سانشيز يشيد بالعلاقات المغربية الإسبانية: بلدان شقيقان يتقاسمان نفس القيم والطموحات        تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار يومي السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    بداية العد العكسي... عام واحد يفصل المغرب عن استضافة كأس الأمم الإفريقية    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير        وفاة الممثل المسرحي محمد الخلفي بعد صراع طويل مع المرض    صحة غزة: استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني في حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023        سابينتو يعلق على رحيله عن الرجاء: "من الواضح أن الظروف اللازمة لتحقيق النجاحات.. غير موجودة"    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    "همم": الحملة ضد غالي نتيجة مباشرة لمواقفه في الدفاع عن حقوق الإنسان وفضح ملفات الفساد    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    عامل الحسيمة يترأس مراسيم المشاركة في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة    في اتصال هاتفي.. ولي العهد السعودي يطمئن على صحة الملك محمد السادس        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    إيطاليا تغرّم "تشات جي بي تي" 15 مليون أورو بتهمة انتهاك خصوصية البيانات    الملك محمد السادس يتلقى اتصالا هاتفيا من ولي العهد السعودي        التوفيق: وزارة الأوقاف تعمل حاليا على ترجمة معانى القرآن الكريم إلى الأمازيغية    وزيرة المالية تعترف بعدم انخفاض أسعار المحروقات في المغرب بمستوى الانخفاض العالمي في 2024    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    اجتماع بوزنيقة.. الأطراف الليبية تتفق على تشكيل حكومة موحدة    الأمن يرفع مستوى اليقظة في برلين    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    بوزوق ينفصل عن الرجاء بالتراضي    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    إعادة تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. مفاهيم مؤسسة وسردية تاريخية    العازف سفيان بامارت.. حين تلتقي الأناقة بالعاطفة في تناغم موسيقي فريد    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحزاب الوطنية : غياب وضوح الاطار الايديولوجي وازمة المشاركة السياسية
نشر في أكادير 24 يوم 08 - 12 - 2020


الاحزاب الوطنية وتوالي الازمات والنكسات
* ان التنظيمات السياسية والنقابية والثقافية والاعلامية والنظم الاقتصادية والقانونية.. كلها وغيرها لم تقدم حلولا ولا مخرجات من الازمات التي يتخبط فيها المجتمع، والتنظيمات السياسية – خصوصا- تنخرها امراض داخلية واخرى خارجية كشفت عن ازمة حادة في المشاركة السياسية حتى تكونت لدى المواطن خبرة وقناعة من الصعب محوها اذ يرى فيها صورة من اجهزة الدولة حيث السلطة هي الطريق الى الثروة، وان كل من يتصل بهذه التنظيمات السياسية اما مستفيد او راغب في السلطة او معاد للجماهير ومن تم ابتعدت الجماهير عنها وانعزلت هي عن الجماهير واصبح العمل السياسي مرادفا للعجز او الوصول او الانتهاز او التسلط . وفي المقابل يرى دعاة الثورية ان التنظيم السياسي الجماهيري هو الذي بإمكانه التعبير عن مشاكل الجماهير و مناضليه هم من يقومون بالعمل السياسي تطوعا لا احترافا ورغبة في خدمة الشعب وليس وظيفة سياسية يؤجرون عليها.
* تعرف ساحتنا السياسية الوطنية وفرة عددية ونوعية للأحزاب او التنظيمات السياسية والنقابية غيرانها تعاني من شدة الازمات التنظيمية والايديولوجية وحتى الوجودية ( وجود فعل ووجود قوة) فانعكست ازماتها على الحياة السياسية المجتمعية للمواطن وعلى المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاعلامية حتى بات يصح القول بان مجتمعنا هو مجتمع الازمات والصدمات بشتى الوانها. لكن اخطر ازمة تواجهنا هي ازمة من النوع المسدود، ازمة يترجم فيها بؤس الواقع عن نفسه ببؤس في الفكر وفي الممارسة السياسية، ومن تم فإنها ازمة خانقة لا تندر الا بما هو اسوا اذا لم تعد الحياة السياسية والنشاط السياسي الى ايقاعه المعتاد، هذا الايقاع لا يمكن ان يعود الا بالية الديموقراطية. والديموقراطية لا تقوم الا بوجود احزاب فاعلة نشيطة تحرك دورة الحياة للجسم السياسي.
