شعر الأوكرانيون في وقت من الأوقات أن رئيسهم فولوديمير زيلينسكي ضعيف في علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت شعبيته تتآكل وتعرض لانتقادات لاذعة لفشله في سياسات مكافحة الفساد ووعود انتخابية أخرى. لكن كرئيس في زمن الحرب، ارتقى فولوديمير زيلينسكي سريعا إلى مستوى التحدي بشكل ملحوظ، ليتحول إلى بطل في نظر مواطنيه ورمزا حتى على المستوى العالمي. أظهر الممثل الكوميدي السابق البالغ من العمر 44 عامًا شجاعة كبيرة، وانضم إلى مواطنيه في شوارع كييف، رافضًا المغادرة على الرغم من العروض الغربية لتهريبه خارج البلاد. واستخدم الرئيس الأوكراني الصور لصالحه بذكاء، وبدلاً من الاختباء في ملجأ، أظهر نفسه يسير في شوارع كييف أو يزور الجنود، وفي كل يوم تقريبًا يظهر في مقطع فيديو جديد على وسائل التواصل الاجتماعي متحديا روسيا وآلتها الحربية الثقيلة. وليس الأوكرانيون وحدهم من أعجب بأفعال زيلينسكي، حيث أشاد اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي بقراره البقاء على عكس ساستهم الذين فروا خارج البلاد مع اندلاع تمرد الحوثيين. الأفغان أيضاً أشادوا بزلينسكي وأشاروا بمرارة إلى أن رئيسهم السابق أشرف غني فر من البلاد مع وصول طالبان إلى العاصمة كابول. رفض الهجرة إلى إسرائيل نشأ زيلينسكي لأبوين يهوديين في الجزء الشرقي من أوكرانيا، وكان والده أستاذًا للرياضيات ودرست والدته الهندسة. وعندما سُئل عما تعنيه يهوديته الفعلية بالنسبة له، كان زيلينسكي غير مبالٍ، معتبرا أن "معظم العائلات اليهودية في الاتحاد السوفيتي ليست متدينة". كان زيلينسكي وعائلته جزءًا من بضع مئات آلاف من اليهود الذين بقوا في أوكرانيا ورفضوا عروض الهجرة إلى إسرائيل. طريق غير مألوف لم يكن من السهل على زيلينسكي تصوير نفسه كرجل دولة، وهو رئيس غير متمرس ولا يتمتع بأية خبرة سياسية ولم يكن الطريق الذي سلكه إلى سدة الرئاسة طريقا مألوفا بأي حال. وبدأت مغامرة زيلينسكي السياسية بما يشبه المزحة في آخر يوم من عام 2018 مع الإعلان المتلفز عن ترشحه للانتخابات الرئاسية. كان ممثلا كوميديا يحظى بشعبية واسعة آنذاك، بعد نجاحه البارز في مسلسل "خادم الشعب" الذي لعب فيه دور مدرس تاريخ سليط اللسان يصبح رئيسا بعدما صوره أحد تلاميذه وهو يتكلم بحماسة ضد الفساد ونشر المقطع على الإنترنت. وحتى مع فوز زيلنسكي بنسبة 70 % من الأصوات، إلا أن كثيرين لم يأخذوه على محمل الجد في البداية، خاصة أنه سارع إلى ضم أعضاء شركته للإنتاج إلى فريقه الرئاسي. وتشكك الأوكرانيون في قدرته على التعامل مع زعماء العالم لكن ومع مرور الوقت أثبت زيلنسكي قدراته وتأثيره الدبلوماسي القوي. ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا والتي وضعت العالم أمام أخطر أزمة منذ نهاية الحرب الباردة، دخلت رئاسة زيلينسكي نقطة تحول مفاجئة ومفتوحة على كل الاحتمالات.