من خلال خمسة أوراش تستهدف بالأساس قطاع النسيج والجلد أيضا، تهدف إلى تطوير القطاع عند التصدير من جهة، والسوق الوطني عبر تطوير فاعلين محليين من جهة أخرى. أول هذه الأوراش يروم وضع برنامج لتطوير المنافذ عند التصدير. مصدر من وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة أشار إلى أن الحكومة قامت في هذا الباب خلال العام الماضي بتنظيم بعثات للتسويق التنفيذي لدى 8 زبناء كبار حاليين ومحتملين للمغرب في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ووضع اللمسات الأخيرة على تنظيم بعثات مستقبلية لهؤلاء الزبناء إلى المغرب، إلى جانب المشاركة في معارض مهنية وأخرى متعددة القطاعات بكل من فرنسا وإيطاليا وتونسوفرنسا والمملكة المتحدة، إضافة إلى مشاركة في معرض دولي بطرابلس والجزائر، وكذا بعثات مهنية إلى السويد وإسبانيا. ورش آخر هم مراجعة التعريفات الجمركية على المدخلات الأساسية، والذي سيدخل حيز التنفيذ ليشمل 166 منتجا، وكذا المنتوجات النهائية لقطاع النسيج، التي يرتقب تطبيق تعريفة جمركية خاصة بهم انطلاقا من 2013، فيما مبادرات جديدة تستهدف محاربة ممارسات الغش في الفوترة، حيث عملت الوزارة على تشكيل مجموعة عمل “الغش في الفوترة” في إطار شراكة بين القطاع العام والخاص، ستمكن من تحديد لائحة المستوردين المشتبه في ممارستهم للغض في الفوترة داخل القطاع، والتي ضمت حوالي 36 مستوردا، الشيء الذي كان بوضع إيجابي على مستوى السوق المحلي. أوراش أخرى همت بالأساس هيكلة السوق الداخلي داخل قطاع النسيج وأيضا تطوير القدرات الإنتاجية لقطاع النسيج والجلد. المغرب يبحث عن مؤهلات بشرية لاختراق السوق الأوروبي من أجل ذلك وقع “مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل” و”الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة” في بداية العام الحالي، اتفاقية شراكة من أجل تكوين وإدماج 20 ألف شخص بمقاولات القطاع قبل نهاية 2011. هذا الرقم سبق الإعلان عن حاجة مهنيي النسيج إلى تكوينه على ضوء نتائج دراسة ميدانية حول نقائص قطاع النسيج. بموجب هذه الاتفاقية الجديدة، يلتزم مكتب التكوين المهني بمساعدة مهنيي النسيج على إدماج خريجي مؤسسات التكوين المهني، ومراجعة، بتعاون مع الجمعية الممثلة للقطاع، مسلسلات التكوين من أجل الاستجابة بصورة مستعجلة لطلبات الجمعية، زيادة على استقبال الشباب بمؤسسات التكوين في حدود الطاقة الاستيعابية، وإعادة استغلال الآليات الضرورية من أجل إحداث ورشات تكوينية جديدة. المكتب يلتزم أيضا بالقيام حملة تواصلية بشراكة مع الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة والسلطات المحلية داخل كل الجهات المغربية، من أجل استقطاب المزيد من المرشحين لهذه المناصب، وانتقاء المرشحين بتعاون مع جمعية صناعات النسيج، فضلا عن منح الشهادات للمتدربين الذين اجتازوا مسلسل التكوين التأهيلي. في السياق ذاته، تلتزم “الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة” بموجب الاتفاقية، بتحديد حاجيات كل مدينة (تم انتقاء 5 جهات لتشملها العملية) في مجال التخصصات والمراكز المرغوب فيها، والمساهمة في ضبط مسلسل