* ان الحزب واي حزب لا يعبر عن وجوده الا اذا امتلك القدرة على تغيير الاوضاع السياسية كيفما كانت، والايمان بفعالية الجهد والمشاركة السياسية الحزبية لا تكون الا من خلال تنظيم حزبي يملك الوضوح الايديولوجي والروح النضالية والتأطير الجماهيري، فالحزب كما يراه لوكاتش هو شكل التوسط بين النظرية والتطبيق ويرى انه ينبغي الوقوف مليا عند هذا المثلث الجدلي الذي يطرحه لوكاتش ( على طريقة هيغل الماركسية) حتى ندرك اهمية الحزب في بلد متأخر او متخلف واهمية تجسيد مفهوم الديموقراطية في فكر وممارسة الحزب هيئات وافراد من اجل تجسيده في حياة المجتمع عبر الممارسة والنضال السياسي، وبالتالي تجسيده في الدولة ومؤسساتها والمجتمع وسائر بنيانه.
* يعتبر المغرب من الدول التي تأخر فيها – نسبيا- التطور المؤسسي بالقدر الذي يساعد على دعم واستكمال التطور الديموقراطي سواء في مؤسسات التمثيل السياسي او في مؤسسات المجتمع بما فيها الاحزاب السياسية وتوجد في الواقع تفسيرات متعددة عن ذلك يمكن الاشارة بإيجاز شديد الى ابرزها :
* اولا – ان نشأة الاحزاب الوطنية الديموقراطية واكبت نشأة وتطور الحركة الوطنية، وكانت تهدف بتأسيسها مضاعفة الكفاح لتحقيق الاستقلال الوطني، في حين سعى الاحتلال الفرنسي الى اقامة هياكل تنظيمية بيروقراطية وقواعد قانونية للحفاظ على سلطة الاعيان واعوان الاستعمار لتأكيد مشروعية السلطة.
وبموازاة ذلك تغلغل النموذج الحزبي الفرنسي في البنية السياسية المغربية من خلال (اقرار هياكل الدولة الاستعمارية، وهجرة المعمرين الفرنسيين الى المغرب الشيء الذي افضى الى بلورة حياة سياسية استدعت خلق الاحزاب الميترو بولية لفروع لها في المغرب فكان ذلك بداية انغراس النموذج الحزبي الفرنسي والذي اثر في مختلف الشرائح السياسية المغربية التي كانت تمارس العمل السياسي والمطلبي ..) محمد شقير.
وهكذا تكونت لدينا نماذج وتنظيمات حزبية منها ما يكتسي طابعا سلفيا اصلاحيا ومنها ما يكتسي طابعا علمانيا غربيا تنتمي الى منظومتين ثقافيتين متباينتين جسدتا صورة عن الاصطدام الحضاري بين ثقافة سياسية دينية مغربية وبين ثقافة سياسية غربية وفرنسية على الخصوص، لذا كان تطور الاحزاب المغربية كما يقول ريزيت ( قد وقع في مفترق طرق حضارتين، الحضارة التقليدية والحضارة الغربية)
وبالتالي اختلفت اليات العمل السياسي حيث تمثلت لدى الاحزاب التقليدية الاصلاحية المغربية في الابعاد التالية : – العمل السلمي كنشاط سياسي –
ارتباط النضال الحزبي بالمظاهر المطلبية – ارتباط النضال الحزبي بالحركة الدستورانية.
