الكل يتذكر النفس الكبير الذي بدأ به باطرون الإتحاد العام للشغالين بالمغرب منصبه الجديد كأمين عام لأعرق حزب في تاريخ المغرب . الرجل أعلنها مدوية بعيد سويعات قليلة من انتخابه و طالب بتعديل حكومي جوهري و عاجل مصرحا أن لا نية له قطعا في التراجع عن هذا القرار.. جزء هام من الشارع المغربي صدق نبرة كلام الرجل و استمر في تقليب صفحات الجرائد اليومية ترقبا لأي تغيير لوجه الحكومة الحالية .. بيد أنه و بعد وقت قصير ضاع صراخ "سي عبد الحميد" بين ضوضاء المستجدات الوطنية و الإقليمية المتسارعة .. و الحقيقة أن تلك الجلبة التي أحدثها النقابي المحنك تخفي ورائها صراعا عميقا داخل البيت الإستقلالي بين توجهين مختلفين في الشكل و الجوهر ، و كأنه صراع البروليتاريا و الرأسمالية داخل الحزب الواحد .. أكيد أنه لم يأخذ برأي شباط أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية و لم يشرك في ذلك الأمر الذي اعتبره إرباكا لحساباته السياسية البعيدة الأمد .. و الراجح أيضا أنه تلقى رسائل قوية من القصر جعلته يطأطئ الرأس إلى أجل مسمى .. لأن المعادلة أصبحت تتأرجح بين مصلحة بلد و مصلح شباط و حلفه . شباط المهووس بحب الزعامة و السلطة ، الرجل المهدوي ، صاحب البرج الشبح ، في حقيقته لا يخيف رجال الأغلبية الحكومية الحالية ، فعبد الإله بن كيران لا يتوانى عن الطلب من شباط سحب رجاله من الحكومة و بالتالي إعادة ترتيب الخريطة السياسية و ربما الذهاب نحو إنتخابات مبكرة ، لكن دون أن تكون له ردة فعل لأنه يعلم يقينا أن أية إنتخابات مبكرة صوف تقزم من عدد مقاعده البرلمانية و سوف يجد نفسه خارجا من أي تحالف حكومي وسط هيمنة مرتقبة للبيجيدي . هذا الأخير الذي برهن من خلال الإنتخابات الجزئية الأخيرة عن جاهزيته الإنتخابية و عن قدرته الكبيرة في حسم المقاعد التي يراهن عليها . شباط يقرأ جيدا الخريطة السياسية الحالية و يعرف جيدا أن إستمرار الحكومة الحالية في تنزيل الإصلاحات و في محاربة الفساد سوف يعود بالنفع الإنتخابي بالدرجة الأولى على قائد الحكومة حزب العدالة و التنمية .. و لذلك فهو يحاول جاهدا إرباك الحكومة و إشهار ورقة التعديل الحكومي و الإنسحاب من الحكومة بين الفينة و الأخرى لفرض وجوده و لفت النظر له " أنا أحتج إذا أنا موجود " .. و الظاهر أن "سي عبد الحميد" يعيش سكيزفرينية فريدة من نوعها حيث يتقلب بين شخصيتين ، شخصية النقابي و شخصية السياسي مع تسجيل الفوارق الجوهرية بين الممارسة السياسية والممارسة النقابية ، و هو الأمر الذي يجعل من الصعوبة قراءة تحركاته و نواياه حتى على أكبر المتتبعين . بيد أن تعميق التحليل يكشف لنا بجلاء أهمية النقابي و السياسي معا بالنسبة لشباط ، فشباط السياسي لا يساوي شيئا بغير شباط النقابي الذي يشكل له درع الحماية و مصدر القوة . و حتى يتمكن من قطع الطريق تماما على خصومه من داخل البيت الإستقلالي فقد أحكم قبضته على الذراعين السياسي و النقابي . و هذا ما يفسر عدم استقالته من رئاسة الإتحاد العام للشغالين و ذلك لاقتناعه التام بكون الإتحاد هو قلعته الوفية التي لا مجال للتخلي عنها . شباط لا يزال يعتمد على تعبئة الشارع بكل الطرق و الوسائل لخدمة مساعيه و أهدافه في زمن أصبح فيه للممارسة السياسية معنى آخر و أصبحت العملية السياسية تعتمد على توعية الناس و ليس تحريضهم و على التأطير و التأهيل و ليس الإستغلال و على الأخلاق و المبادئ و ليس المكر و الخديعة . باستمراره في نفس الخط سوف يجد النقابي و السياسي و العمدة شباط نفسه خارج الركب تماما و سوف يعصف بتجربة و تراكم أعتق حزب مغربي ، و سوف يعيدنا سنوات عديدة نحو الوراء في وقت نحن أحوج فيه إلى التقدم و لو لخطوة واحدة نحو الأمام .. محمد الفحصي – مدون