يوجد فائض من النماذج التي يمكن تأملها في موضوع الهوس بالمتابعات، ورفع المشاهدات و"اللاياكات". وفي هذا الرأي المتواضع، سأحاول البحث عن أهم المساحات المشتركة بين جريمة مفتعلة تم بث فصولها عبر أثير إذاعة خاصة، وظاهرة روتيني اليومي التي تسيء لصورة المرأة وتسوقها على أساس أنها بضاعة في سوق النخاسة وتخدش الحياء العام، ومشهد أكثر خطورة يتمثل في خائن للوطن ومن على شاكلته لا يملون من بث سموم التشكيك وضرب ثوابت الوطن، والتشهير برجاله ومؤسساته. وإعمالا لمبدأ التدرج أنطلق من قضية منشط إذاعي كشفت التحريات أن ما كان يراد به واقعة سرقة مصحوبة بنكهة الإثارة والتشويق، تبين لاحقا أنها تمثيلية مفبركة أفضت لمتابعة أشخاص بتهم إهانة هيئة منظمة وبث معطيات يعلم بعدم وجودها. إن أبعاد هذه الحادثة تتمثل في غياب الوازع الأخلاقي والاستخفاف بالمسؤولية الاجتماعية، ناهيك عن المس بالشعور بالأمن. فيصبح نشر المعلومات الكاذبة ممارسة معتادة لجذب انتباه المتابعين، مما يؤدي إلى زعزعة الثقة في المعلومات، وانتشار الشائعات التي تهدد استقرار المجتمع. وفي النموذج الثاني الذي أصبح ظاهرة مقلقة فرضت نفسها بقوة في المتاهات الرقمية، ويتعلق الأمر بجني أعلى نسبة ممكنة من المشاهدات عبر مقاطع مصورة لا تعترف بالحياء، وتسيئ لصورة المرأة وتجعل منها بضاعة تباع وتشترى، محددة وظيفتها في جسدها الذي يغذي نزوات المتابعين. أما أضرار هذه الظاهرة فهي وخيمة ومتعددة الأبعاد، تتعدى هدم القيم والأعراف المغربية الأصيلة إلى تفكيك الأسر وتهديد السلم الاجتماعي. أما النموذج الأخطر، فيتمثل في استغلال سهولة الوصول إلى مسامع وأنظار الجمهور وبث أكبر قدر ممكن من السفسطة والقصص البعيدة عن الواقع والتي يصعب التحقق منها حول نظريات المؤامرة، القائمة على دغدغة المشاعر وسيكولوجيا الوهم، بهدف التأثير والاستقطاب وزعزعة الاستقرار، والتشكيك في عمل المؤسسات. إن النماذج المذكورة وما يشبهها تتغذى من المكاسب الاقتصادية والمصالح السياسية، ضاربة بعرض الحائط المخاطر الاجتماعية، وتعيش كالطفيليات في فوضى مترامية الأطراف، يصعب على الجهات المختصة في الوقاية والأمن السيبيراني ضبط ومراقبة جميع جرائمها المعقدة، التي تستغل غياب النصوص القانونية على الصعيد الدولي، تحت مسمى "حرية التعبير"، في الوقت الذي يجب تصنيفها ضمن خانة الجريمة العابرة للقارات. كما أن الذين يسعون بشكل شرس وراء الاهتمام من وراء الشاشات أمثال "فرحان" هم في الحقيقة أشخاص يعانون من نقص الاهتمام في الحياة الحقيقة، وهذا النقص المرضي يتحول لدافع وراء الشهرة والنجومية الافتراضية. من جهة أخرى، دعونا نتساءل لماذا مكنتنا الدول المتفوقة من تكنولوجيا التواصل والاتصال ومنعتنا من أسرار الصناعات المتطورة والدفاعية ؟ أليس لغايات مدروسة بعناية تساعد هذه الدول على البقاء في الصدارة؟ ختاما، إن أنجع وأسهل طريقة لمحاربة جرائم الدعاية الكاذبة وصناعة الوهم هي تجريدها من وقودها الأساسي وهم المتابعين. بمعنى أننا عزيزي القارئ بإمكاننا أنا وأنت وكل أفراد المجتمع محاربة هذه الظواهر الخبيثة من خلال الإعراض عنها والكف عن متابعتها حينها لن يجد فرحان وأمثاله أي أحد يأبه للتفاهات.