وتبنت الاحزاب المعاصرة الهيكلة العصرية حيث ابدى الوطنيون المغاربة اعجابهم بالاطار التنظيمي الذي كانت تتبناه الحركات السياسية التابعة للمتروبول بالمغرب وعلى راسها التنظيم الاشتراكي الفرنسي عبر اقتباس الهيكلة التاطيرية للنموذج الحزبي الفرنسي ( نظام الخلايا والفروع واللجان الاقليمية والمركزية.. والمؤتمرات و المكاتب السياسية…)
وهذا ما جعل الفكرة الحزبية المغربية تعيش في مختلف اطوارها ومراحلها تعددا في الرؤى والايديولوجيات والخطابات والممارسة الحزبية.
* ثانيا – طبيعة البناء الحزبي المغربي الذي يعتبر ظاهريا نظاما تعدديا لكنه اغرق في بؤرة التشرذم والاستنساخ والتشويه لأجل تفتيت التنظيمات الحزبية الوطنية وتحجيم دور الاحزاب الوطنية اليسارية والحد من اي قوة حزبية قد يؤدي الى الهيمنة على الحقل السياسي المغربي ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية – الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خصوصا).
و رأى زارتمان ان هذه التعددية السياسية التي عرفها المغرب ادت الى شل حركة التنظيمات السياسية وجعلها ترتبط بالسلطة السياسية.
* ثالثا – ان الاحزاب المغربية ليست كلها جماعات مصالح كما يقول زارتمان، لكن الاحزاب التي ولدت من رحم الجماهير الشعبية رات في الديموقراطية شرطا اساسيا للحفاظ على حيوية المجتمع وديناميته السياسية، والديموقراطية لديها لا تقوم ولا تستقيم بغير مفهوم الانسان بوصفه مقياس القيم والعقل والعمل والانتاج والمعرفة، والديموقراطية الحقيقية تؤسس الانسية و تبني الحرية والمساواة والحقوق والواجبات والمسؤولية …
وتأسيسا على هذا الانسان الحر الواعي والنشيط ينطوي مفهوم الديموقراطية على المشاركة السياسية مشاركة حرة في صنع الحاضر والمستقبل وفي اختيار نمط الحياة والحكم.
– ازمة الاحزاب في ضعف المشاركة السياسية –
ان تأسيس وتطوير الديموقراطية داخل التنظيمات السياسية المغربية يحتاج الى تدعيم استقلالية الاحزاب، وتقوية مواردها، وتطوير مهاراتها التنظيمية، وتجديد خطاباتها الايديولوجية..وتعبئة كوادرها واطرها وقواها الحية كأساس لتفجير الطاقة النضالية وتقوية المشاركة السياسية .
فماذا نعني بالمشاركة السياسة؟
شكل مفهوم المشاركة السياسية صعوبة امام محاولات تعريفه، فقد استخدم للدلالة على اي عمل يشير الى رفع المطالب للسلطة او تأييد تلك السلطة، كما قد يمتد ليشمل جهود الجماعات في محاولاتها تغيير السياسات او القادة.
وتعرف الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية المشاركة السياسية على انها ( تلك الانشطة الارادية التي يقوم بها افراد مجتمع معين بغية اختيار حكامهم والمساهمة في صنع السياسة العامة سواء بشكل مباشر او غير مباشر ). مكلوسكي Meclosky
هذا المفهوم يفسر على ان المشاركة السياسية تعني مشاركة المواطنين في الحياة السياسية سواء على مستوى رسم السياسة العامة او صنع القرار واتخاده وتنفيذه.
