في إطار اللقاءات التواصلية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية مع الساكنة بإقليم تنغير، عقد السيد أحمد صدقي النائب البرلماني عن نفس الحزب لقاء بساكنة قلعة امكونة يوم الأحد 15 يناير 2012، بفضاء الهلال الأحمر( مقر بلدية قلعة امكونة سابقا) ابتداء من الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال، وإلى غاية السادسة مساء. وحسب كلمة تقديمية لمسير اللقاء الأستاذ محمد ابن تيزى مقرر الكتابة الإقليمية لحزب العدالة والتنمية، ورئيس اللجنة التحضيرية لتأسيس الفرع المحلي للحزب، فإنّ هذا النشاط التواصلي يستمدّ مشروعيته و أهميته من كون العمل البرلماني هو في حقيقته تكليفا وليس تشريفا، بمعنى أنّ النائب البرلماني يجب أن يكون في تواصل دائم وفعّال مع الساكنة، من خلال استراتيجية القرب من المواطنين، والمرافعة بشأن ما يهتجسون به من شجون وهموم. كما قدّم مسيّر اللقاء نبذة موجزة للنائب البرلماني أحمد صدقي، باعتباره أستاذا لمادة علوم الحياة والأرض بمدينة تنغير، وعضوا مؤسسا لفيدرالية الجمعيات بتنغير، وفاعلا جمعويا له مشاريع تنموية في مجالات التنوع البيولوجي، وسبق أن فاز بجائزة الحسن الثاني للبيئة سنة 2006. في مستهلّ مداخلته، أشار النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية إلى سياق هذا اللقاء الذي تؤطره رؤية استراتيجية يشتغل وفقها الحزب، والمتمثلة في خيار التواصل الدائم مع السكان وفاء للعهود التي اضطلع بها الحزب سواء منذ زمن بعيد، أو حتى قبيل الانتخابات، ويأتي على رأسها البقاء على خطّ التواصل مع السكان، ونهج سياسة القرب الفعلي والدائم منهم لأجل الإنصات إلى همومهم وانشغالاتهم، وإيصالها إلى الأجهزة المسؤولة، و أيضا المرافعة بشأنها أمام من يهمهم الأمر. كما صرّح النائب البرلماني بأن تواجده في هذا اللقاء هو حضور بصفته النيابية ممثلا للسكان ولسانا لهم ، أكثر منها حضور حزبي يتغيا الدفاع عن الحزب أو التشجيع على الالتحاق به، مبرزا مطلوبية الاختلافات الإيديولوجية وأهميتها في إثراء الرؤى وإنضاج الأفكار، كلّ من موقعه. في أرضيته المقترحة لتفعيل النقاش خلال هذا اللقاء التواصلي، أشار النائب البرلماني إلى السياقات المؤطرة للوضعية السياسية بالمغرب، وهي ثمرة لتفاعل سياقين رئيسين بالأساس: سياق قديم وممتد (قد تكون جذوره قبل الاستقلال كما ذهب النائب البرلماني)، وتفاعله مع السياق الثاني الحديث المتعلق بما سمي ب”الربيع العربي”، الذي أفرز الوضعية السياسية المخيّمة على المغرب حاليا بكل ما ترتب عنها من إقرار لدستور جديد، وتنظيم انتخابات جديدة، وتأسيس لحراك مجتمعي جديد وواع. بعد ذلك وقف النائب البرلماني على وضعية التهميش والإقصاء التي تعيشها هذه المناطق سواء قبل أو بعد تنصيب الإقليم الجديد، تهميش اقتصادي واجتماعي وسياسي وإداري، على الرغم من كون هذا الإقليم يشهد منذ القديم دينامية فاعلة وحراكا في مختلف المجالات، وقد سبق أن خاض معارك عديدة على المستوى الوطني كلّل بعضها بالنجاح، منها على سبيل التمثيل لا الحصر استرجاع الكرسي البرلماني الثالث. في معرض حديثه عن منطقة قلعة امكونة حيث عقد اللقاء، ذكّر النائب البرلماني بخصائص هذه المنطقة من حيث التنوع البيولوجي، والثروات الفلاحية، ومنتوجات الصناعة التقليدية، وأيضا على مستوى الإبداع الفني والتراث المحلي، كما أشار إلى خزان المنطقة من اليد العاملة بالخارج وما تشكله من قوة استثمارية وتنموية، لكن للأسف