التشغيل حسب نموذج النمو المعتمد على الطلب الداخلي، استنفذ صلاحياته ويجب المرور إلى نموذج جديد، يتجه نحو تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطنية من أجل الاندماج في المنظومة الاقتصادية العالمية. ذلك ما خلصت إليه المندوبية السامية للتخطيط في دراسة رصدت التطورات التي شهدها قطاع التشغيل خلال العشر سنوات الأخيرة. نهاية صلاحيات هذا النموذج، لا تلغى الاعتراف له بالجميل لما قدمه من إضافات للاقتصاد الوطني على مستوى البنيات التحتية الاقتصادية من طرق، موانئ، مطارات سدود، ومناطق صناعية، هذا في الوقت الذي مكن البلاد أيضا من بنيات تحتية اجتماعية مست كل القطاعات التي لها ارتباط مباشر بحياة الناس من قبيل السكن والماء والكهرباء والتمدرس والصحة... يقول أحمد لحليمي المندوب السامي للتخطيط الذي حل رفقة فريقة أول أمس بالدار البيضاء، في ندوة صحفية، قام خلالها بتحليل الأرقام الكثيرة حد التخمة، التي خرجت بها دراسة المندوبية. النموذج ساهم أيضا في إنعاش الشغل، يظهر ذلك جليا من خلال خلق 156 ألف منصب شغل سنويا طيلة العقد الأخير، مما ساهم في تخفيض نسبة البطالة بالمغرب ويصل حجم التشغيل حاليا إلى 10,405 مليون نشيط مشتغل مقابل 8,845 عند بداية سنة 2000. نتيجة اعتبرها لحليمي جيدة، لكنها لن تستمر إلى ما لانهاية.. فعلاوة على أن الاستثمارات المخصصة للبنيات التحتية ليس لها مردود على المدى القصير، فإن الطلب الداخلي النهائي يكرس سلبيات أخرى على الميزان التجاري لأن الاستجابة للطلب يتم عبر الاستيراد، وهو مايعني فقدان مناصب للشغل على المستوى الوطني لفائدة الخارج، هذا مع أخذ الاعتبار أن الصادرات المغربية غير مؤهلة حاليا في سد العجز. أكثر من ذلك، حسب المندوبية السامية للتخطيط، هو أن مواصلة الاعتماد على الطلب الداخلي يعني أيضا اتساعا للفجوة بين الادخار والاستثمارات المحلية، وهو ما سيطرح إشكالية التمويل، أولا بسبب تقلص المدخرات المحلية، وثانيا عدم أو احتمال عدم وفاء البلدان المتقدمة بالتزاماتها في ظل الظرفية الاقتصادية الصعبة التي مازالت تلقى بتداعياتها على اقتصاداتها. المخرج من هذا الإشكال، حسب لحليمي، هو تغيير نموذج النمو، وذلك بالنهوض بالموارد البشرية حتى تصبح قادرة على الاستجابة للاختيارات الاستباقية التي يسلكها المغرب حاليا، من قبيل الانخراط في في مشاريع تمثل مزايا بالنسبة للمغرب من قبيل الطاقات المتجددة وصناعة السيارات والطائرات والصناعات المعدنية والكميائية وغيرها، وهو ما سيمكن المغرب من الاندماج في المنظومة الاقتصادية الدولية، فالفرص التي خلقها النموذج السابق كانت في صالح غير المتوفرين على مؤهلات أكثر من غيرهم، بينما الآن هناك ضغط من طرف حاملي الشهادات وهي ليست بالضرورة متلائمة مع طلبات سوق الشغل، لذلك يجب إعادة النظر في المنظومة التعليمية والتكوينية من أجل استيعاب العجز، يقول المندوب السامي للتخطيط.