التكوين والموافقة على الخبرات الموضوعة من طرف المكتب، زيادة على مرافقة إدماج المتدربين في محيط العمل عند نهاية مسلسلات التكوين، وتنظيم بصورة مشتركة مع المكتب ومراكز التكوين موائد مستديرة مع المرشحين على مستوى الجهات من أجل تقديم القطاع وخصوصياته وأيضا الفرص الممنوحة للمرشحين. وتهدف الجمعية من خلال العقد الجديد، إلى المساهمة بجانب الشركاء المؤسساتيين، في تحسين وسائل الولوج إلى المناطق الصناعية ومقاولات القطاع، وشروط الاستقبال داخل محيط العمل، والتوقيع بصورة مشتركة مع مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل على الشهادات المسلمة للمتدربين الذين اجتازوا مسلسل التكوين التأهيلي. رشيدة وزميلاتها لا ينظرن إلى هذا المستجد بعين الرضا، فتكوين 20 ألف شابة وشاب في القطاع قد لا يأتي في نظرهن بجديد يذكر، مادام أن عدد منهن تجدن أنفسهن في حالة عطالة إجبارية عند كل توقف للإنتاج، نتيجة تقلص حجم الطلبيات القادمة من الخارج. “واش لقينا حتى حنا فين نخدمو عاد يزيدو وحدين آخرين”، تقول رشيدة بمرارة، وهي التي تعول على عملها لإعالة عائلة مكونة من أربعة أفراد. لكن بالنسبة لمصدر مهني فإن القادم من الأيام سيكون بمتغيرات جديدة، كيف لا وأن توجه الجمعية نحو توقيع هذه الاتفاقية الجديدة، يأتي، يقول المصدر ذاته، “بعد عودة الروح إلى صناعة النسيج والألبسة عقب تراجعها عند نهاية 2008، الأمر الذي تجسد عبر ارتفاع حجم الطلبيات الموجهة إلى المغرب، وارتفاع صادرات القطاع عند نهاية السنة الماضية بنسبة 6 في المائة بعد تراجعها خلال النصف الأول من السنة ذاتها بنسبة 30 في المائة”، مضيفا، “أن هذه النتيجة كانت لتكون أحسن لولا الخسارات التي تكبدتها مقاولات القطاع على مستوى القدرات الإنتاجية والكفاءات البشرية بسبب التقلبات المسجلة خلال 2008 و2009′′. من جانبه، سجل مصدر من مكتب التكوين المهني، “أن الاتفاقية الجديدة تستمد أهميتها من وضع القطاع نفسه، الذي يلعب دورا مهما في مجال التنمية البشرية، خاصة وأنه يشغل 200 ألف شخص، 71 في المائة منهم من النساء، كما يعيل حوالي مليون مغربي ويساهم بنسبة 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام، و27 في المائة من الصادرات الصناعية”، مضيفا، “أن المكتب عبأ استثمارات بقيمة 272 مليون درهم لدعم هذا القطاع، وفي هذا الصدد، نعتزم تكوين 18 الفا و935 شابا خلال السنة الجارية منهم 3533 خريج خلال فبراير الماضي، عبر 150 مؤسسة تكوينة، 18 منها موجهة لقطاع النسيج والألبسة، و396 مكون موجهين خصيصا للقطاع، فضلا عن مركز لتنمية الكفاءات لفائدة القطاع”. من المنتظر أن يستفيد المغرب من عودة الانتعاش إلى سوق النسيج والألبسة بعد الأزمة التي عصفت به خلال 2008 و2009، إذ من المنتظر أن ترتفع الطلبيات لموجهة إليه خلال السنوات الخمس المقبلة بنسبة 30 في المائة بعيدا بصورة كبيرة عن البلدان المنافسة خاصة تركيا التي يتوقع أن تحقق نموا بنسبة 16 في المائة وآسيا بنسبة 15 في المائة. فهل تكفي كل هذه الإجراءات من أجل إعادة التوهج إلى قطاع يساهم بشكل وفير في امتصاص البطالة، وتمكين رشيدة وزميلاتها من عمل دائم؟