كما يعني ذلك ( مساهمة الشعب افرادا وجماعات ضمن نظام ديموقراطي، فهم كأفراد يمكنهم ان يساهموا في الحياة السياسية كناخبين او عناصر نشطة سياسيا وكمجموعات من خلال العمل الجماعي كأعضاء في منظمات مجتمعية او نقابات مهنية او احزاب سياسية لتنظيم مشاركة فاعلة للأفراد في الحياة السياسية )
و يعرفها Myron Weiner على انها نشاط اختياري يهدف الى التأثير في اختيار السياسات العامة، او اختيار السياسيين على جميع المستويات افقيا وعموديا سواء اكان هذا النشاط ناجحا او غير ناجح منظما او غير منظم مستمرا او مؤقتا. ويمكن التعبير عن المشاركة السياسية من خلال مؤشرات عديدة كالتصويت في الانتخابات او عضوية الاحزاب السياسية او الاشتراك في اتخاد القرار السياسي او انتاج و استهلاك المعلومة السياسية من خلال وسائل الاعلام كل هذا في حد ذاته تعبير عن المشاركة السياسية .
يتضح مما سبق ان مفهوم المشاركة السياسية هي فعل وسلوك وليس مجرد اتجاهات و مشاعر وبالتالي فهي نوع من النشاط والمشاركة الاختيارية والاسهام الحر الواعي في صياغة نمط الحياة المجتمعية في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وفي الانظمة الليبيرالية تعد المشاركة السياسية في صلب مدخلات النظام السياسي من خلال الانتخابات والاستفتاءات والانشطة المرتبطة بعملية التصويت من الاهتمام بالعملية السياسية والحملات الدعائية والعضوية في التنظيمات السياسية وشبه السياسية على عكس التنظيمات ذات الاتجاهات الراديكالية او الشيوعية التي تعتبر المواجهة بأنواعها المختلفة الصيغة الوحيدة للمشاركة في مرحلة الصراع الطبقي، وتم لا مكان للصراع والعنف بعد سيطرة الاغلبية على السلطة.
ان النشاط السياسي لا يتحقق بصورة منظمة الا بالانتماء للحزب، فالسياسة هي النظر والحزب هو العمل كما ان كان الحزب قد يكون بالضرورة تعبير عن مصلحة طبقية وقد يكون ايضا تعبير عن موقف الفئات الاجتماعية المتضررة او المهمشة او المسحوقة حتى يتم تجنيدهم عبر الممارسة النضالية والمشاركة السياسية ليحققوا التغيير المنشود، ولا يعني الحزب بالضرورة الثبات والمحافظة والبقاء على الاوضاع بل يكون الحزب علما للصراع لأجل تقليص هيمنة الدولة على المجتمع ومن تم المساعدة على التطور الديموقراطي.
لقد حاول المجتمع المغربي في كل فترة من الفترات السابقة والحالية الى تطوير وتحديث مؤسسات المجتمع المدني لأجل اقامة نمط حديث من التنظيم السياسي التعددي وبالتالي نظام ديموقراطي يشجع على المشاركة السياسية الفاعلة ، ومنذ الخمسينيات وبعد الاستقلال ومرورا بحقبة الرصاص الى بداية المسلسل الديموقراطي توافرت لدينا شبكة واسعة من المؤسسات الحزبية والنقابية والجمعوية والثقافية والشبابية .. ساعد وجودها على الحد من ظهور وتمدد النزعات السلطوية نظرا لحيويتها ونشاطها السياسي والنضالي والحقوقي والمطلبي.
واذا كان هناك اتفاق الان على ان الديموقراطية في بلدنا تمر بأزمة حادة تخص ضعف المشاركة السياسية، ومن المؤشرات عليها شيوع ظاهرة السلبية السياسية واللامبالاة بالعمل السياسي مما يكشف عن وجود ظاهرة اعمق في المجتمع المغربي وهي ظاهرة الاغتراب. ويبقى السؤال هل هناك اتفاق على طريقة مواجهتها ؟
من الموضوعي والعادي ان توجد اختلافات صغيرة او كبيرة حول الطريقة التي ينبغي بها مواجهة الازمة وضعف المشاركة السياسية وانسب الحلول التي ينبغي تبنيها سعيا وراء مشاركة اعمق من الجماهير وطلبا لديموقراطية اعمق واوسع مجالا تستطيع من خلالها المشاركة السياسية الصحيحة اشباع الحاجات الاساسية للجماهير التي ترنو الى العدل الاجتماعي والى الحرية يكل ما يتضمنه مفهوم الحرية من تحقيق كل الامكانيات الخلاقة لدى البشر.
