الحراك العربي لم يكن له إلا وجه واحد، الدين ورجال الدين، والجزيرة شاهد ناطق مرئي أبدي: جمعة الحراك، جمعة الحسم، جمعة الحرائر، جمعة الرحيل، جمعة التضامن.. الهدف المرحلي لم يكن إلا موعدا أسبوعيا يوم الجمعة، وفرسان اليوم لم يكونوا إلا خطباء الجمعة ومرجعهم في الجزيرة واحد لا كلمة فوق كلمته إنه يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والجزيرة التي استوى على عرشها وضاح خنفر في يوم من أيام الانتكاسة بعد انهيار نظام صدام حسين، استطابت جبة الإخوان المسلمين، ولم يكن مبعوث الجزيرة في الأقبية التحتية لميدان التحرير في القاهرة إلا أحمد منصور، صاحب برنامج “شاهد على العصر”، لقد تنازل عن دور الشاهد وتحول إلى صانع للحدث، بحكم أنه مصري ابن مصري، اضطره انتماؤه إلى الإخوان المسلمين إلى اللجوء إلى قطر، حيث تجنس بجنسيتها ونال حظوة جزيرتها. كل الظروف مواتية لكي تصبح العدل والإحسان فاعلة في الحراك المغربي، المغرب مليء بالساحات العامة والجزيرة لا تقتات إلا من صور جند العمائم في الشوارع العربية، فكيف عاشت العدل والإحسان الحراك؟ كيف دَخَلَتْ ولماذا خَرَجَتْ؟
منذ معركة الرؤى في 2006، والجماعة تعيش أزمتها في صمت لقد كانت الجماعة تراهن على تحقق رؤيتها في إقامة الخلافة في 2006، لكن مر العام كاملا والجند في وضعية ترقب بأعناق مشرئبة إلى السماء ولم يحدث أي شيء، المنامات لم تكن بشرى بل كانت حلما لم يتحقق، عاشت الجماعة انتكاسته في صمت رهيب ودخلت معه في رتابة الجلسات التكوينية لجند الخلافة، الذين بدأوا يتساقطون ولم يعودوا منضبطين في الحضور والمساهمات المالية الشهرية (المشاهرة)، وبمجرد ما طرح يوم الخروج للحراك، ظهر لبعض النابهين أن بشائر 2006 يمكن أن تتحقق مع الحراك العربي في 2011، الجماعة لم تدخل الحراك إلا في آخر لحظة لدرء انتكاسة 2006 أولا، والبحث عن موقع الريادة في مغرب الغد ثانيا.
عندما استقر رأي مجلس الإرشاد على خوض الحراك، لم تجمع الجماعة برلمانها إلا يوم 19 فبراير، الكل متحمس، إنها هبة من الله، الجميع يريد أن تتحقق نبوءة الشيخ، لقد بَدَأَتْ تباشير الخلافة على منهاج النبوة….
إنها أول معركة تدخلها الجماعة بدون غوص شيخها في التفاصيل، فمنذ استقراره في فيلا السويسي في الرباط بعيدا عن صخب المستضعفين في سلا، يعيش شيخ العدل والإحسان بعيدا عن التسيير اليومي للجماعة ولا يهتم بتفاصيل قراراتها، لقد تراجع تأثير مؤسسة المرشد العام عما كانت عليه الأمور من قبل عندما كان الشيخ يتحكم بزمام الأمور، لكن بعد تراجع الإشراف اليومي لمؤسسة المرشد العام، عَظُمَ تأثير كبير الصحابة، مدير مكتب المرشد العام عبد الكريم العلمي عضو مجلس الإرشاد، الذي لم يعد كلامه رأيا شخصيا بل وحي يوحى. عبد الكريم العلمي لا زال شابا مقارنة بشيوخ الإفتاء داخل مجلس الإرشاد، وتنقصه حنكة الراسخين في العلم، لكن قربه ومعايشته اليومية للشيخ جعله أهم رجل في الجماعة خصوصا في القرارات الاستراتيجية، لهذا كان رأيه حول دخول الحراك الرأي الأرجح، إنه وارث سر المؤتمن على الخلافة، فحتى مؤسسة الأصهار والذرية تراجعت في التأثير داخل الجماعة لفائدة مدير مكتب المرشد العام، إنه يميل الكفة حيث يشاء، وشاء قبل 19 أن تدخل الجماعة الحراك.
