جميع مدن المغرب من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه أصبحت تعيش على إيقاع تزايد عدد “الكراريس” وظهور أسواق هامشية جديدة، كراريس أصبحت تنمو مثل الفطر هنا وهناك، دون أن يقلق الأمر السلطات المعنية بالأمر التي تغض الطرف، ولو مؤقتا، عن هذه الممارسات التي تشوه واجهة العديد من المدن المغربية. تشي غيفارا الكراريس لم يكن يعلم البوعزيزي حين أحرق نفسه أنه سيطيح بنظام بنعلي، ممهدا الطرق أمام رحيل مبارك في مصر والقذافي بيليبا، لكن ما لم يعلمه “البوعزيزي” كذلك هو أنه صار “شي غيفارا” الباعة المتجولين على الكراريس، فجميع بائعي الخضر والفواكه والأسماك يترحّمون على روح “شهيدهم”، الذي منحهم حرية تحريك كراريسهم كيفما شاؤوا وفي أي اتجاه رغبوا به. عبد الصمد، بائع خضر بالقرب من مسجد حي الصدري بالدار البيضاء يقول إنه يعلق صورة البوعزيزي في بيته، وهي الصورة التي يظهر من خلالها “محرر الباعة المتجولين” والنار تلتهم جسده، يقول عبد الصمد”رغم أنني لست من المستفيدين مما قام به البوعزيزي، إلا أنني أعجبت فعلا بما قام به. الخبز صعيب.” مع ذلك يؤكد لنا عبد الصمد أن العدد المتزايد لباعة الخضر والفواكه يستحق فعلا الوقوف عليه والتأمل فيه، ذلك أنه لا يمكن أن تبقى الأمور على هذه الحال، ولا يجب كذلك ترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب ليحصل على كروسة ” كنا هنا في حي الصدري نتجول فقط بين الأزقة، ونحط الرحال أمام المسجد بعد صلاة الظهر، مع المطاردات الهوليودية بطبيعة الحال، والتي يكون أبطالها رجال القوات المساعدة”، غير أن واقع حي الصدري تغير، فبعد حادث “البوعزيزي”، ازداد عدد “الكراريس” أمام المسجد على مدار اليوم، فما إن يخرج المصلون من المسجد حتى تتعالى أصوات بائعي الخضر والفواكه…”بطاطا ربعين” “زيدو مابقاش…” إلى غير ذلك من وسائل عرض السلع. ناهيك عن ذلك، تمكن هؤلاء الباعة من الحصول على فضاء غير بعيد عن المسجد يستغلونه قبل صلاة الظهر، حيث تعرض به جميع أنواع الخضر بالإضافة إلى السمك… ورغم أن سكان الحي، ومعهم العديد من سكان أحياء البيضاء الأخرى، يشتكون من الأزبال وضجيج أصوات هؤلاء الباعة، بالإضافة إلى بعض المشادات التي غالبا ما تحدث بينهم، إلا أن شيئا لم يتغير، حيث أن السلطات “تاتدير عين ميكة” كما يقول أحد سكان الحي، الذي يؤكد أنه ليس ضد قطع رزق هؤلاء الباعة “غير أنه يجب أن تكون الأمور مقننة وتعمل السلطات المختصة على تحديد عدد هؤلاء الباعة وتسليمهم تراخيص…دون أن يبقى الأمر على ما هو عليه، لأن في ذلك ضرر للجميع.” أبدا دون “كرّوستي” ليست حركة 20 فبراير من كانت وراء ثورة الكراريس، فمن مطالب عقلائها توفير لقمة العيش الكريمم لكن العديد من البائعين سواء بائعي الخضر، الفواكه، الأسماك أو الأقراص المدمجة…لا علم لهم بهذه الحركة وما تسعى إليه ولا علم لهم بمسيراتها أو بياناتها…فكل ما يهم هذه الفئة من المغاربة الباحثين عن لقمة عيش كريمة لهم ولأبنائهم، بل منهم من تشكل الكروسة له، كحال مصطفى، بداية حياة جديدة، فهذا الشاب في أواخر العشرينات من عمره، وبعد حياة انقسمت بين شوارع حي مولاي رشيد وزنازن عكاشة، قرر مصطفى إعلان توبته وحصل على كروسة للبحث عن لقمة حلال “عييت من التسخسيخ، قلت اللهم كروسة نترزق منها أولا هاديك تمارة ديال الحبس”، غير أن هذا الشاب، الذي تبدو على ذراعه علامات “التشراط” أو”الخطوط” كما يسميها البيضاويون، يؤكد أنه لن يتنازل عن “كروسته” في حال قررت السلطات المعنية النقص من عدد باعة الخضر والفواكه المتواجدين بالفضاء المقابل لمسجد، كما يجهل مصطفى ما هي حركة 20 فبراير ولا يحبذ “الحديث في السياسة”. مستفيدون ومتضررون الخيرية، قرب المسرح البلدي مولاي رشيد، عربات مجرورة وأخرى مدفوعة تحمل شتى أنواع السلع. الكل يهتف مناديا على الزبناء، كثرة العارضين ووفرة المنتجات ينتج عنها ازدحام كبير، وهو ما يعتبر أرضا خصبة ل”أولاد علي” لسرقة جيوب المواطنين، بل إن هذا الازدحام ينتج عنه ظهور نوع آخر من اللصوص يجول بين جنبات هذا السوق الذي وصل إلى منتصف الشارع حيث تمر السيارات بصعوبة بالغة، إنهن النساء “سارقات الملابس”، اللواتي تستعمل بعضهن أبنائهن لسرقة الملابس، وهو الأمر الذي يثير حفيطة “التجار الرسميين” بهذا السوق، حيث يفيد أمين، بائع للهواتف النقالة” أن هؤلاء الوافدين على السوق شوّهوا صورته، مؤكدا أنه لم يتضرر بقدوم هؤلاء، ذلك أن له زبائنه الذين يأتون خصيصا إلى “فيترينته” التي يعرض بها آخر صيحات الهواتف النقالة، ويقول أمين إن “العديد من أصحاب الكراريس الجدد ليسوا حرايفية، فكل من سولت له نفسه ميدانا إلا واقتحمه دون معرفة سابقة، لأن الجميع يود استغلال هذه الفرصة الذهبية”. أصحاب المحلات لا يشاطرون بائع الهواتف النقالة رأيه، فقد تضرروا بشكل كبير من الاكتظاظ الذي يعرفه الشارع، خصوصا أن الزبناء يواجهون صعوبة كبيرة في الوصول إلى المحلات، بالإضافة إلى أن سلعهم صارت مخبأة وراء البائعين الذين يعرضون سلعهم بالشارع. يقول صاحب محل لبيع المنتجات المنزلية “هاد الشي حرام، لا يمكننا مواصلة العمل في ظل هذه الظروف. نعلم أن الرزق بيد الله، لكن ما يقوم به هؤلاء ليس بالتصرف المسؤول”.