يقصف آلية عسكرية للعدو الصهيوني، يدمرها من مسافة الصفر، ويقول "حلل يا دويري". إنها ليست مجرد مقولة لمقاوم فلسطيني، يواجه بشكل مباشر ما كان يوصف بأعثى آلة حربية في منطقة الشرق الأوسط، أو الجيش الذي لا يقهر. حرب غزة التي اقتربت من استيفاء شهرها الثالث، ليست كباقي الحروب، لأن خسائر جيش الاحتلال كبيرة وكبيرة جدا، وفوق ما يتوقعه أعضاء حكومة الحرب الصهيونية. أن تُدمِّر دبابة لجيش الاحتلال، وتُصوِّر المشهد، وتعرضه على أنظار العالم بأسره، وترفقه بتعليق "حلل يا دويري"، فهذا يعني شيئا واحدا: مشاهد إذلال جيش الاحتلال في 7 أكتوبر، ليست مرتبطة بهذا اليوم المشهود، وإنما هي تحول استراتيجي في صراع المقاومة الفلسطينية مع العدو الصهيوني. فالجيش الذي لا يقهر أصبح جيشا من ورق في نفوس المقاومين. في الحروب الماضية للمقاومة الفلسطينية مع جيش الاحتلال الصهيوني، كانت المقاومة تواجه الفرق في القوة والسلاح، بالصبر والصمود، وتحقق ضربات متواضعة في صفوف العدو. لكن في طوفان الأقصى، انقلبت المعادلة. فأمام ضربات المقاومة الفلسطينية، والخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد التي يتكبدها جيش الاحتلال، أصبح الاحتلال الصهيوني يبحث عن شتى الطرق لزرع روح الصمود في نفوس الإسرائيليين، مستعملا كل الوسائل أبرزها إخفاء المعلومة وحجم الخسائر عن مواطنيه الاسرائيليين. فقامت حكومة الحرب الصهيونية بفرض طوق حديدي على وسائل الاعلام، والتحكم في وسائل التواصل الاجتماعي، للحفاظ على معنويات مواطنيها، وتفادي الانهيار الذي سيؤدي إلى إعلان هزيمة جيش الاحتلال. أمام الضربات الموجعة للمقاومة الفلسطينية على رأسها كتائب عزالدين القسام التابعة لحماس، وأمام التعاطف العالمي الشعبي الكبير مع المقاومة في قطاع غزة، لم يعد أمام الجيش الصهيوني سوى الانتقام من المدنيين، لإخفاء عجزه عن مواجهة ضربات المقاومة الفلسطينية. وهو ما جعله يفقد التعاطف المعهود في العالم الغربي، حيث بدأت الكثير من الأصوات تصفه بمجرم حرب وبالجيش النازي. كانت فلسطين قضية تعكس طبيعة التوازن الاستراتيجي بين قوة الدول العربية وجيش الاحتلال الصهيوني المدعوم أمريكيا. وكان هذا التوازن يميل دائما لجانب الكيان الصهيوني كقلعة متقدمة للعالم الغربي. لكن طوفان 7 أكتوبر، وبعد مرور أكثر من 70 يوما من المعارك، أثبت أن هذا الميزان الاستراتيجي لم تعد كفته تميل لصالح جيش الاحتلال. فعملية حسابية بسيطة بين طرفي الصراع المتمثلين في المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني، نجد أن خسائر جيش الاحتلال كبيرة جدا قياسا لخسائر المقاومة التي تخوض حربا على أرضها وفوق ترابها. هذه الخسائر الفادحة، هي التي جعلت العدو الصهيوني يتصرف كالديك المذبوح، يرقص في جميع الاتجاهات، فيقتل المدنيين دون تمييز بين رضيع وطفل وشيخ وامرأة. كما أن الإسرائيليين المحتلين لمدن فلسطين، ليسوا في أحسن حال، بسبب الخوف والرعب الذي تزرعه في نفوسهم صواريخ المقاومة التي جعلتهم يعيشون تحت الأرض ويفقدون طعم الحياة الطبيعية. انتقام العدو الصهيوني من المدنيين، وتدميره لكل مظاهر الحياة في غزة، إنما هي صرخة جيش مهزوم يتألم من فضيحة إعلان انهزامه أمام المقاومة الفلسطينية. هزيمة جيش الاحتلال أمام المقاومة الصامدة والبطولية، ستكون متبوعة بهزيمة أخرى في المنتظم الدولي بعد كشف الغبار عن كل جرائمه المنتهكة للقانون الدولي الإنساني، ومتابعته كمجرم حرب، على حد قول الشاعر: ستعلم حين ينجلي الغبار أفرس تحتك أم حمار