قرار الجماعة في الدخول تكلف بتصريفه شباب الجماعة، وشباب الجماعة لا يمثلهم ولا يتحكم فيهم إلا حسن بناجح، مدير مكتب الناطق الرسمي باسم الجماعة، وأهم قطاع داخل الشباب هو القطاع الطلابي، الذي كان يشكل القوة الضاربة للجماعة أيام التسعينيات.
الجماعة نزلت بالشباب حتى لا تتعرض لانتكاسة جديدة شبيهة بانتكاسة الرؤى، فإذا فشل الحراك فهو حراك شاب لم يدخله إلا شباب الجماعة، وإذا ظهر أنه حراك واعد، فإن الجماعة ستنزل بكل ثقلها من أجل التحكم في المسار.
قطاع الشباب الذي تعول عليه الجماعة داخل الحراك هو أصلا القطاع الذي تتصادم به الجماعة مع الأطراف الأخرى داخل الجامعة وخارجها، إنه مظهر من مظاهر الهيمنة الذي اسْتَعْمَلَتْهُ الجماعة من أجل تطهير الجامعة من كل الألوان السياسية الأخرى، وعوض أن يلعب قطاع الشباب دور القاطرة للتغيير، أصبح هو جزء من أزمة الثقة بين الجماعة وباقي الأطياف السياسية.
استراتيجية الإبقاء على الشباب في الواجهة منذ اليوم الأول، لم تعط أكلها لهذا قَرَّرَتْ الجماعة النزول بكل ثقلها وهكذا صدرت الأوامر إلى مجموع الجند بالنزول في مسيرات 20 مارس 2011 ولم يستثن منها إلا الكهول والعجزة والنساء الحوامل والأطفال، إنه يوم الاستعراض لقوة الجماعة وقدرتها على تعبئة الجماهير.
لقد شكلت بحق مسيرات 20 يوما استثنائيا اختبرت فيه كل الأطراف قدرتها على التعبئة، ومساء نفس اليوم عاد الناس إلى بيوتهم بعد يوم كامل من التنفيس.
الجماعة كانت الأقوى، لقد شكل حصيصها ما يقارب 90 في المائة من المشاة، لقد تحكمت في التنظيم واللوجستيك والتأطير والقرار، هي التي تبدأ المشي وهي التي تختم المشي بطريقتها.
هذا الانتصار على الخصوم على الأرض لم يكن إلا معنويا، لأن الجماعة لم تعبأ إلا ما لديها وحتى أنصارها تضاءلت أعدادهم، وكان لا بد أن يكذب الأتباع حول الحصيص فسبعة الآلاف مشارك في أقوى تجمع في البيضاء أصبحت 100 ألف. وفي كل المدن الرقم لا بد أن يتم تضريبه في عشرة حتى لا يعرض الأتباع أنفسهم إلى غضب القيادة، وهكذا كانت تقارير الأحد 20 مارس موغلة في النفخ مما جعل القيادة تبني مواقفها على عناصر تقييم مغلوطة سرعان ما يظهر زيفها عندما يبدأ التقييم والتساؤل حول غياب الشعب.
الحراك في تفاصيله الأسبوعية والشهرية لم يكن إلا صراخا و شعارات ويافطات تستهدف أشخاصا بعينهم أغلبها مدفوعة الأجر للاقتصاص من فلان وفلان، لقد أصبحت شوارع عشرين فبراير شوارع التيه اللامتناهي ولكنه لا يولد النقلة النوعية في الحراك الذي تريد الجماعة.
