اتسعت رقعة الاحتجاجات الشعبية في الجزائر على خلفية غلاء المعيشة وسياسة التقشف التي شرعت الحكومة في تطبيقها منذ بداية السنة الحالية، والتي كانت قد انطلقت في مدينة تيزي وزو ( 120 كيلومترا شرق العاصمة) لتنتقل إلى مدن سطيف وباتنة في شرق البلاد، ثم لتعود مجددا إلى منطقة القبائل، وبالتحديد إلى ولاية بجاية (230 كيلومترا شرق العاصمة). وقد ترواحت هذه الاحتجاجات بين المسيرات السلمية وبين المواجهات مع قوات مكافحة الشغب في مناطق أخرى. وكانت مدينة بجاية قد شهدت أول مظاهرة سلمية احتجاجا على غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار التي أقرها قانون الميزانية. وانطلقت المظاهرة من دار الثقافة وانتهت بتجمع شعبي بساحة حرية التعبير. وقد شارك في هذه المظاهرة مواطنون ونقابيون وعمال رفعوا عدة شعارات منددة بغلاء المعيشة، ومتهمين الحكومة بتطبيق سياسة تقشف انتقائية يدفع ثمنها المواطن البسيط وحده، في حين يواصل أصحاب المال والسلطة حياتهم الرغدة بعيدا عن معاناة باقي الجزائريين، بينما دعا آخرون الحكومة إلى الرحيل لأنها فشلت في التسيير رغم البحبوحة المالية التي توفرت لها خلال ال15 سنة الماضية، والتي لم تتوفر لأي سلطة حاكمة منذ استقلال البلاد سنة 1962، بدليل أن الجزائر أنفقت حوالي 1000 مليار دولار منذ 1999 بدون أن تحقق الإقلاع الاقتصادي المطلوب، في وقت استشرى فيه الفساد ونهب المال العام. وشدد المتظاهرون على ضرورة التفات الحكومة لمطالب الطبقات المحرومة، خاصة العمال الذين يحصلون على أجور زهيدة لم تعد تكفي لسد حاجياتهم وضمان العيش الكريم لهم، معتبرين أن تجاهل هذه المطالب المشروعة يعد هروبا إلى الأمام. في المقابل مازال الوضع متوترا في بعض المناطق بمدينتي سطيف وباتنة شرق البلاد، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت قبل أيام بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، والتي تحولت إلى مواجهات بين المواطنين وبين قوات مكافحة الشغب التابعة للدرك الوطني، التي استخدمت الغازات المسيلة للدموع من أجل تفريق المتظاهرين، والتي أسفرت إلى حد الآن عن عدة جرحى، بدون أن يؤدي ذلك إلى توقف هذه الاحتجاجات الشعبية التي تعتبر الأولى التي تأخذ هذا الطابع العنيف، وتهدد بانتقال الشرارة إلى مناطق أخرى، خاصة وأن المواطنين بدأوا يشعرون بآثار الازمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، ورغم التطمينات التي قدمتها الحكومة بأنها ستعمل على عدم تأثر المواطن بها. إلا أن ارتفاع الاسعار والضرائب المسجل منذ بداية السنة بدأ يرهق أصحاب الدخل الضعيف، وينذر بما هو أكثر خاصة وأن أسعار النفط تواصل انخفاضها، الأمر الذي سيضطر الحكومة إلى اتخاذ تدابير أكثر قسوة خلال الأشهر القليلة القادمة، وشبح أزمة الثمانينيات يخيم على بلد يعتمد في دخله على النفط، في غياب رؤية اقتصادية ومخطط استعجالي وانقاذ البلاد من إفلاس يبدو حتميا.