ان المدخل الاساسي لإعادة احياء مقومات المشاركة السياسية الفاعلة تقوم على عدد من الابعاد من ابرزها :
* اولا : البعد القيمي و عقلنة الفعل السياسي
يرى الاستاذ عبد الله العروي ان النخبة السياسية التي تسير امور الدولة وجميع الفئات التي تؤلف البيروقراطية والتكنوقراطية جميعهم لا يتمنون تغليب الحداثة على التفكير التقليدي، وهم لا يودون للعقلنة ان تخرج من نطاق المصانع والعمل الاداري الى الميدان الاجتماعي والسياسي وبالتالي فان فرض العقلنة والتفكير العلمي في الحياة الاجتماعية والسياسية فرصة ضئيلة جدا والصعوبات ناجمة من طبيعة المؤسسات التي تحمل في طياتها قوة استمرارية النمط التقليدي السائد، ويتساءل العروي اذا كان بالإمكان صب امال التغيير على الاحزاب الوطنية واليسارية خصوصا ثم النقابات الممثلة للطبقة العمالية، كما ينادي بذلك التقدميون عادة .
يدعو الاستاذ ع. العروي المؤسسات الحزبية والثقافية الى القيام بتحليل علمي عقلاني للواقع ثم للماضي والحاضر والمستقبل قصد هزيمة الفكر الماضوي التقليدي، حيث انه لا يمكننا ولوج عصر الحداثة والديموقراطية والفعل السياسي في ظل الطبيعة الاستبدادية لثقافتنا السياسية بما تشمل عليه من منظومات قيم غير حداثية، فالأزمة التي تتخبط فيها احزابنا الوطنية ليست ازمة تعزى الى تراكم متنام في التجارب الحكومية الفاشلة، وانما هي ازمة ممارسة سياسية، تتمثل في ضعف المشاركة السياسية، وعدم فاعلية التنظيمات السياسية والمجتمعية من قبيل وجود تمزق وتشتت وغموض ايديولوجي وثقافي بالقدر الذي يحول دون علمنة ودمقرطة الفكر والسياسة وتحديث الايديولوجيا من اجل علمنة ودمقرطة المجتمع والدولة، وهذا ما يزيد كذلك من مضاعفة ازمة التنمية ويزيدها تعقيدا ويسد الطريق امام كل حوار ديموقراطي بين القوى الاجتماعية والسياسية واطراف الحكم.
بناء على الرؤية الاستراتيجية للأستاذ ع. العروي على احزابنا الوطنية العمل على ترسيخ قيم التفكير العلمي وتسييجها بقوانين تحميها وصيانة حقوق من يمارسونها حزبيا وتمثيليا وثقافيا، والاهتمام بالمؤسسات القادرة على حمل لواء الدعوة الى هذه القيم وممارستها بالفعل والدفاع عنها .
* ثانيا: التحديث الايديولوجي كمحفز على التعبئة والنضال السياسي
تعتبر الايديولوجيا عاملا حاسما في الممارسة السياسية وهي الوعاء الهام والوحيد الذي يتم فيه نقل الافكار السياسية. ودون الايديولوجيا فإننا نكون تقريبا دون ضمير ودون قانون او نظام. ودون الايديولوجيا لا يمكن ان تكون لدينا رؤية للعوالم التي نريد استشرافها. فالإيديولوجية تصوغ دوافعنا واتجاهاتنا ونظمنا السياسية بل انها بالأحرى تشكل قيمنا – ماكرديس Macridis. وتنتظم الايديولوجيات السياسية في ثلاث اصناف:
* ايديولوجية محافظة، تحافظ على الوضع القائم وتدافع على النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي القائم وتبرر شرعيته.
* ايديولوجية ثورية تدعو الى التغيير الشامل في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم.