تقييم الحراك في دول أخرى جعل الجماعة تخلص إلى ضرورة توسيع الاحتجاج حتى تكون له وتيرة يومية من خلال دفع القطاعين الطلابي والتلاميذي إلى القيام بأسابيع احتجاجية حتى تنزل الجماهير إلى الشارع، وكما راهن اليسار على التلاميذ والطلبة الذين خذلوه، رَاهَنَت الجماعة على نفس الطينة لأنها أكثر اندفاعية من باقي المكونات أملا في إعادة إنتاج ثورة الطلاب في 1968 في فرنسا.
مرت الأسابيع الاحتجاجية التي لم يعلم بها إلا موقع الجماعة بِعَدِّ الأرقام والمواقع، ولكن شعب الطلاب والتلاميذ لم ينزل فَجَرَّبَت الجماعة أيام الجمعة للتضامن مع كل شعوب الأرض ويخرج أتباع الجماعة للصراخ أمام المساجد لمدة عشرة دقائق قبل أن ينسحبوا بسرعة خوفا من غضب الملأ الأرضي، أملا في جعل الجمعة عنوانا للحراك ولكن المؤمنين في بلاد المغرب الإسلامي لا يحبون القدافي، وأيضا لا يحبون واقع ليبيا ويكرهون خيار الصوملة.
لقد جربت الجماعة جميع وسائل الاحتجاج وكل السبل من أجل جر الشعب إلى حلبة الحراك، لكن الشعب استنكف عن الحراك، لقد شكل لغزا حقيقيا محيرا لماذا لا يتحرك الشعب؟ أين هي الجماهير؟ لقد ولت الأدبار وفَضَّلَت الاستقرار على درب الثوار.
في إطار المنطق التجريبي، جربت الجماعة خيار الحاملين للشهادات العليا باعتبارهم فئة مهمة، وساهمت عن طريق اثنين من قادتها الأساسيين في مركزة المعركة في الرباط من خلال مجموعة معتقلي السلم 9 ومن خلال حاملي الإجازات، ساعدها في ذلك تصريح وزير الوظيفة العمومية الذي قدم تصريحا تلفزيا فُهم منه أن الحكومة أيام عباس سوف توظف كل حاملي الدكتوراه والإجازة، فتحركت الجماعة من أجل تنظيم حاملي الإجازة بحكم عددهم في مختلف الأقاليم ودفعهم للاحتجاج، لكن كل ذلك لم يخلق تراكما ونقلة نوعية تجعل الشعب يكون وقودا للمعركة.
ظهر للجماعة أن المعركة لا بد لها من شهيد أو أكثر، وأن يكون الشهيد من الجماعة، مسألة حرق الذات مسألة مكلفة دينيا باعتبارها انتحار والجماعة لا يمكن أن تتحمل وزر ذلك.
لقد قامت الجماعة في إطار محاولة ترميز فدوى العروي التي انتحرت احتراقا في بني ملال، وظهر لها أنها أم عازبة، وهي لا تمثل نموذجا متقدما يحقق المبتغى داخل الجماعة وكذلك كان الأمر بالنسبة لحالة “صفرو” الذي ربما لم يكن متدينا بالكافي حتى يتم ترميزه.
ظهر أن سقوط شهداء من شأنه أن يدفع الشعب للخروج، وأن يتحول المأتم إلى انتفاضة ولهذا أصبح أهم قطاع داخل الجماعة هو قطاع الممرضين والأطباء، كما حدث في خريبكة يوم خرج أبناء المتقاعدين مطالبين بحقهم في التوظيف وراجت أنباء عن وقوع وفيات، وأصبحت المهمة الرسمية للتنظيم هي البحث عن جثة في أزقة وبرادات خريبكة والدار البيضاء، حتى تخرج الجماعة في جنازة الشهداء وتحضر الجزيرة، وبعدما أَعْيَى الطواف المسؤول السياسي الأول عن إقليمخريبكة داخل الجماعة زف الخبر الصاعقة لا يوجد قتيل، وهو شيء لم يعجب قادة الجماعة الذين أصروا على جثة لدعم الحراك حتى فقد الرجل ورجاله صبرهم و طالبوا إذن الجماعة في اختلاق أمر جثة.
