تأخذ الحياة مجراها الإعتيادي، و يرث المقهور فقر آبائه و أجداده، و يتسلى الإبن المُددل بِعَدِ ثروة والده التي راكمها من عرق الكادحين، و حينما يتعب من تكديس الثروة يضمن له كرسي وثير في قبة البرلمان. قُبة لا يدخلها سوى من كان إسمه يتردد في مشهد الرأسمال الوطني، و لا "يُعتبها" من رسم الزمن على محياه خطوط الفقر و "القهرة". تلك الكراسي التي كذبوا علينا زمان و أوهمونا أنها تمثلنا، و هي في حقيقة الأمر تُمثل علينا دور الجلاد في لباس المنقذ من أزمة فقرنا التي سببها لنا جشع و طمع الكثير من الذين ينصبون أنفسهم مدافعين عنا، و قد صدق درويش عندما قال جملته الشهيرة، " متى كان الذئب راعيا". أسماء إستعمرت البرلمان منذ تشيده في تلك الرقعة من مدينة الإدارة و الاعمال، إختلفت سُحنات وجوههم و إتفقت غريزة السلطة و توريثها. "قيوح" و "بودلال" و "الراضي" و آخرون…، ألقاب لعائلات لم تنتظر الحظ ليجعلها في ما عليه اليوم، بل صنعت الحدث و تطاولت على تلك المقولة التي يداوي بها الفقراء تعاستهم" ما ياخد الإنسان غير نصيبوا"، فأخدوا نصيبهم و نصيب الآلاف من المقهورين. لا يمكن لعائلة يتواجد فيها الأب و الإبن، و الإبنة و إبن العم و ربما الحفيدة، سوى أن تمسك السلطة في يدها، و تكرس مقولة " إذا التقى المال و السلطة فانتظر أن ترى أنيابا بدل أسنان". في منطقة هوارة، تلك الرقعة المنتشية برائحة البرتقال، و المتوارية خجلا من طعنات الغدر التي تتلقاها من مَنْ يسيرون دواليب السياسة داخل مجالسها، إن لم تتفطن لها ستجتاز مساحتها دون أن يلفِت نظرك وجوه أناسها الشاحبة، التواقة لنسيم الحرية من وجوه تعودوا على رؤيتها حتى في منامهم، كأن أرحام النساء عجزت عن ولادة من يحل محلهم. هما عائلتان إذا سألت الصغير سيجيبك، و إذا إستفسرت الشيخ سيتنهد على زمن مر، و حاضر مُرٌ، و إذا عرجت على ترواثهم ستصدمك الأرقام. أرقام راكموها بعرق الكادحين و أنين المُياومين و تأوهات المقهورين، ثم ما يلبثُوا أن يصعدوا و ينددوا بسياسة الحكومات مع أنهم جزء من معاناة الشعب. تزور المنطقة في فترة الإنتخابات، فلا تلمح عينك سوى سيارات تحمل صور هؤلاء و "تريكتهم"، يساومون العامل بين تصويته و بين طرده من العمل، و يشترون الأصوات، فحب البقاء في القُبة وتداول لقبهم العائلي هناك، يدفعهم لفعل أي شيئ. تسأل ماذا أضافوا للمدينة؟ يأتيك الجواب سريعا: لا شيئ. فالزمن لا يُخفي تجاعيده، و كذا المسئولين لا تََخفى إنجازاتهم. تحاول أن تفهم لماذا يتشبث هؤلاء بالسلطة؟ فيصلك الخبر اليقين من فساد الدولة، لتعثر على الجواب حينما تراهم موشحون بالسواد داخل البرلمان، يتسابقون للضحك علينا، فيتحول منظرهم في لحظات كثيرة لمهرجين من كثرة كذبهم. الشيء نفسه يصدق على عائلة الراضي بالغرب و غيرهم من الأسماء التي خلناها لن تنقرض. هؤلاء معمرون بجنسية هذا الوطن الجريح، يتنفسون نفس الهواء، و يشربون من نفس المنبع المائي لكن… هم من طينة الذين قال عنهم مظفر النواب ذات يوم: " يبتسمون في وجهك لتنتخبهم، لكن بمجرد أن ينتهي دورك إنتظر أن يأكلوك".