في اليوم الأول من عودته إلى البيت الأبيض، أصدر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سلسلة من الأوامر التنفيذية التي حملت بين طياتها توجهات جريئة ومدفوعة بمواقف سياسية تميزت بالتصعيد والتحدي. ومن أبرز تلك الأوامر التي أثارت الكثير من الجدل والانتقادات، قرار العفو عن حوالي 1500 شخص، من بينهم أفراد اقتحموا مبنى الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير 2021، في محاولة لوقف التصديق على فوز منافسه جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. لكن تلك القرارات لم تكن الوحيدة في قائمة الأوامر التي أثارت الاستفهامات، فقد قام ترمب بتخفيف الأحكام الصادرة بحق 14 عضوًا من المنظمات المتطرفة "براود بويز" و"أوث كيبرز"، الذين أدينوا في وقت سابق بالتآمر والتحريض على العنف خلال الأحداث التي رافقت اقتحام الكونغرس. وفي سياق آخر، وقع ترمب أوامر تنفيذية تعلن الهجرة غير الشرعية على الحدود بين الولاياتالمتحدة والمكسيك حالة طوارئ وطنية. وقد اعتُبرت هذه الأوامر بمثابة رد مباشر على قضايا الهجرة التي كانت محورًا ساخنًا خلال السنوات الأربع الماضية، حيث تم تصنيف العصابات الإجرامية على أنها منظمات إرهابية، في خطوة تعكس توجهًا متشددًا ضد الهجرة غير الشرعية. وفيما يتعلق بالأطفال المولودين في الولاياتالمتحدة لمهاجرين غير شرعيين، كانت هناك محاولة لإلغاء نظام الجنسية التلقائية، وهو أمر أثار الكثير من الجدل. أما بالنسبة للإجراءات التي تهدف إلى إلغاء قرارات سابقة، فقد ألغى ترمب 78 إجراءًا تنفيذيًا من الإدارة السابقة، بما في ذلك قرارات متعلقة بالطاقة النظيفة، المساواة العرقية، وحقوق مجتمع الميم. وأحد الأوامر المثيرة للجدل كان إلغاء تدابير تعزيز التنوع والإدماج، وهو ما يمثل تحولًا في سياسة الحكومة الأميركية، التي كانت قد شهدت تحركات لتوسيع نطاق الحقوق الاجتماعية للمجتمعات المهمشة. ومن ناحية أخرى، ألغى ترمب قرارات تعزز حقوق الأقليات العرقية ومجتمع الميم، وهو ما يفسر تصريحاته السابقة بتقليص الحماية لأكثر الأميركيين تهميشًا. وفي خطوة لافتة، قام بتجميد التوظيف الحكومي وأوقف إصدار اللوائح الاتحادية الجديدة، مؤكدًا على أهمية عودة الموظفين الاتحاديين إلى العمل بنظام الحضور الشخصي بعد فترة طويلة من العمل عن بُعد بسبب جائحة "كوفيد-19". ومن بين الأوامر التي وقعها ترمب، كان هناك أمر ينص على تقديم إغاثة طارئة للأميركيين في ظل ارتفاع الأسعار، مع تشديد الإجراءات لتخفيض تكاليف الإسكان وتعزيز المعروض من المساكن. وعلاوة على ذلك، تم تأجيل حظر "تيك توك" لمدة 75 يومًا، بعد أن كان من المقرر إغلاقه في يناير، مما يبرز التحديات التي تواجه إدارة الرئيس بايدن بشأن التعامل مع الشركات الصينية الكبرى. في مجال الطاقة، أكد ترمب انسحابه من معاهدة باريس للمناخ وألغى بعض قرارات بايدن التي تخص التنقيب عن النفط في القطب الشمالي. وبالإضافة إلى ذلك، أطلق ترمب مجموعة استشارية تحت إدارة إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، تهدف إلى تقليص حجم الحكومة الأميركية وإلغاء وكالات اتحادية بالكامل. أوامر ترمب التنفيذية، بما في ذلك الانسحاب من منظمة الصحة العالمية والتخفيضات في اللوائح التنظيمية، تكشف عن موقف متشدد ورافض للعديد من السياسات التي اتبعها الرئيس السابق بايدن. ولعل أبرز ما يميز هذه الأوامر هو تركيزها على تعزيز الاقتصاد الأميركي عبر زيادة الإنتاج المحلي للطاقة والنفط، بينما تتجاهل قضايا بيئية وصحية كان بايدن قد سعى إلى معالجتها. إذاً، يمكن القول إن الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترمب هي مجموعة من التحولات التي تعكس رؤية الرئيس الأميركي السابقة حيال مختلف القضايا التي تواجهها بلاده. في حين أن تلك القرارات تثير الانقسام بين المؤيدين والمعارضين، فإنها بلا شك ستظل تمثل علامة بارزة في سجل سياسات ترمب.