لم يتم استثمار هذه المؤهلات الطبيعية والبشرية لصالح المنطقة حتى تلتحق هذه الأخيرة بركب المدن والجهات الأخرى، وتنخرط في معدلات النمو الوطني على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وغيرها، وتنال نصيبها من التنمية. وقد ألحّ النائب البرلماني على ضرورة الاشتغال على إمكانية استثمار هذه المؤهلات والطاقات البشرية لأنها المكوّن الاستراتيجي والصحيح لإنعاش المنطقة وإحيائها والمساهمة في إقلاعها. وحصر في هذا الصدد ثلاث مداخل أساس، أولها المدخل الجمعوي، فالحركة الجمعوية هي القلب النابض للمجتمع حسب مفاد قولة أوردها النائب البرلماني ” المجتمع المدني هو مسرح التاريخ”، فهذا المجتمع هو الذي يسجل ويدافع ويحاسب ويؤسّس. على هذا الأساس يغدو أمر تدعيم الحركة الجمعوية وتقويتها وهيكلتها مطلبا ضروريا وملحا لأنها تشكل قاطرة حقيقية للتنمية والتقدم بهذه المناطق المهمشة، خصوصا فيما يتعلق بالميكانيزمات والآليات القمينة بتجويد مجال المرافعة وصياغة المشاريع والقضايا الكبرى التي تهم المنطقة. المدخل السياسي، تحدث من خلاله النائب البرلماني على غياب أو ضعف التأطير السياسي، فالدور الدستوري المنوط بالأحزاب السياسية والذي تأخذ لأجله التمويل، لا تقوم به للأسف، مما يخلق فراغا مهولا حتى فترات الأسواق الانتخابية حيث تعاود الكائنات الحزبية الظهور ببضاعتها الكاسدة/الفاسدة، وهذه الأمور هي ما أوصل – حسب النائب البرلماني دائما- المنطقة لمثل هذا التردي على عدة مستويات، لذلك ينبغي على المواطنين الانخراط في العمل السياسي بشكل حقيقي ومؤطّر، ولعلّه مبشرا بالخير ما لوحظ مؤخرا على المستوى المجتمعي من تفاعل مع الدينامية السياسية تؤشر عليها متابعة المواطنين لتنصيب الحكومة، ومراحل إقرار البرنامج الحكومي وانتظار المجلس الوزاري الذي سيصادق عليه، والتصريح الحكومي وغيرها من المؤشرات الإيجابية، وألمح أيضا إلى أنّ التنوع في الممارسة السياسية هي محرك التطور لاسيما إن قامت على منافسة سياسية ذات قواعد شريفة، الأمر الذي ينتج غنى وتلاقحا على مستوى الرؤى والتصورات وأيضا على مستوى البرامج وآليات الاشتغال والتفعيل. المدخل المجتمعي، أكدّ النائب البرلماني في هذا السياق على أنّه لا يمكن إقرار أي تغيير حقيقي دون إعادة صياغة وإعادة تغيير سلوكات المواطنين، وفي هذا الصدد لابد من الاشتغال انطلاقا من مدخل تربوي، بحيث يكون الفاعلون الجمعويون والتربويون بالمنطقة هم من يقود هذه القاطرة، ويكونوا رموزا للتغيير من أجل تجاوز كلّ معيقات التنمية بهدف مواكبة التغيير على المستوى السياسي، ولعل إقليم تنغير عموما، شأنه شأن باقي المناطق المهمشة، كان منذ تاريخ بعيد موقعا للتغيير السياسي، فالهوامش دائما(كما أورد النائب البرلماني) ما كانت هي المحرك الأساسي لأي تغيير، فالأفكار الجيدة والمبدعة غالبا ما تفد من الهوامش وتستقبلها المراكز ثم تنسبها إلى نفسها. في نهاية مداخلته العميقة والمركزة، ألحّ النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية السيد أحمد صدقي على ضرورة العمل من أجل الوصول إلى مرحلة التعاقد بين المواطنين والفاعلين السياسيين ومنهم النواب البرلمانيون من أجل تحقيق المصلحة العليا للسكان وللمنطقة، مشيرا إلى دور البرلماني باعتباره ممثلا للأمة، والذي ينحصر في واجهتين: واجهة تشريعية حيث أنه ينطلق من المنطقة باقتراح قوانين يمكن أن تسري على المغرب كله لاحقا، وذلك من خلال اجتماع بسيط أو اقتراح