لعل أهم ما ميز الدخول المدرسي لهذه السنة (وهو بالمناسبة الأول من نوعه للحكومة الجديدة)هو إصدار الوزارة الوصية على قطاع التعليم بالبلاد لثلاث قرارات يمكن وصفها بالمهمة والجريئة ،رغم النتائج المتباينة التي من المنتظر أن تترتب عنها بالنظر لشدة حساسيتها من جهة وإكراهات تنفيذها من جهة ثانية ،وصعوبة وقوع الإجماع على تطبيق مضامينها من جهة ثالثة. القرار الأول يتعلق باستعمال الزمن وفق التوقيت اليومي الذي تنظمه المذكرة 2156*2 الصادرة بتاريخ 4 شتنبر الجاري والتي بمقتضاها سيتم اعتماد التوقيت الدراسي الذي من المفروض أن يبدأ أيام الأسبوع من الاثنين إلى الجمعة ،من الساعة الثانية صباحا حتى منتصف النهار وفي الفترة الزوالية ،من الساعة الثانية إلى الرابعة والنصف مع استثناء يومي الأربعاء والجمعة في الفترة الزوالية ،حبث تخصص في اليوم الأول للراحة الجماعية لأطر التدريس والتلاميذ على السواء ،بينما في اليوم الثاني ،يتم تأخيرها بنصف ساعة اعتبارا لتوقيت صلاة الجمعة ،في الوقت الذي يبقى فيه يوما السبت والأحد للراحة ،كما هو معمول به في معظم القطاعات الأخرى.وإلى هنا ،فمنطوق المذكرة والذي يتماشى والمقاييس الدولية يبدو في صالح الجميع ويخدم مآرب كل المتدخلين في العملية التعليمية التعلمية خاصة المتعلمين الذين يشكلون الضلع الأبرز في مضلع المنظومة التربوية ،لكنه بالمقابل ،لم يستحضر البنى التحتية للمؤسسات التعليمية بالبلاد التي تكاد تكون لاتشفي الغليل باعتماد الصيغ الأخرى التي تسمح للمدرسين في الابتدائي بتقاسم القاعات فيما بينهم ،فبالأحرى ،الاستجابة للصيغة الحالية التي يساوي فيها المدرس القاعة ،وبعبارة أوضح ،فالأستاذ يحتاج غلى قاعة دراسية خاصة به لا يشاركه فيها أحد ،وهو وضع ،إن وجد فلن يتجاوز عشر المائة خاصة في العالم الحضري والشبه الحضري ،حيث يسود الاكتضاض ويطغى الاختلال في البنيات ،بينما في العالم القروي حيث القاعات الدراسية ،نسبيا متوفرة ،وقلة المتمدرسين بسبب تشتت المداشر ،يمكن لهذه الصيغة الجديدة أن تطبق بنسب عالية ،لكن يبقى بعد الروافد عن الوحدات المدرسية ووعورة المسالك وقساوة الظروف المناخية (ثلوج ،غزارة الأمطار ،حرارة الطقس ،انتشار الوديان…)من شأنها فرملة تطبيق مضمون المذكرة الوزارية . لهذا السبب قام مجموعة من نواب الوزارة بالجهة بكل من أكادير إداوتنان ،إنزكان ،تارودانت وزاكورة بتكوين لجن تتكون بالأساس من مفتشين تربويين ،دورهم السهر على دراسة وتحليل إمكانيات وحدود تطبيق الصيغة الجديدة لاستعمال الزمن وجداول الحصص ،في انتظار حلول قد يتوصل إليها ،وقد تغيب ،في غياب تصور موحد يشارك في نسجه الجميع. النقطة الثانية التي قيل في حولها الكثير وفاض في شانها الكثير من المداد،وهزت أركان “المستثمرين ” في القطاع الخصوصي ،هي قرار وزير التربية الوطنية ،القاضي بتوقيف مؤقت للساعات الإضافية التي كان يقوم بها أساتذة التعليم العمومي لفائدة المتمدرسين الخصوصيين ،وهي النقطة التي ،بقدر ما أثارت حفيظة “أصحاب المدارس الخصوصية”بقدر ما صفق لها كل المتتبعين للشأن التعليمي بالجهة وخلفت ارتياحا منقطع النظير لذى فئات عريضة من المجتمع السوسي ،خصوصا في مدينة أكادير حيث التعليم الخصوصي يعرف انتعاشا كبيرا بتجاوزه نسبة 18 في المائة ،وهو الرقم القريب من (الهدف)المسطر والمطلوب تحقيقه وطنيا.هذه الانتعاشة ساهم فيها العدد الكبير من الأطر التربوية التابعة للتعليم العمومي الذين يعملون على تنشيط وتجويد هذا النوع من التعليم ،وهذه المساهمة ،غالبا ما تكون على حساب أبناء التعليم العمومي ،مما ينعكس سلبا على المنسوب التحصيلي لذا الفئات العريضة من أبناء الطبقات المتوسطة والضعيفة . ومن مخلفات هذا القرار التخبط والارتباك اللذين طبعا الدخول الدرسي الحالي في هذه المؤسسات الخصوصية كما هو الحال في مجموعة من المؤسسات التي تعيش أزمة حادة في أساتذة العلوم الاقتصادية المنتمين كلهم للتعليم العمومي ،ما دفع بأولياء أمور المعنيين بهذه الشعبة إلى التفكير “مجبرين “في تحويل أبنائهم إلى الثانويات التأهيلية العمومية التي تدرس فيها هذه الشعبة ،قبل أن يصطدم البعض منهم بواقع آخر لم يكن في الحسبان ،والمتمثل في المعدل الذي تم تحديده من قبل النيابة الإقليمية بتنسيق مع المؤسسات المستقبلة والمحدد في النقطة 14/20 فما فوق ،ومن المعنيين من التلاميذ من حصل على معدل أقل بكثير من معدلات نظرائهم من التعليم العمومي ،لم يتمكنوا بدورهم من التسجيل في هذه الشعبة لكون نقطهم تقل عن المعدل المطلوب.هذه الإشكالية حتمت على النيابة الإقليمية للوزارة باكادير مراسلة الوزارة للتداول في هذا الأمر وإيجاد الحل لهذه الإشكالية الوليدة . نقطة ثالثة جاء بها الدخول التربوي الحالي تتعلق ب”الرقم الأخضر” الذي وصفه كل المعنيين غير المستسيغين للقرار ب”غير الصائب”.مضيفين بأن هذا الرقم يمكن أن يتحول “المعلمين” الذين كادوا أن يكونوا “رسلا ” إلى “كفار” بسبب وشايا كاذبة محتملة وبسبب تصفية حسابات ضيقة مرتقبة ،لاعلاقة لها بالفعل التربوي ،كما يمكن لهذا النوع من “التواصل” أن يزرع الشك في صفوف الأطر التربوية والإدارية وأن يذكي صراعات مجانية بين الأسر و”مربي الأجيال”.والقطاع ،خاصة في الوضع الذي يجتازه حاليا ،في غنى عنها ،بل يحتاج ،أكثر من أي وقت مضى،إلى تطابق الرؤى ومد الأيادي بين كل المتدخلين في العملية التربوية من مدرسين وتلاميذ وأوليائهم وكل الفرقاء . هذه النقطة ،كان عليها تحفظ كبير من طرف مختلف المتدخلين ،بمن فيهم ،أولياء أمور التلاميذ بالنظر إلى وقعها السلبي على نفسية الأطر التربوية وبالنظر إلى الحساسيات ذات الطبيعة العدائية التي يمكن أن تصاحبها.