نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان ندوة فكرية بقاعة محمد الكتاني صباح يوم الأربعاء 22 مايو الجاري، حول موضوع : تقديم كتاب "الجزائريون في القرن 13ه/19م مساهمة في التاريخ الاجتماعي المغربي" لمؤلفه إدريس بوهليلة، وهو أستاذ لمادة التاريخ الوسيط والحديث، بجامعة عبد المالك السعدي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية- تطوان. والمعروف عن الباحث الأستاذ "إدريس بوهليلة" أنه شقّ طريقه في ميدان البحث التاريخي بصبر وأناة منذ التحاقه بكلية الآداب ، وبرز من خلال مداخلاته القيمة والمفيدة في مختلف اللقاءات العلمية، كما أنجز أبحاثا ودراسات قيّمة حول التاريخ الاجتماعي لمدينة تطوان، مهّد لها بتحقيق ودراسة كتاب «الحلل البهية في ملوك الدولة العلوية وعد بعض مفاخرها غير المتناهية»، لمحمد المشرفي. وهذه الندوة كانت فرصة لمناقشة ظروف هجرة الجزائريين واستقرارهم في مدينة تطوان عقب الاحتلال الفرنسي لبلدهم سنة 1830م / 1246ه. وحضر هذه الندوة ثلة من دكاترة وأساتذة جامعة عبد المالك السعدي والطلبة الباحثين لشعبة شمال المغرب المتوسطي وشعب أخرى. افتتحت الندوة من طرف الدكتور الشاعر "أحمد هاشم الريسوني" الذي رحب بالحضور الكريم وفتح باب المناقشة. وكانت أولى المداخلات مع العلامة الدكتور "عبد الله المرابط الترغي" الذي أكد على أن أهمية الكتاب راجع لكون مؤلفه "إدريس بوهليلة" انطلق عند تناوله لهذا الموضوع من العلاقة الجيدة التي ربطت بين مدينة تطوان والجزائر. ثم تدخل الدكتور "عبد العزيز سعود" الذي اعتبر أن المؤلف بدل مجهود كبير واستطاع من خلال أبحاثه أن يقدم أشياء جميلة خاصة أنه عمل على تحليل تلك الأحداث.. كما تحدث سعود عن بعض النقاط التي اختلف فيها مع صاحب الكتاب.. كانت أيضا هناك مداخلة للدكتور "محمد جبرون" وهو باحث في الفكر السياسي، هذا الأخير أشاد بأن كتابات المؤلف تحظى باهتمام كبير، كما أن كتابه هذا ينسب للتاريخ الاجتماعي الذي يهتم بالتحولات العميقة للبنية الاجتماعية. أما المداخلة ما قبل الأخيرة فكانت للدكتور "نزار التجديتي"، الذي سلط الضوء على السياق المنهجي لاهتمامات الباحث "إدريس بوهليلة" العلمية والفكرية، حيث اهتم في البداية بعلم تحقيق النصوص ليجعله ينتقل إلى ميدان الدراسات التاريخية .. مشيرا إلى الكفاءة العلمية التي يتمتع بها الباحث والتي خولت له تأليف بحوث في التاريخ . أيضا نجد الدكتور "عبد الطيف شهبون" هو الآخر تحدث عن أهمية الكتاب والتي تكمن حسب رأيه في عدة نقاط أهمها: أنه يوجه للقارئ رسالة مرادها أن القيم الثقافية والإنسانية أكبر من السياسة. كما أن الموضوع في علاقة بصاحبه له سياقان: ذاتي: يتجلى في أن الكاتب اشتغل مدة 12 سنة في هذا الموضوع. موضوعي: قيمته تتجلى في أنه جمع المعلومات المتناثرة وتوسع فيها تدقيقا وتحليلا. اعتبر أن هذا الكتاب يفتح مجموعة من الآفاق ليس أمام باحثي التاريخ وحسب وإنما يفتح آفاق حتى للمهتمين بالمجال الأدبي. وفي ختام الندوة كانت الكلمة لصاحب الكتاب الباحث "إدريس بوهليلة" الذي وجه شكرا خاصا لكل الحضور ورحب بتدخلاتهم القيمة، وقال أن هذا البحث جاء صدفة أثناء وجوده في الرباط لتحقيق كتاب الحلل البهية فكانت هذه هي أولى صلته بالموضوع. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يعتبر من أبرز الإصدارات الحديثة التي حاولت طرح القضايا والمواضيع من عدة زوايا، فقد اعتمد المؤلف على مختلف أصناف المصادر، و كذلك على أساليب وتقنيات جديدة قي عرض الحادثة التاريخية، وبالتالي يدخل هذا البحث ضمن المواضيع التي تتميز بالحنكة والدقة في معالجة القضايا الراهنة. يقول الدكتور "محمد الشريف" في هذا الكتاب وصاحبه : "…لقد استند المؤلف في بناء فصول هذا الكتاب على مختلف أصناف المصادر، وعلى رأسها الرسائل المخزنية الأصلية، والحوالات الحبسية، اقتناعا منه بضرورة الاعتماد على الوثيقة الوطنية المحلية لتجاوز التخريجات المغرضة للدارسين الذين اعتمدوا على الوثائق الأجنبية، ولقد اعتمد الأستاذ "إدريس بوهليلة" منهجية تحليلية تقوم على قراءة الوثائق وتفكيك مركباتها، ودراستها، وتقدها، وتقويمها، مبرزا عن قدرة وكفاءة هائلة على الاستقراء والاستنباط…فهذا الكتاب مساهمة جادة وغير مسبوقة لإماطة اللثام عن جانب مغيب من تاريخ تطوان الاجتماعي في القرن 13ه/19م…". إن هذه الشهادة تعتبر بحق دليلا قاطعا على أهمية الكتاب باعتباره تجربة مغربية معاصرة راهنت بمضمونها وشكلها وأسلوبها ومنهجها على تجديد الكتابة التاريخية المغربية وتطويرها، خاصة في ظل تأثر الباحثين المغاربة بالنهضة التحديثية التي شاهدتها الجامعات الأوربية.