تعديل قانون معين، وواجهة مراقبتيّة حيث أنّ للبرلمان دور في مساءلة الحكومة في إطار الأسئلة الشفوية والكتابية، وفي إطار لجان التقصّي والاستطلاع، ومساءلة الكثير من المسؤولين. هذا وختم النائب البرلماني بالتأكيد على نهج التواصل الدائم والأفقي مع الساكنة في كل نقطة من نقاط الإقليم، وعرض كل ما يتوفر عليه من خلال النيابة البرلمانية لصالح كافة السكان في إطار التعاون من أجل الدفاع عن الملفات الحقيقية التي تؤرق الإقليم وتمنعه من النمو والنهوض. في مداخلاتهم العميقة والكاشفة عن اعتمال حقيقي بما يكبّل المنطقة ويطوقها من مشاكل وعراقيل، ثمّن الحضور هذه المبادرة غير المسبوقة في تاريخ المنطقة والتي أسس لها حزب العدالة والتنمية بخياره التواصلي الأفقي، لاسيما بعد الانتخابات وهو أمر قلما يحدث على الصعيد الوطني عموما، ولا يحدث إطلاقا على الصعيد المحلي. لامست المداخلات جلّ الملفات الشائكة والمؤرقة بالمنطقة، وأبانت عن تفاعل حاد وقوي من لدن الساكنة ورغبتهم في النهوض بالمنطقة وتحسين أوضاع ساكنتها، من هذه الملفات ما يتقاطع مع ما هو وطني مثل مشكل الصحة والتعليم والتشغيل(ملف المعطلين)، ومنها ما يندمغ بسؤال الخصوصية المحلية مثل مشكل الإقصاء والتهميش الذي تشهده المنطقة في مجال البنيات التحتية كغياب الطرق والقناطر مما يكثف عزلة بعض الجغرافيات اجتماعيا واقتصاديا، وغياب المرافق الرياضية لفائدة شباب المنطقة، كما أورد البعض مشكل التعمير الذي اعتبره النائب البرلماني في معرض تفاعله خزان المشاكل بالمنطقة، لأنه يضرب في عمق المجتمع ويفكك ما تآلف عليه منذ عهود، كما تستغله جهات معينة لإشعال نار الفتنة والقلاقل( ولعل ما شهده الإقليم من أحداث دامية أوقدها النزاع المرير حول الأراضي السلالية أبلغ مثال على ذلك)، وقد أشارت مداخلة إلى الإشكال الذي يطرحه هذا الأمر حيث أنّ وثائق التعمير الموجودة حاليا مصممة من أجل الوسط الحضري بينما أغلب المناطق بالإقليم هي وسط قروي. ارتباطا بمجال العقار دائما أشارت مداخلة أخرى إلى أنّ الساكنة محرومة من الشواهد الإدارية، كما أن النزاع دائما قائم خصوصا في المناطق البورية، لذلك تبدو المطالبة بالتحديد الإداري ضرورية في هذا السياق. أثار بعض المداخلين مشكل انعدام الأمن الذي صار هاجسا يقضّ تفكير المواطنين جراء ارتفاع نسبة الجريمة(قتل واغتصاب ودعارة واعتداءات وسرقات ومتاجرة في الخمور والمخدرات )، وهو أمر لم تعهده المنطقة من قبل، مما جعل بعض الأصوات الجمعوية بمعية الساكنة تطالب بإنشاء دائرة أمنية للسهر على سلامة المواطنين(أرواحهم وأملاكهم). عموما، لم يتوان المواطنون من ساكنة قلعة امكونة في تكسير حاجز الصمت والتعبير عما يؤرقهم من ملفات عالقة، ومشاكل تعوق نمو منطقتهم وتقدمها، من جملتها ملف المعاقين عموما، ومعاقي المنطقة خصوصا والاستراتيجيات التي أعدتها الحكومة لرفع التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي يطولهم، ملف قدماء المحاربين في الصحراء المغربية وأوضاعهم الاجتماعية والإدارية المتدهورة، ملف الظواهر الانحرافية في المؤسسات التعليمية بالمنطقة، ملف متابعة الدراسة الجامعية وعدم استيعاب نواة ورزازات الجامعية لأبناء الإقليم علاوة على نقص حاد في التخصصات، وأيضا محنة المنحة الجامعية وما يترتب على ذلك من معاناة، ملف إصلاح المجال الديني بدءا بالمساجد وملاءمة القوانين سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية مع الشريعة