يوم ثاني يونيو سيبقى مشهودا في تاريخ الجماعة إنه يوم وفاة كمال العماري بآسفي، لقد تلقت الجماعة الخبر بفرح كبير، الحمد لله لقد أتانا الله بشهيد، لقد شارك في مسيرة 29 ماي ولأن المعركة إعلاميا هي معركة الترميز، وجوابا على كل الشائعات التي تقول أن الرجل لا علاقة له بالجماعة، اجتهد الموقع الإلكتروني في طرح الحجج والصور لقد كان في القطاع الطلابي، لقد شارك في نشاط كذا وكذا داخل الجماعة، فقط لتربح الجماعة معركة انتساب رجل قضى إلى صفوفها حتى يبدأ مسلسل استغلال جثة، صورته على شاكلة الصور التي تنقلها الجزيرة لشهداء حمص وحماة وصنعاء والقاهرة وطرابلس ومصراتة، صورة النعش وبجانبه الورد……
كانت الجماعة تتمنى أن يسقط كمال برصاص المخزن، لكن وفاة الرجل كانت لغزا فيجب ربط السقوط بالمخزن، ودخلت الجماعة في لعبة نسب الجثة إلى الجماعة ونسب الجريمة إلى السلطة وهي لعبة دخل على خطها كل متعهدي الاحتجاجات في آسفي، الشرع يقول إكرام الميت دفنه والعائلة تريد الدفن والنهج الديمقراطي وفرع الجمعية المغربية بآسفي وقادتها في الرباط يريدون للجثة أن تبقى مثلجة داخل برادة الحكومة حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وعبد الصمد فتحي مبعوث الجماعة إلى أرض عبدة قال في الأخير كلمة الجماعة إكرام الميت دفنه حسب الشرع.
دُفِنَ الرجل وبدأت معركة أخرى، لكن لا شيء تغير بقي الحراك عقيما كما بدأ، لكن الجماعة أو بعض أهلها الذين غاضهم استنكاف الشعب ظهر لهم في التحليل بعد خمسة أشهر من المشي والصراخ أن اللحظة الحاسمة ستكون بعد طرح الدستور الجديد، وهكذا كان طُرِحَ الدستور الجديد على استفتاء شعبي في فاتح يوليوز، وقبل التاريخ تراجع كثيرون عن موقفهم من المشي والصراخ، وبقيت الجماعة في الشارع معززة مكرمة بصحبها من النهج الديمقراطي والطليعة والاشتراكي الموحد والمؤتمر، الذين دعوا إلى مقاطعة الدستور.
وككل المتربصين راهنت الجماعة على ضعف المشاركة، فحتى العدالة والتنمية اكتفى بإعلان موقف إيجابي من الدستور ولم يعبأ في الشارع من أجل الدفاع عن المشاركة المكثفة.
تحركت الجماعة بِحُرّية ووزعت كل نداءَات المقاطعة في الحواضر الكبرى في اقتراع يساوي فيه كل مواطن صوتا، وبعد إعلان نتائج الاقتراع دخلت الجماعة في لعبة من يربح المليون حول عدد المسجلين وعدد المقترعين وعدد المغاربة حتى تنسب الجماعة لنفسها شعبا لم يصوت ولكنه لم يخرج معها.
ابتداء من فاتح يوليوز بدأت الأزمة داخل الجماعة بشكل جدي وبدأت القيادة تتحاشى اللقاء بعبد السلام ياسين لأنه كان يستهزأ من دخول الجماعة للحراك وبدأ طرف وازن داخل مجلس الإرشاد يدعو إلى وقف المهزلة والخروج من الحراك العقيم، وحتى عبد الكريم العلمي الذي استغفل الزمن وأوهم الناس على أن الشيخ ملهم الحراك وراض عنه وعن أداء الجماعة فيه بدأ يجد حرجا في تسويق موقفه.
