ما تسميه الشعوب العربية ربيع الديمقراطية، في إشارة إلى موجة سقوط الحكام العرب الأكثر دكتاتورية في المنطقة، يطلق عليه الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، «الزلزال العربي»، وفيما يأمل العرب، وشبابهم بالأخص، أن تقود هذه الموجة إلى إرساء نظم ديمقراطية بديلة وحكومات شرعية وإدارات في خدمة التنمية، يأمل الظواهري أن ترسي الحركات الاحتجاجية ما سماه بالإسلام الحقيقي. وبينما تسعى الثورات العربية إلى فتح صفحة جديدة مع الغرب على أسس السلام والتعايش والمصالح المتبادلة، يحرض الطبيب المصري، المختبئ في إحدى المغارات في باكستان أو أفغانستان، في شريط جديد، على زيادة حطب النار المشتعلة بين «الإسلام» والاستكبار الأمريكي والمسيحية الصليبية. إنها أهداف متناقضة كليا بين فكر القاعدة المتطرف وفكر الحراك العربي المتفتح. لقد ترددت القاعدة لأشهر عدة قبل أن يعلن زعيمها الجديد تأييده ل«الزلزال العربي»، لأن الظواهري بذكائه وتجربته يعرف أن «الربيع العربي» قد سحب البساط من تحت أرجل «الشتاء القاعدي» الذي احتكر، ولمدة أكثر من عقد، الحديث باسم الشارع العربي وإعلان الحرب باسم المستضعفين على أمريكا وحلفائها من الحكام العرب. القاعدة كانت من أكبر المتضررين من خروج «القوة الثالثة» عن صمتها، وعدم ترك لا الأنظمة السلطوية تتحدث باسمها، ولا القوى الأصولية المناهضة للسلطة تنوب عنها في الصراع مع الدولة ومع الغرب… لقد كان لافتا للانتباه أن الشارع التونسي والمصري والليبي والسوري واليمني والبحريني والمغربي والجزائري… لم يحرق أعلام أمريكا، ولم يدع إلى إحياء الخلافة، ولم يهتف باسم الشريعة، ولا باسم الماركسية أو القومية… كل الإيديولوجيات وضعت جانبا وردد الشباب شعارا واحدا: «الشعب يريد». ليس مصادفة أن تتراجع أسهم القاعدة في الشارع العربي مع هبوب رياح التغيير الديمقراطي. هذا طبيعي جدا لأن فكر القاعدة، وعموم الفكر الديني المتطرف، هو ابن شرعي للاستبداد العربي.. عندما تغلق في وجوه الناس كل أبواب المشاركة السياسية، وتحرمهم من حقوق المواطنة، لا تترك أماهم سوى أبواب المساجد يدخلونها محملين بالإحباط والإحساس بالمهانة و«الحكرة»، فلا يخرجون منها إلا وعقولهم وقلوبهم مشحونة بنار العنف والتطرف والاستعداد للموت للتخلص من أعباء الحياة قبل التخلص ممن يعتبرونه مسؤولا عن مأساتهم… الظواهري يعرف هذه الحقائق كلها، وهو يريد أن «يصبغ» الثورات العربية بألوان إيديولوجيته، ولهذا لا يرى في كل ما جرى في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن… سوى أن الشعوب قضت على حكام «عملاء» للغرب، عوض حكام دكتاتوريين كانوا يحكمون بالحديد والنار، ويتحالفون مع «فقهاء» السوء وأجهزة القمع والرأسمال الفاسد وأبواق الدعاية في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة…