أين ما وليت وجهك بمنطقة سوس ماسة إلا ورأيت أشجار الأركان منتشرة في الجبال والهضاب والسهول، وتعتبر أشجار الأركان شديدة الندرة في العالم بسبب تواجدها فقط في هذه المنطقة، كما تعد رمزا من الرموز الثقافية لسوس وجزء لايتجزأ من ثرواث المغرب المتنوعة، التي أضحت مصدر رزق للعديد من الأسر الفقيرة التي تسكن بمناطق وعرة. عرف بها المغرب عالميا بعد إعلانها إرثا إنسانيا من طرف منظمة اليونيسكو العالمية ولاسيما بعد اكتشاف الفوائد المبهرة التي تحملها ثمارها عبر طياتها، مما جعل العالم يتهافت عليها،خاصة الشركات المختصة في المواد التجميلية، كما حاولت عدة دول زراعة أشجار الأركان على أراضيها ولكن تجاربها باءت بالفشل، فأشجار الأركان لاتنمو بأي مكان آخر في العالم سوى بسوس موطنها الأصلي، إلا أن كنز سوس هذا تطارده آفة الانقراض . تتميز أشجار الأركان بأغصانها الشائكة والتي تحمل ثمارا خضراء تتساقط عند بلوغها مرحلة النضج الكامل، وتتكلف نساء المنطقة المنخرطات في عدة تعاونيات بإنتاج زيت الأركان وتسويقه، تقول “رقية “، وهي احدى نساء منطقة سوس وعاملة في احدى التعاونيات “أنهن يقمن بجمع الثمار وتعريضها لأشعة الشمس، لمدة من الزمن قصد تجفيفها لتكسب بعدها لونا بنيا وغشاء يتفتت جراء أشعت الشمس، ثم يقومن بكسرها واستخراج نواتها، تجمع هذه النواة والتي تسمى بالأمازيغية “تيزنين” وتطحن بعد ذلك وتحول إلى زيت طبي، أو إلى زيت للإستهلاك الغذائي” ولإستخلاص زيوت الأركان تعتمد طريقتان وتضيف رقية قائلة، “لإنتاج الزيت الغذائي، نقوم بتحميص نويات الأركان “تيزنين”، أما في انتاج زيوت التجميل فإننا نستخلصه دون تحميص”. قبل ظهور التعاوينات كانت نساء منطقة سوس ماسة في الماضي يحضرن زيت الأركان الغدائي، فيقدمنه لأزواجنا ليذهبوا به إلى لسوق قصد بيعه، وكان ثمنه آنداك مابين خمسون درهما الى سبعون للتر الواحد، اما الآن وبعد اكتشاف ما يحمله الأركان من منافع ، وخاصة مع ظهور التعاونيات النسوية بفضل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تؤكد السيدة رقية، “أن اسعار الأركان ومشتقاته ارتفعت الى مابين مئتين درهم و مئتين وخمسون درهم للتر الواحد،حيث تضيف أن هذا النشاط يعد مورد الرزق الوحيد لعدة اسر فقيرة”، وذلك ما أكدته السيدة أيضا “فاطمة الديش” رئيسة تعاونية “تاركانت” الواقعة بدوار تدناس جماعة اساكي لإقليم تارودانت جهة سوس ماسة، قائلة ” تضم تعاونيتنا أزيد من ستون امرأة من نساء المنطقة، واعتمدت التعاونية منذ تأسيسها على الطريقة التقليدية في إنتاج زيت الأركان،وتتوفر على الآت عصرية ومتقدمة من أجل ضمان جودة المنتوج، وشاركت هذه التعاونية في عدة فعاليات جهوية و وطنية ودولية أهمها المعرض الدولي للفلاحة بمكناس”. أصبحت هذه التعاونية نسائية مئة بالمئة، لكونها تضم عاملات محترفات عرفن سر الأركان وكيفية استخراجه،فصرن المعيلات الوحيدات لأسر تضم الذكور والإناث ،سيما عندما أصبح الأركان يسويق حتى في الخارج وخصوصا الدول الاوروبية كفرنسا واسبانيا التي اضهرت اهتمام كبيرا به ولمشتقاته،ويعتبر من موارد العملة الصعبة،ويأتي العديد من السياح من مختلف البلدان خصيصا لأجله، ويعد من مصادر الرزق الوحيدة لكثير من هذه النسوة واسرهن الفقيرة، لكن الأخطار المحدقة بشجر الأركان تكاد تكون كثيرة وغير متحكم فيها، مما يهدد مستقبل تلك النسوة ووضعيتهم المعيشية، كما قد سيتسبب ذلك في انتشار االجوع والبطالة في المنطقة، وكذا سيؤثر على اقليم سوس بآعتبار،الأركان أحد رموزه الثقافية. وفي نفس السياق حذرت عدة مؤسسات معنية بالأمر أهمها مصلحة المياه والغابات بأكادير من آفة الانقراض التي تهدد أشجار الأركان النادرة بتقديم عدة إحصائيات تبرز التراجع المهول في مساحات انتشارها، حيث وضح السيد “أحمد عاشور” مهندس لدى المصلحة العامة للمياه والغابات بأكادي إتصال هاتفي معه ” إن أشجار الأركان عرفت تراجعا ملحوظا في اواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، بسبب الرعي الجائر واحتراق الغابات، وقطع أشجارها لكون خشب الأركان يعرف بجودته العالية في إنتاج الفحم، ووضحت عدة إحصائيات قامت بها المندوبية السامية للمياه والغابات، حسب ما جاء على لسانه ” أن مساحات انتشار الأركان تقلصت بنسبة ستون بالمئة، ما جعل المندوبية تتدخل على الفور لوقف هذا النزيف باتخاذ عدة اجراءات والتي من شأنها أن تخفف اوتحد من هذا الانخفاض” كما أكد أن المصلحة العامة للمياه والغابات عملت على توعية سكان المنطقة بأهمية الحفاظ على الأركان، ومنع الاتجار بخشبه والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني، وكذا مراقبة مناطق نفود هذه الأشجار،واضاف ان هذه الاجراءات كللت بالنجاح،اد انخفضت عمليات قطع هذه الأشجار بشكل كبير،وعملت المندوبية على غرسها في مناطق اخرى لتوسيع مناطق انتشارها وابعادها عن خطر الانقراض. لكن واقع الحال يعكس أن ظاهرة قطع أشجار الأركان ماضية في التزايد،ففي السنوات الاخير ظهر مشكل جديد يشكل خطرا حقيقيا على الاركان، وهو الزحف العمراني الكبير الذي تشهده منطقة سوس في الأونة الاخيرة. ورد في عدة تقارير وطنية ودولية طبية أن للأركان فوائد مهمة وخصوصا على صحة الانسان،اذ اكتشف العلماء و الأطباء الدين درسوا ثماره أنه يحتوي على خصائص متعددة ستعود على المستهلك بالنفع في عدة مستويات أهمها على مستوى الغدائي والتجميلي،فعلى مستوى الغدائي الأركان يساعد على خفض الكوليسترول، وتسهيل عمليه الهضم،ويخفض الضغط ويسهيل مرور الدم عبر الأوعية الدموية للأنسان، وتتناقل ساكنة سوس ماسة عدة أفكار طبية أثبتثها التجربة اليومية والواقع المعيش،أنه يساعد الأطفال على النمو ويزود أجسادهم بالطاقة، أما على المستوى التجميلي فيحتوي على مركبات تعالج الإصابات والتقرحات الجلدية والحروق الناتجة عن التعرض للشمس، كما يحتوي زيت الأركان على نسبة كبيرة من الأحماض الدهنية،وذلك يساعد على تنعيم الشعر الجاف والخشن، وهو مفيد جدا لفروة الرأس وكذلك لعدة مشاكل للبشرة كحب الشباب لدى المراهقين. وورد أيضا في عدة مقالات والصحف المختصة بالبيئة والزراعة المستدامة،أن الأشجار بمختلف أنواعها تقي من ظاهرة تعاني منها السهول و المحاصيل الزراعية المغربية، وخصوصا في الجنوب كمنطقة سوس التي اصبحت مهددة بخطر التصحر وأنجراف التربة، وتعتبر أشجار الأركان الأكثر انتشارا في المنطقة،اذ استحوذت على تمان مئة ألف هكتار من المساحة الاجمالية للأراضي السوسية، وتعد حاجز حماية لايمكن الاستغناء عنه من هده الظاهرة التي بامكانها القضاء على كل الاراضي الخصبة والفلاحية، مما سيؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني لكون سوس من اهم مصادر الخضر والفواكه بالمملكة، وكذا ستنتشر البطالة والمجاعة لكون القطاع الفلاحي يعد من القطاعات الأكثر نشاطا وتوفيرا لمناصب الشغل، كما أن اشجار الأركان تقاوم الجفاف بشكل رهيب ولاتتطلب كميات كبيرة من الماء. للأركان أهمية كبرى نظرا لما يتوفر عليه من فوائد عظمى على عدة مستويات، كما يعد كنزا وثروة تميز بها المغرب عالميا،لذا فالمحافظة عليه أمر واجب ويبقى تشجير المناطق التي تعرف القطع والرعي الجائرة حلا مستعجلا بالإضافة الى إطلاق عدة حملات إعلامية تحسيسة حول أهمية الأركان البيئية والتنموية وسيما وأنه نوع لا يعتمد على الكثير من المياه في منطقة معروفة بمناخها شبه الجاف. محمد أيت إسك سهام الشيكر أحمد أيت بلا الثانوية الإعدادية جمال الدين الأفغاني