بقلم: هشام عابد- باحث في الفكر الإصلاحي * لحظة من فضلكم..! ممنوع رامي الأزبال وشوكرن! ممنوع ألبول يا حمار!… ليس منا من المغاربة من لم يصادف هذه الجملة في حياته داخل المدن المغربية وداخل حيه وداخل الزوايا المعتمة والأجزاء والشوارع الخلفية… شعارات وعناوين وجمل مكتوبة بخط متكسر وركيك في الغالب، كتبها مغاربة ضاقوا ذرعا بالأزبال وروائح البول… لوحات إشهارية إعلانية شعبية من الشعب وإلى الشعب، تطالب أحيانا باللباقة وبالتي هي أحسن وبالكلم الطيب، وأحيانا مصحوبة ب “ياحمار” أو “حيوان”.. “من رما الأزبال فهو حمار”، أو “ممنوع البول هونا يا حيوان”، أحيانا تأخذ الكتابة على الحائط طابعا دينيا في شكل تذكير ديني “النظافة من الإيمان”، و”إماطة الأذى عن الطريق صدقة” وأحيانا في شبه نصائح عامة بمبادرة من البلديات أو جمعيات المجتمع المدني مثل “لنحافظ على نظافة حينا” أو “الحديقة ملك لنا فلنحافظ عليها”، أو”من أجل شواطئ نظيفة”، و”بونظيف” وغيره من البرامج الموسمية والحملات… * الشعب… ونحن والحالة هذه، نكون أمام “طلب متكرر” من المغاربة للمغاربة بالتزام الواجب الأخلاقي واحترام الآخرين وعدم إذايتهم واحترام البيئة والإلتزام بالتظافة… فنكون بذلك مغاربة “بوالون” رامون للأزبال، مخربون للملك العام، مخربون للملاعب، مكسرون لشارات الطرق… فأينما غابت العيون وسنحت الفرصة فثمة مراحيض افتراضية يمارس المغربي هواية التغوط والتبول في الهواء الطلق..! والزوايا المظلمة والأزقة المعتمة والخرب والبنايات المهجورة والغابات… شعب يتبول على آثاره وأسواره ومبانيه التاريخية بكل نشوة واستمتاع وحرية، يقفل أزرار سرواله ويمضي الهوينى في نفس الشوارع التي ينتقد على الدوام لا نظافتها ولا نقاءها ولا نظامها! ونفس الأمر تجده في مراحيض المؤسسات التعليمية والجامعات والمستشفيات والمقاهي وقس على ذلك… وتفاجئك الكثير من العبارات من قبيل “المرجو صب الماء بعد الاستعمال وشوكرا”… فهل نحن مطالبون في المغرب بأن نتبع كل مواطن في المغرب ننتظره ليخرج من المراحيض والحمامات لننظف وراءه ما تركه! هل نحن مطالبون بأن نتبع المغاربة بعصى لثنيهم عن الممارسات اللاأخلاقية، كرمي القمامة أينما اتفق ومن فوق المنازل والأسطح ومن النوافذ وفي الأراضي الفارغة والبقع غير المبنية، لتصبح مزابلا ومستنقعات تفيض أزبالا وبعوضا وذبابا وروائح كريهة تهدد الساكنة وتصيب الأطفال والشيوخ بالأمراض، وتحيل الحياة إلى جحيم، والحي إلى مزبلة، والمنظر إلى مهزلة وقبح وبشاعة..؟ هل نحن مطالبون على الدوام بمتابعة المغاربة كي لا يرموا الأزبال في الأرض ونتبعهم باليافطات مترجين إياهم عدم رمي الأزبال ومذكرين إياهم عبر الكتابة على الجدران حتى لا يتبولوا على الجدران وأبواب المنازل والكاراجات والزوايا والعطف والشوارع الخلفية… هل نحن مطالبون بحملات متواصلة ويومية ليمشي المغاربة في ممرات الراجلين وعلى الأرصفة، واحترام علامة قف التي أشارت دراسة مؤخرا أن أزيد من 90 بالمائة من المغاربة لا يحترمونها؟ * الدولة… لكن..! لنكن منصفين قليلا، وإذا كنا نلوم الشعب على أفعاله، فأين هي الدولة؟ دولة الحكامة، ودولة البنيات التحتية، ودولة المؤسسات، ودولة أزيد من 30 وزراة، ودولة الدستور المتقدم، ودولة المحاسبة والمراقبة، ودولة التنمية المستدامة، ودولة الجهوية المتقدمة، ودولة المشاريع الكبرى… ماذا قدمت هذه الدولة التي تدعي الحداثة والتقدم لهذا الشعب؟ أين المراحيض العمومية؟ دولة ليس لها ولا تريد أن يكون لها مخطط لبناء مراحيض عمومية مجانية أو مأجورة حتى في كل زوايا وأركان المدن الأكثر كثافة وتكدسا بشريا! وكيف إذن لمواطنين يتجولون ويتحركون طيلة ساعات اليوم أن يقضوا حاجاتهم البيولوجية والطبيعية حين يحتاجون لذلك، ولا يجدون الأمكنة المخصصة لذلك؟ ما ذنب هؤلاء المواطنين الذين يرغبون في الاستفادة من حقهم البيولوجي وهم خارج منازلهم؟ وإلى متى ستظل الزوايا المظلمة والمزابل والغابات والحدائق العمومية والخرب والأسوار التاريخية عرضة لفضلاتنا ومكانا لقضاء حاجاتنا؟ وكم ترى عيونكم منظر أب أو أم تضطر وفي الشارع العام حين احتاج أحد الأبناء إلى الدخول إلى المراحيض لقضاء الحاجة، فتضطر إلى النزوع إلى إحدى الزوايا أو جذران أو حيطان أحد المنازل في الشارع العام في وضع محرج وأمام المارة أحيانا ليقضي الطفل حاجته؟ والسواح الأجانب الذين تراهن الدولة المغربية للرفع من أعدادهم كرهان، وحين يقدم هؤلاء إلى المغرب هل يبحثون عن المقاهي لقضاء حاجاتهم؟ وإن لم توجد مقاهي بذلك الحي ماذا يكون العمل؟ بل وكيف نقنع العالم بتنظيم ملتقيات وتظاهرات عالمية ونحن لم نجهز البنية التحتية الضرورية الضامنة لراحة المواطن ونظافة المدينة؟ نعم..! الدولة تتحمل القسط الأوفر من هذه الإشكالية إلى جانب عدم انضباط الشعب ولا أخلاقه. لها الجانب الأكبر من تكريس المشكلة. لا بنيات تحتية ولا حاويات أزبال في أماكنها، وإن وجدت لا تحمل في وقتها، وإن حملت في وقتها لا تنظف وتترك عرضة للإهمال والركل والحرق والسرقة… أين الحاويات وعلب القمامة المنبثة في كل مكان؟ أين كاميرات المراقبة ورجال الأمن في الأماكن الأكثر تجهيزا وكثافة سكانية… أين دور التعليم؟ فكم كنا لنتخلص من الكتابة والتنبيه المتواصل والرجاء المتكرر للمغاربة على الجذران وعلى أبواب المراحض … لو كان التعليم والمؤسسات التعليمية والنظام التربوي يركز في برامجه ومقرراته على أساسيات وأخلاقيات العيش المتحضر داخل المدن، وتنمية حس المواطنة في العلاقة بالوطن، كما لدى الأجانب. هل يستطيع مغربي رمي الأزبال أو التبول على معلمة تاريخية أمام أصحاب البلد في المهجر؟ بالطبع لا.. وإن حصل فإنه يلقى القدر الكافي وأكثر من كلمات الاستهجان والاستنكار والاحتجاج، ونظرات الاحتقار والاشمئزاز… أين دور الإعلام؟ القنوات العمومية التسع، ما دورها إن لم يكن برامج يومية عن كيفية التعامل مع الطريق وقانون السير، وعن ضرورة الاهتمام بأحيائنا، وحدائقنا، وشواطئنا ومدننا وملاعبنا ومؤسساتنا العمومية، وإيصال فكرة أنها لنا وملكنا، وأننا حين نخربها أو نرمي الأزبال فإننا نساهم في الخراب والتدمير لا بالناء والتنمية… وكم كنا لنربح من تقدم داخل المدن بشريا وحضريا لو تخلى الإعلام المغربي عن بعض المسلسلات المكسيكية أو التركية والكثير من البرامج التافهة وعوض حصصها الزمنية للتوعية والتنوير والرفع من مستوى التحضر ومستوى العقلية المغربية… * علاش حنا هكذا..؟ علاش حنا هاكدا..! يمكن المدرسة ما قامتش بالواجب ديالها؟ يمكن الإعلام ما قايمش بالدور التوعوي ديالو؟ يمكن الأسرة ما قامتش بالدور ديالها؟ يمكن حنا المغاربة شعب داير هكدا كيعجبوا يعيش في الزبل وماكايحملش النظافة وكايلقا راحتو في الفوضى والنفايات؟ يمكن حنا شعب كيستمتع يخلي الفضلات ديالو في المراحيض باش يطعن ويمرض خوتوا المغاربة؟ ويمكن مامربينش؟ ويمكن ويمكن ويمكن… المهم الواقع يقول بأننا شعب قاصر وغير متحضر في جزء كبير منه ومن تأخذه العزة بمغربيته ويدير فيها محامي، فالشوارع والمزابل والزوايا المتعفنة بالبول وفضلاتنا في كل مكان تقول له أصمت..! كفانا شوفينية ونفخة كذابة وأنانية مريضة… فأول الإصلاح يتم بتعرية الواقع والاعتراف بالعيوب والنقد البناء الذي لا يفسد للأنفة والعزة المغربية قضية… لماذانؤدي أنفسنا، ونعشق السيبة دولة ومجتمعا هل نخاف من النظام والنظافة! وعلى سبيل الموضوع.. رجاء! فأنا أريد أن أفهم وأجد علاقة بين بعض الأمور. وأريد من أحدكم أن يشرح لي معنى أن تكون في حي أحدكم أحد “الحجاج” (وأنا متأكد أن كل حي مغربي فيه حاجة أو حاج من هذا النوع)، كيف لبعض حجاج بيت الله من الجيران يخرجون خلسة وفي الليل.. وبدل أن تضع “ميكة الزبل” أمام وبالقرب من دارها تذهب به إلى بيت جارها! فهل الدين والعبادة في جهة والسلوك في جهة أخرى؟ وأريد أيضا من أحدكم أن يربط لي العلاقة بين شاب يتبول على باب منزل أو حائط وهو على بضع خطوات من مقهى يمكنه دخولها وقضاء حاجته بها؟! وأن يفهمني أحدكم ما معنى أن نصلي في الوقت، و”ماكنطيحوش الفجر” ولا يحلوا لنا بكل أنانية إلا بإلقاء ووضع أزبالنا بالقرب من أبواب الجيران؟ ألم يوصي الله بسابع جار فلما نمعن في إيذاء أول الجيران!؟ وأريد أن أفهم معنى أن تكون “النظافة من الإيمان” ونرمي بأزبالنا من النوافذ مباشرة إلى البقع الفارغة غير المبنية والتي أصبحنا نسميها ب “الزبالات”. من صنعها؟ من حولها إلى زبالات بعدما كانت بقع فارغة كان بالإمكان أن تتحول إلى حديقة أو إلى كراسي للراحة أو تركها على الأقل فارغة نقية..؟ وأريد أن أستوعب الرابط بين كوننا نسارع إلى المساجد لنصلي ولنتقرب إلى الله وننال رضاه، ونترك فضلاتنا التي نؤدي بها عباد الله دون القيام بأدنى عملية وهي: “صب الماء”! فحتى الحيوانات تواري سوأتها! فهل نحن أقل منها شأنا؟! ولا أخفيكم سرا أني في كثير من الحالات أصاب بما يشبه الرغبة في التقيء اشمئزازا من الوضع الكارثي الذي يتركه آخر مستعمل للمرحاض في مسجد أو مقهى أو مرحاض عمومي، فهل عملية صب الماء عملية صعبة ومتعبة؟! ولماذا نحن مطالبون كل مرة وأينما حللنا إلى الكتابة على الجذران وملاحقة المغاربة بيافطات ولافتات وعلى الجذران وعلى أبواب المراحيض بالمساجد والمؤسسات تنصحنا، تنبهنا، تذكرنا، وأخرى تصفنا بالحمير والحيوانات إن نحن تصرفنا على نحو لا حضاري لا متمدن لا إنساني لا أخلاقي..! يا حسرة.. أمة “النظافة من الإيمان”، نعم من الإيمان، شرط الإيمان، أستغرب شديد الإستغراب من قوم يضعون أسوارا وحواجز بين الشق النظري للعبادة والشق العملي، مع العلم أن الشق النظري لا يساوي شيئا بدون الشق التطبيقي السلوكي العملي الواقعي الفعلي…”أين النظافة من الإيمان”؟ فهل نحن مؤمنون فعلا أمام هذه السلوكيات والتصرفات..؟ * رجاء أيها المغاربة… فالمرجو عدم التبول على الجذران والأبواب… المرجو صب الماء بعد كل استعمال، لكي لا تكون بعض الحيوانات أفضل حالا منكم، فالماء متوفر وموجود وما عليك إلا فتح الصنبور لينزل..! المرجو وضع أزبالنا أمام أبواب منازلنا لا أمام أبواب ومنازل الجيران، لأن كل مرة تفعل فيها تثبت فيها أنك حيوان ومتخلف وجار سيء، و تغني رصيدك من السيئات… المرجو التوجه نحو حاويات الأزبال فهي متوفرة على بضع خطوات إن أردت رمي قمامتك اليومية، بل وكل خطوة باتجاه حاوية الأزبال فهي حسنة تحسب لك، وتثبت تحضرك وتمدنك و إنسانيتك… المرجو عدم إلقاء الأزبال من نوافذ المنازل بل إخراجه ووضعه في المكان الذي يليق به… المرجو احترام المباني التاريخية بعدم التبول عليها، فلو علم بناتها من الحضارات السابقة أن مصيرها سيكون تحت رحمة اليود المغربي “الخانز” لما كلفوا أنفسهم تعب تشييدها… المرجو عدم القيام بمثل هذه التصرفات حتى لا نكون كما تصفنا الكتابات على الجذران ب”الحمير” و”الحيوانات”… مال والديك معكس أيها المغربي المسخووط..! مالك كتحماق على السيبة والفوضى وكتكره النظام والنظافة..؟ أهكذا نحن..؟ أهكذا نريد أن نكون..؟ ألهذا السبب نقول أننا “مغاربة ونفتخر”..؟ أروني التقدم من فضلكم..! أين هو؟ دلوني عليه؟ إني أبحث عنه كما فعل “ديوجين” حاملا مصباحا في وضح النهار لكني لا أجد للتقدم أثرا بالشوارع المغربية؟ نعم..! فالأمر يسهل فهمه، إذ ما هو إلا تحصيل حاصل. أولا: ليس للدولة أية نية أو إرادة في خلق “النظام” داخل مدن المغرب بمفهومه الحضاري، ولا تهتم بفضائها العمومي، ويكفيها الاهتمام بالأحياء الراقية أحياء المسؤولين الكبار والنافذين الذين لا يصلهم ذباب وعفونة الأحياء الشعبية الأخرى. ثانيا: الأمر مرتبط بالتربية والتعليم الذي هو أساس التربية الجمعية للعقل المغربي وأساس التأثير على نمط عيشه وطبيعة سلوكياته، وكيف نطلب ذلك وكثير من المؤسسات التعليمية نفسها تعيش على وقع التسيب والخراب! ودروس لمواطنة آخر ما تلتفت إلى مثل هذه الأمور، بل متفرغة للديماغوجية ولاحتواء الإنسان المغربي، في درس مواطنة مسكوك ومزيف… ثالثا: الدولة لا تقيم لقضية “المراقبة والمحاسبة” أية قيمة وفي ظل غياب هذا المعطي لا يمكن ضبط أفعال وسلوكيات الجماهير الشعبية السائبة، وبالتالي ضمان استمرار نفس السلوكيات والأفعال. فالدولة من حقها بل من واجبها بعد إصلاح وإنجاز وتقوية وتوفير بنية تحتية في مستوى يليق بالمغاربة وبالعمق التاريخي والحضاري والجمالي للمدن المغربية، من حقها محاسبة الشعب المغربي بال”الفلقة” والصرامة والعقاب والغرامات على كل فعل مخرب أو مشين في وللفضاءات العامة… وإن كنا نبحث عن الإصلاحات العظمى والقفزات التاريخية داخل التاريخ؛ فلا جدال أن الإصلاح الأساسي والحقيقي يبدأ من ذواتنا، من عتبات بيوتنا من سلوكاتنا اليومية والبسيطة وليس من الكلمات الطنانة والكلام الغليظ والشعارات الكاذبة… حيث “لا طحين تنمية ينتج لك مع جعجعة البلا البلا”…