عشية رمضان طرح من جديد السؤال لماذا لا تستغل الجماعة شهر الصيام وتخرج بدون عودة إلى شارع 20 فبراير؟ لم يحسم الأمر لأن بعض أهل الجماعة كانوا يراهنون على انتكاسة في الانتخابات التشريعية وهي آخر ورقة ستلعبها الجماعة وإلى ذلك الحين فليستمر مسلسل المشي والصراخ الذي لم يعد يغري البتة العنصر النسوي للجماعة.
الجماعة خَرَجَت يوم 20 فبراير من أجل إسقاط النظام، وبعد عشرة أشهر من الحراك لم يزد النظام إلا قوة وتماسكا، وحتى الذين كانوا في عداد المفزوعين يوم 20 فبراير عادوا بعد فاتح يوليوز وأصبحت القاعدة السياسية والاجتماعية أكثر صلابة، لأن بعض الممارسات الشاردة التي عبثت بالساحة الاقتصادية والسياسية انكمشت وولى أصحابها الأدبار، لأن المغرب في غنى عنهم وعن ممارساتهم.
يوم 25 نوفمبر حصل ما لم تكن الجماعة تتوقعه لقد حصل حزب العدالة والتنمية على النصر، الجماعة وبعض أهلها وحتى جزء من قيادة العدالة والتنمية كانوا يتصورون أن “ج 8 ” سوف تحصد الأغلبية، وتحصل انتكاسة سياسية ويتعزز شارع 20 فبراير بعبد الإله بن كيران وصحبه وجزء من الكتلة وتتوسع قاعدة الاحتجاج بعد أن قاطع الاشتراكي الموحد و الطليعة الانتخابات، وبعدها بدأ التيه السياسي للجماعة، الربيع العربي أوصل الإسلاميين للحكم في كل الدول، وفي المغرب وصلت العدالة والتنمية بحراك العدل والإحسان، الجماعة نزلت للشارع والبيجيدي حصد الغلة، الشعب الذي يتابع الجزيرة لا يميز بين العدل والعدالة، والجزيرة لا تحب العدل والإحسان فرغم كل الاختراقات التي قام بها حسن بناجح في صفوف صحفيي الجزيرة اختارت القناة القطرية أن تصطف إلى جانب العدالة والتنمية بحكم ارتباط وضاح خنفر بقياديي الحزب الإسلامي وبحكم العلاقة التي تجمع قادة التوحيد والإصلاح بيوسف القرضاوي مفتي الجزيرة. التوحيد والإصلاح مرتبطة سياسيا بتاريخ التيار الإخواني في مصر المتحكم في الجزيرة، أما تيار العدل والإحسان فيؤمن بالخلافة وله منظور خاص للعمل الإسلامي لا يلتقي مع باقي التنظيمات إلا في ساحة التضامن مع فلسطين.
بعد تعيين بن كيران وتشكيله لحكومته، بدأت الجماعة في مراجعة أوراقها ووصلت إلى خلاصة الشيخ عبد السلام ياسين الذي كان يستهزأ بالمشاة الحالمين.
استمرار الجماعة في الحراك كان مكلفا للجماعة تنظيميا، وماديا حتى تتحمل الجماعة وحدها مصاريف الحراك التي قُدِّرَتْ بخمسين مليون سنتيم كل يوم أحد، ولم تكن مساهمات باقي الأطياف ذات قيمة، فالاشتراكي الموحد لم يساهم طوال عام كامل إلا بأقل من خمسة آلاف درهم وهو كذلك حال الطليعة والنهج، لهذا فاستمرار الحراك كان معناه استمرار النزيف المالي للجماعة، في تغذية حراك بدون أفق.