الإسلامية، ملف البطالة وملف المعطلين بالمنطقة، حتى أن مداخلة ذهبت إلى التساؤل حول إمكانية استثمار ما يوجد بالمنطقة من ثروات فلاحية ومعدينة وغيرها في معالجة هذا الملف من خلال تشغيل الشباب، ملف حرمان العمل الجمعوي الجاد والهادف من أشكال الدعم والتمويل، في مقابل تشجيع مهرجانات التفاهة والضحالة والعبث، وإهدار ميزانيات ضخمة من المال العام في تنظيمها والترويج لها دون أثر حقيقي على المجتمع، وآخر المداخلات وقفت على المشكل البيئي على اعتبار أن المنطقة هي واحيّة بامتياز، بالتالي فالخطر البيئي المحدق يهدد المنطقة على المدى المتوسط والبعيد، يتمثل هذا الخطر أساسا في استغلال واستنزاف الفرشة المائية وتلويثها، و مشكل الواد الحار وما ينجم عنه من مخلفات، ونذكر هنا صهريج تطهير الماء الموجود في منطقة آهلة بالسكان في وسط قلعة امكونة. في معرض تفاعله مع مداخلات وهموم الساكنة، أكّد النائب البرلماني السيد أحمد صدقي أوّلا على أنّ المجتمع المدني يجب أن يكون قاطرة للتنمية في المناطق المهمشة، إذ له وحده أن يخلق رأيا عامّا مؤثرا في القرار السياسي، وفي قرار مختلف الأجهزة، لهذا ينبغي تشكيل نسيج جمعوي قويّ على مستوى الإقليم كله ليعطي صدى للمرافعات المختلفة خصوصا في مجالات الفراغ والخصاص التي ذكرت على لسان الساكنة. بالنسبة للملف البيئي أضاف النائب البرلماني أن الجميع أصبح يشتغل في اتجاه تدمير الواحات التي شكلت مجال تواجد السكان وبقائهم، فالقوانين لا تحترم الخصوصيات الواحية لذلك يتعيّن التحرك العاجل في اتجاه المحافظة على المجالات الواحية، ويشتغل النائب من موقعه كممثل لساكنة الإقليم من جهة، وكفاعل في مجال البيئة والتنمية من جهة أخرى على اقتراح وتقديم أفكار ومشاريع وتصورات ذات صبغة عملية من أجل حل هذا المشكل، وإنقاذ المنطقة من خطر بيئي حقيقي. أما ملف الأئمة والقيّمين الدينيين والمؤذنين، وأيضا ما يتعلق بإعادة هيكلة المجال الديني بدءا بالمسجد، فالأمر سيكون حاضرا بقوة في أجندة السيد النائب البرلماني خاصة، وحزب العدالة والتنمية بصفة عامة، وبخصوص مشكل الأمن بقلعة امكونة والإقليم بصفة عامة فقد صاغ السيد النائب بشأنه سؤالا كتابيا للمسؤولين وطرحه بقوة، كما صاغ سؤالا كتابيا آخر بشأن مشكل البطالة والعطالة بالإقليم، وسؤال ثالث في مشكل التعمير والعقار والأراضي، يتعلق بتعميم وتحيين وثائق التعمير خصوصا في المجال القروي، نفس الشأن بالنسبة لمشكل متابعة الدراسة الجامعية والمنحة الجامعية حيث وجّه سؤالا من موقعه كبرلماني لأجل الدفع بتأسيس نواة جامعية بالإقليم على غرار إقليمورزازات، وأيضا المطالبة بتعميم المنحة الجامعية. في ختام هذا اللقاء التواصلي الناجح (بشهادة أشخاص كثيرين التقيناهم) أكدّ النائب البرلماني مرة أخرى على أنّ هيكلة المجتمع المدني من الأمور الأساسية الملحة في الوقت الراهن، ومن جهته فهو مستعد للمساهمة في تنظيم و تأطير ورشات مجتمعية مع الفاعلين والمهتمين لإنضاج الأفكار وإيصالها للحكومة والدفاع عنها، وأكّد أيضا على أنّ العدالة والتنمية تشتغل بمشروع مجتمعي، وليست وليدة اللحظة الانتخابية، إذ له جذور ضاربة في الإصلاح، وممثلوه ليسوا مجرد كائنات انتخابية، فالإصلاح هو خيار مجتمعي لهم قبل أن يكون خيارا حزبيّا، وهذا الإصلاح لا يتمّ إلاّ عبر مدخل تواصلي بالأساس، لهذا تفرض المبدئية السياسية من جهة والعمق المجتمعي من جهة أخرى على ناسه الاشتغال في خيار التواصل والقرب من المواطن في مجاله.