لأن السماء جادت بمائها الوفير منذ يومين بكامل التراب الوطني، ولأن درجات الحرارة متدنية والبرد قارس، فإن تلاميذ المغرب، قد ابتدعوا تقنية جديدة للاحتفاء هذه السنة ب « عاشوراء »، هي رمي البنات بالبيض!!. لقد كانت أزقة الدارالبيضاء صباح أمس، خاصة بمحيط المدارس والإعداديات والثانويات، فضاء للتراشق بالبيض، وكانت ملابس العشرات من الفتيات ملطخة بأصفره اللزج، فيما كانت بعض الفتيات يرمين ب « ماء جافيل » على زملائهم من التلاميذ الذكور، خاصة الذين يرتدون سراويل الجينز، لأن « ماء جافيل » يترك فيها أثرا لا يمحي!!. الحقيقة، أن ذكرى عاشوراء، هي مناسبة شعبية ( مغلفة بتأويلات دينية ) للتأمل في الخصوصية الثقافية والحضارية للمغاربة. فنحن البلد السني الوحيد في كل العالم العربي الإسلامي، مع أشقائنا الجزائريين، الذين نحيي هذه الذكرى الشيعية، كونها عند كل فرق الشيعة، مناسبة لاستعادة ألم المذبحة الهمجية التي أدت إلى اغتيال الحسين بن علي، حفيد الرسول الكريم بموقعة كربلاء في العراق، والتمثيل بجثته وبجثث أبنائه الصغار وزوجه والعديد من أتباعه. لكن، المفارقة هي أن الشيعة يحيون الذكرى بما يليق بها من ألم وحزن ودم، فيما نحن نحييها كعيد للفرح والاحتفاء بالنار والماء!!.. بل إن المثير، تاريخيا في ذكرى عاشوراء بالمغرب، أنها ظلت تتوزع بين شكلين للاحتفال، واحد بدوي والآخر حضري، مديني. ففي البوادي المغربية، كانت ثمة عادة دفن كتف الرجل اليمنى لخروف العيد من قبل الأطفال بالمقابر، في طقس احتفالي، تعبدي، مثلما أن إيقاد النار ( الشوعالة) يعتبر من الثوابت في هذه الاحتفالية، وهي تصاحب عادة بترديد تلك اللازمة النسائية المغناة التي تقول: « بابا عيشور، ما علينا حكام آلالة.. عيد الميلود، تايحكمو الرجال آلالة ». ويُتبعها الأطفال الصغار بترديد لازمة أخرى مغناة تقول: «گديدة، گديدة.. مرمية عالعواد آلالة.. بابا عيشور جاي إصلي أوداه الواد آلالة»!!. ومن الثوابت الشعبية في هذه الذكرى أنه ممنوع حلاقة الشعر حتى تتم عملية إشعال النار (التي تسمى ب: « تطرطق الشعالة»). بينما في البوادي الجنوبية السوسية بالمغرب، المعروفة بأن التشيع كان فيها كبيرا في بدايات الدولة المغربية، قبل عهد الموحدين، فإنه كان ممنوعا غسل الثياب أو تنظيف المنازل بالماء قبل أن تتم عملية إشعال نار عاشوراء. وهناك من يذهب إلى أن استمرار عادة إشعال النار، هي عادة قبل إسلامية بالجنوب المغربي، لأن قبائل عدة هناك كانت تعبد النار. أما في العادات المدينية للمغاربة، التي كانت تتم من خلالها احتفالية إحياء عاشوراء، فإن بها بعض الاختلاف الطفيف، الذي يتأسس، على انتشار واسع لمنطوق حديث ينسب خطأ إلى الرسول الكريم، يقول: « إن من يغتسل بالماء صباح عاشوراء، لا يمرض العام كله »، وهو حديث موضوع بدليل أن عاشوراء، الممجدة لجريمة كربلاء وقعت عقودا بعد وفاة الرسول الكريم. مثلما أن عادة رش الناس بعضهم ببعض بالماء، ( خاصة الذكور تجاه الإناث)، إنما تعتبر نوعا من إرواء الظمأ وإطفاء العطش، بسبب أن الحصار الذي قام به جند معاوية بن أبي سفيان، ضد حفيد الرسول، الحسين بن علي، كان ضمنه قطع الماء عنهم في هجير كربلاء، وأنهم عانوا من عطش فظيع قبل الإجهاز عليهم جميعهم. والغريب أن الشيعة لا يحتفون بالماء، بينما يحتفي به المغاربة الذين يسمونه «زمزم» من باب تقديسه تيمنا بماء زمزم بالكعبة الشريفة.. مثلما أن من العادات المدينية بالمغرب في هذه الاحتفالية، تقديم الهدايا للأطفال يوم عاشوراء (وهي عادة لاتزال قائمة إلى اليوم)، مما جعل منه نوعا من الكرنفال المغربي الخاص، خاصة مع الشموع التي كانت توقد فوق الأسطح وفي النوافذ في مدن فاس وتطوان ومراكش والعرائش وسلا وغيرها من المدن المغربية القديمة، مثلما كانت تحيى بها احتفالية « لفراجة » التي يتم فيها تقمص شخوص «الدرقاوي الهبيل، واليهودي الوسخ، وقاضي فاس الجبان، والشيخة الماجنة، والقابلة التي تولد اليهودية والبربرية والأندلسية … إلخ »، وهي احتفالية ساخرة هدفها الضحك والترويح عن النفس.. اليوم، اختفت الكثير من التفاصيل الشعبية لعاشوراء من المغرب، وبقيت طقوس رش الماء ( وأحيانا يخلط بماء النار لمن يريد الانتقام من فتاة لا تعيره اهتماما!! ) وأضيف إليها إبداع البيض الذي لا علاقة له بروح الذكرى ولا بمعناها التاريخي..