* ايديولوجية اصلاحية تدعو للتغيير التدريجي في النسق القائم.
ورغم اختلاف هذه الأيديولوجيات فان لها فلسفة وهدف ثم برنامج عمل وادوات تحقيق الاهداف.
واذا عدنا الى الادبيات الايديولوجية لأحزابنا المغربية ووقفنا عند خطاباتها فانه يمكننا ان نرصد بعض المشارب الفكرية التي تشربت بها الاحزاب الوطنية بل و كانت وراء تبلور الظاهرة الحزبية المغربية حيث يلاحظ انها مستمدة من التراث السلفي المغربي والمشرقي ( جمال الدين الافغاني – محمد عبده – شكيب ارسلان – ابي شعيب الدكالي – محمد بلعربي العلوي – علال الفاسي …)او انها مستمدة من الثقافة والفكر السياسي الغربي والفرنسي خصوصا.
ففي التقرير الايديولوجي الذي قدمه الشهيد عمر بن جلون في المؤتمر الاستثنائي 1975، تم تبنى الاشتراكية العلمية كمنهج للتحليل والنضال مع الربط بين التحرير والنمو والديموقراطية والبناء الاشتراكي لأجل تشييد مجتمع وحضارة اشتراكية مطابقة لخصوصية شعبنا، رغم انه دعا الى ضرورة ان تبقى الأيديولوجية قابلة للتغيير والاستفادة من الدروس والتجارب. فهل ما يزال هذا التفكير والنقد والتحليل الايديولوجي معتمدا في خطاباتنا السياسية الان؟
ان عمر بن جلون كرمز لليسار المغربي يرى انه بدون الايديولوجية لا يمكن ان تتحقق المشاركة السياسية وان التعبئة هي احدى الوظائف الاساسية للأيديولوجية السياسية وتتضمن هذه الوظيفة ثلاث عمليات:
-تجنيد المناضلين السياسيين الذين يقومون بتوجيه نشاطات الحركة الاجتماعية.
-اعادة ايقاظ الجماعات التي اصبحت ساكنة سياسيا.
-تسييس العناصر التي كانت غير مهتمة سياسيا من قبل.
وفي السنوات الاخيرة لوحظ قيام بعض الاحزاب بتعديل خطاباتها الايديولوجية تبعا للظرفيات السياسية، اوانها تتصرف بمنطق المعاكسة للخطاب الايديولوجي الحزبي مما ادى الى حضور عدم الاستقرار الايديولوجي حيث تتسم ايديولوجيات احزابنا بقدر كبير من التقلب، وقد يكون ذلك امرا متوقعا حينما تنتقل احزاب المعارضة الى حلف الموالاة للأغلبية او للإتلاف الحكومي، فيكرس هذا التحالف الحزبي ضبابية التمايزات الايديولوجية كما يكرس غياب الحدود بين اليمين واليسار وطغيان المصلحة الانتخابية على التمايز الايديولوجي وهذا ما يشجع على العزوف الانتخابي وعلى المشاركة السياسية .
يقول عمر بنجلون (ان وضوح الاطار الايديولوجي …يجعلنا نطرح القضايا بعمق وهدوء ونولي الاسبقية للمضمون على الشكل والحماس )
* ثالثا: تقوية الاليات التنظيمية لتفجير الطاقة النضالية وتكثيف المشاركة السياسية
في السنوات الاخيرة بدأت الاحزاب المغربية تعرف جمودا في بنياتها التنظيمية ورغم تصنيف التشكيلات الحزبية المغربية من طرف المختصين في خانة احزاب الاطر الا ان هذا التصنيف لا يعبر عن الميكانزيم الداخلي لهذه الاحزاب ذلك ان الحديث عن احزاب الاطر يفترض بالأساس وجود ترقية داخلية لأعضاء وكوادر الاحزاب المغربية، في حين وكما لاحظ ذلك ريزيت Resetteفان الحزب المغربي لا يسمح بتحقيق طموح سياسي داخله، ذلك ان مرتبة الاعضاء الحزبية تتحدد وقت الانخراط بحيث ينخرط العضو اما كقيادي او كمناضل دون ان يستطيع من يوجد في القواعد السفلى للحزب التسلق الى الاجهزة القيادية – (د. محمد شقير). ولعل ما يدعم هذا الجمود الحزبي هو ما يتميز به التنظيم الحزبي من علاقات شخصية او التحرك الانتخابي لهذه الاحزاب.