اعتصام مليوني لمدة يوم واحد يكلف خمسة ملايير سنتيم، في مصر تكلف الإخوان بمصاريف أغلبية الشعب في ميدان التحرير، أما في المغرب وفي غياب الشعب وبدون اعتصام، فإن 11 شهرا من الحراك استنزفت مالية الجماعة التي لا يمكن لها أن تستدين أو تبيع رصيدها العقاري من أجل تمويل حراك عقيم، لهذا كان من الأسلم أن يستسلم الثوار داخل الجماعة لمنطق الشيخ وأن يعودوا إلى ديارهم.
فماذا حدث لحصيص الجماعة بعد عام من الحراك، لقد تقطعت الأوصال التنظيمية للجماعة وهجر الأتباع جلسات الذكر واختلطوا بأهل اليسار، وعاشوا أزمة هوية وكثير من الأتباع رفضوا أن تخرج زوجاتهم وبناتهم إلى شارع 20 فبراير لمعاشرة أهل المعصية كما يقولون، وحتى الخلافة لم تعد شروطها متوفرة فعبد السلام ياسين الذي يعاني من مرض الشيخوخة وأعراضها وبدأ يفقد قدرته على التذكر، وخصوصا الآيات القرآنية ولم يعد قادرا على الحركة بعد أن أصيب بشلل نصفي، وفي كثير من الأحيان لا يتذكر حتى قادة الجماعة بأسمائهم.
لقد عمل لمدة 35 سنة من أجل بناء تنظيم يكون قاطرة للشعب الهادر، ولكن عندما خرج لوحده والشعب غاب عن قومته وتركها حبيسة الكتب في الرفوف ربما لأقوام أخرى خارج المغرب، لهذا كان لا بد للجماعة أن تقرر وقف مشاركتها في الحراك حتى يُأَبِّنه غيرها.
قرار الدخول والخروج كان قرارا قياديا، لكن المشاركة في الحراك كان يتكلف بها على الأرض شباب الجماعة وقيادة الصف الثالث، الذين صُدِموا بالقرار وولد لديهم انتكاسة حقيقية، كل أطر العدل والإحسان يبدأ مسارها السياسي وينتهي داخل الجامعة، كل قيادات الصف الثاني داخل الجماعة تدربت داخل الجامعة وبعدها انسدت الآفاق أمامها وتعطلت الطاقات وقد شكل الحراك فرصة لكل أطر الجماعة من أجل تفجير طاقاتها، ولكن يوم 18 دجنبر 2011 نعت الجماعة الحراك الذي كان يمثل خلاصا لهم وأجبروا على العودة إلى محراب الجماعة وقراءة المنهاج النبوي من جديد والحضور إلى الرباطات والجلسات والمساهمة بقدر معلوم من المال كل شهر بعدما منوا النفس بعد 25 سنة من القعود والجلوس بالمشي والاعتصام حتى يعلنوا دولة الخلافة. ن جماعة العدل خرجت إلى الحراك ولن تعود كما كانت فجزء كبير الآن من أطرها يعيش المخاض حول الأفق ويطرح السؤال لماذا لا تشتغل الجماعة في العمل السياسي وتقبل بالتدرج في النضال والمكتسبات وتختار طريق الوضوح؟ حجتهم أن قدرة العدل والإحسان تتجاوز عشرات المرات قدرة العدالة والتنمية ومع ذلك ف”البيجيدي” استطاع أن يخلق المفاجأة ويستفيد من أصوات الرأي العام الموالي للإسلاميين بما فيهم المحيط الاجتماعي لأتباع العدل والإحسان.
فهل تدخل العدل والإحسان المعترك السياسي الحزبي قبل أم بعد وفاة عبد السلام ياسين؟
الإجابة تحتمل فرضيتين، لكن شروط ضمان وحدة الجماعة لا تعني إلا خيارا واحدا وإجابة واحدة ربما برضا الشيخ وفي ظل قيادته.