في مشهد سياسي مألوف ومتكرر، نشهد اليوم تلاعبًا مدروسًا بالخطاب السياسي في المغرب، حيث يتحول النقد الداخلي بين أعضاء الحكومة إلى أداة لخداع الرأي العام وضبط القاعدة الانتخابية. فليس من قبيل الصدفة أن يخرج وزير أو قيادي في حزب مشارك في الحكومة ليهاجم قراراتها أو ينتقد سياساتها، بينما كان جزءً أساسيًا من اتخاذ تلك القرارات. هذه ليست مجرد ممارسات فردية أو ردود أفعال معزولة، بل هي خطة مدروسة تهدف إلى تحقيق هدف محدد… ترسيخ فقدان الثقة في العملية السياسية ودفع المواطنين إلى العزوف عن التصويت. عندما يشعر المواطن بأن كل الأحزاب متشابهة، وأن الانتقادات ليست سوى مسرحيات سياسية، فإنه يفقد الحماس للمشاركة، وهذا بالضبط ما تريده أطراف معينة في المشهد السياسي. اللعبة المزدوجة: خطاب متناقض لخدمة هدف واحد الأحزاب المشكلة للتحالف الثلاثي، والتي تتحكم اليوم في الحكومة، تلعب لعبة مزدوجة بذكاء شديد. فمن جهة، هي المسؤولة المباشرة عن الأوضاع الحالية، بما في ذلك ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، لكنها في الوقت نفسه تحاول تقديم نفسها كجزء من المعارضة عبر انتقاد ذاتها! والهدف هنا ليس تصحيح المسار، بل زرع مزيد من الإحباط لدى المواطن المغربي، حتى يتجنب صناديق الاقتراع، مما يسمح لنفس النخبة بإعادة إنتاج نفسها بأقل تكلفة انتخابية. العزوف عن التصويت: الهدف الحقيقي وراء هذه المسرحيات كلما كان الإقبال ضعيفًا على الانتخابات، كلما أصبحت عملية التحكم في الأصوات أكثر سهولة. قلة المشاركة تعني أن أصواتًا قليلة يمكنها أن تصنع الفارق، مما يضمن استمرار نفس الوجوه في المشهد السياسي دون الحاجة إلى بذل مجهود حقيقي لكسب ثقة المواطنين. كيف نكسر هذه الحلقة؟ الحل في يد المواطن السبيل الوحيد لإفشال هذه الخطة هو الإقبال المكثف على التصويت. على المواطن المغربي أن يدرك أن العزوف لا يعاقب السياسيين الفاسدين، بل يمنحهم فرصة أكبر للاستمرار، إذا كان هناك إحباط، فيجب أن يترجم إلى مشاركة إيجابية فاعلة، لا إلى انسحاب سلبي. التصويت بكثافة هو السلاح الوحيد القادر على إعادة التوازن للمشهد السياسي، وفرض خيارات جديدة خارج دائرة "التحكم المسبق" التي يحاول البعض فرضها. هذا، ويجب أن نكون واعين بأن اللعبة السياسية ليست عشوائية، وأن الخطاب المتناقض لبعض السياسيين ليس تعبيرًا عن اختلافات حقيقية، بل هو جزء من استراتيجية مدروسة لإعادة إنتاج نفس المنظومة. والرد الوحيد الذي يمكن أن يربك حساباتهم هو أن يتوجه المواطنون بكثافة إلى صناديق الاقتراع، لأن قوة الناخب هي الوحيدة القادرة على كسر احتكار السلطة.