ولقد سبق لمنظر الطبقة العمالية عمر بن جلون ان نادى بضرورة تصحيح الاخطاء واستخلاص الدروس من التجارب الفاشلة لان ( الانحراف ليس مسالة ذاتية وانما هي نتيجة لوضعية خاصة للحزب او النقابة)
ويدعو الى عدم التردد في الاعتراف بالأخطاء وعدم التقاعس في تحليلها دون مركب نقص لأنها اخطاء نابعة من ظروف الاشغال ومن حركة التناقضات داخل المنظمات الحزبية .
من الطبيعي بل من الضروري ان ترتكب الاخطاء خلال سلسلة النضالات المتلاحقة والمتزاحمة، ويجب الاعتراف بكل حملات التمويه والتشويه مع استيعابها واستخلاص العبر منها حتى يتم التمكن من تلافيها في المستقبل.
ان الديموقراطية عند كل الديموقراطيين هي مؤسسات وتنظيمات مهمتها تنظيم الممارسة السياسية واتاحة الفرصة للجماهير ان تشارك وتعبر عن آرائها مهما اختلفت وتنوعت، ويمكنها ان تنبثق من اصغر قاعدة تنظيمية تضم اعضاء ينتمون لمختلف الشرائح الاجتماعية، تم تتمدد افقيا وعموديا لتبني افقا واسعا للمشاركة السياسية.
ان الخلية هي عصب الحزب ونواته الاولى وحزب بلا خلية هو مجرد تجمع طائفي يجتمع بأمر وينفض بعصاة – كما يقال – وليست مهمة الخلية تنفيد اوامر الاجهزة العليا للحزب فقط او ترديد الشعارات او تنظيم احتفالات الاستقبال والوداع بل مهمتها تثقيف الافراد وقيادة الجماهير قيادة فعلية من اجل النضال. ولا يعني ارتباط الخلية بفكر واحد التسلط في الراي لأنها مدرسة الحزب وفيها يمارس الفرد حرية الراي ويتعلم فيها الفرد القيام بتحليل مباشر للواقع ويقدم تصورات عن ابنية طبقاته. فالخلية على هذا النحو هي مصدر القوة الدائمة ومن خلالها يتطور بناء الحزب وفكره. فقد يصل الحزب الى مرحلة تتجمد فيه اللجان او يتحول الى بيروقراطية حزبية وهنا تقوم الخلية التي تغص بالشباب والاجيال الجديدة الاكثر حماسا في النضال وتقوم بدور التجديد وارجاع الروح الثورية الاولى للحزب.
اليوم لم يعد للخلية الحزبية وجود الا في المخطوطات والوثائق التنظيمية، حتى ان المنخرطين الجدد يجهلون ان الانخراط الحزبي كان يبدا من " التدريب الاولي" عبر التثقيف والتكوين الحزبي في الخلايا والتنظيمات الداخلية الصغرى وكان هذا سببا في حدوث ازمة وضائقة سياسية تسببت في شيوع حالة الاغتراب وعدم مصداقية العمل الحزبي، وسيادة روح الياس والقنوط.
اذن لا بد من العودة الى احياء هذا النظام الخلوي لتأطير القواعد الحزبية .
هذه الابعاد وغيرها يمكنها ان تشكل مدخلا توليفيا مقترحا للتصدي لليأس والاغتراب واعادة الحياة للأحزاب وحركة المجتمع السياسية .

ذ . محمد بادرة – الدشيرة الجهادية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.