على غير العادة امتلأت القاعة الرئيسية بدار المحامي بالبيضاء بنساء متقدمات في السن، انخرطن في أحاديث حميمة، ما إن تبدأ الواحدة منهن في الكلام حتى تتبعثر الدموع فوق وجوه أبى الزمان إلا أن يترك بصماته عليها.لم تجلس هؤلاء النسوة في الصفوف الأمامية من أجل الفرجة ، ولا طمعا في الظهور أمام عدسات المصورين، أمهات ضحايا سنوات الرصاص اللائي تعودن على التواري كن نهاية الأسبوع الماضي ضيفات شرف على الأيام الربيعية الأولى للمنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف المنضمة تحت شعار «الأمهات هناك ..الأمهات هنا». باهتمام كبير تابعن ندوة عن مآل العدالة الانتقالية في المغرب، كيف لا وهي تحاول الإجابة عن أسئلة حارقة ظلت تشغل بالهن لعقود، اهتمام لم تكسره إلا ومضات أحد مصابيح القاعة ، لاهو أكمل اشتعاله ولاهو انطفأ وأراحهن من كثرة الالتفات نحوه. وضع زاد من قتامته تشاؤم المتدخلين، فهذا مصطفى مفتاح، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، الذي تساءل عن مصير توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة، يعتبر أن ليس هناك صيرورة لمسلسل العدالة الانتقالية، واصفا ماتم تحقيقه بالتسوية الناقصة وأن «الدولة لم يكن يهمها إلا التخلص من صورة النظام القديمة » يتابع مفتاح على مضض تناست الأمهات رقصات المصباح الشقي وتجمدت نظراتهن في اتجاه المصطفى البراهمة، عضو الكتابة الوطنية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو يرصد «ثغرات مسلسل تسوية مخلفات سنوات الرصاص «. الملفات الرئيسية لم يتم الكشف عنها بعد » ، «الأجهزة المسؤولة عن الانتهاكات لازالت قائمة » يعدد البراهمة الندوة، التي تبعها عرض شريط أرجنتيني يصور معانات عائلات الضحايا أيام الديكتاتورية العسكرية، أبى جواد الصقلي، عضو المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي للإنصاف و الحقيقة إلا أن يختمها بنبرة التشاؤم عندما قال متساءلا «هل نتوفر على عدالة الحاضر حتى نطالب بعدالة الماضي؟». فجأة استكملت القاعة إنارتها واستقر المصباح، أخيرا، على الاشتعال، « حتى فات الفوت » تعلق إحدى أمهات الضحايا وهي تهم بالخروج من القاعة التي غادرها الجميع