قال رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، في بيت الصحافة بطنجة، في شرح علاقته بالملك محمد السادس: «أعجبتني سيدة قالت لي: ‘‘إن الملك يحكم وبنكيران يخدم''»، جاء ذلك في معرض شرح رئيس الحكومة علاقته المعقدة بالسلطة الأولى في البلاد، حيث يجتهد بنكيران في إعطاء توضيحات مستمرة ومتكررة عن الطريقة التي تُدار بها هذه العلاقة في ظل دستور جديد لم تتأقلم المملكة بعد معه، ما يجعل الفاعلين السياسيين يجدون صعوبات كبيرة في الانضباط لنصوص الدستور وهندسة السلط داخله، لينتهي الأمر بهم إلى التحرك خارج الدستور المكتوب، حيث يجدون تراثا وأعرافا وتقاليد وممارسات تسعفهم في إدارة السلطة على غير ما خطط المشرع الدستوري سنة 2011. العودة المتكررة لبنكيران، في كل أحاديثه وحواراته وخرجاته الإعلامية، لتوضيح علاقته بالملك، والطريقة التي يتعامل بها مع الجالس على العرش، تكشف حقائق عدة لا بد للمشتغل بالسياسة أن ينتبه إليها. أولى الحقائق أن بنكيران غير مطمئن إلى أن النخب السياسية والطبقة الوسطى تفهم أو تتفهم طريقته في إدارة العلاقة مع الملك، وهو يتخوف من وضعه في خانة جل من سبقوه إلى المنصب، الذين كانوا مجرد موظفين بألقاب وزراء أولين، ولهذا قال في سلا إنه يقول لا للملك أحيانا لكن بأدب، وأعاد القول أول أمس: «عرفت منذ اليوم الأول أن لا حظ لي في النجاح إذا اصطدمت بجلالة الملك، لكني أراجعه بأدب»، وعندما حل ضيفا على الاتحاديين قال: «إني لست رئيس حكومة شكليا، لكنني لا أحكم لوحدي. هناك آخرون يشتركون في القرار». بنكيران يريد أن يكون صريحا مع الناس، لكنه، في الوقت ذاته، يكشف إلى أي حد يضحي بالدستور من أجل التوافق، وبالديمقراطية من أجعل التعايش، وبالمؤسسات من أجل أن يسلك أموره. ثانية الحقائق أن بنكيران، وهو يشرح ويعيد شرح علاقته المركبة بالقصر وسكانه، يدافع عن تأويله الرئاسي للنظام السياسي المغربي بعيدا عن التأويل الديمقراطي الذي حمله الدستور الجديد، فعندما يقول: «إن الملك رئيسي وأنا جئت لأساعد فقط»، فهذا يؤشر على فهم بنكيران للوثيقة الدستورية، وعندما يخبر بنكيران الجمهور بأن الملك هو من طلب منه أن يقترح وزيري الأوقاف والداخلية في حكومته، فهذا يكشف إلى أي حد تدار السلطة في المغرب بالتوافق السياسي بعيدا عن منطوق الدستور الذي يعطي رئيس الحكومة حق اقتراح الوزراء على الملك. بنكيران يتصرف كسياسي همه أن ينهي ولايته بسلام، أما حكايات الدستور والقانون وعقلنة القرار وتحديث المؤسسات، فهذه يعتبرها من شواغل الأكاديميين وأساتذة القانون الدستوري، وهو يستغرب أحيانا كيف لا يرى هؤلاء الواقع وموازين القوى وهم مستغرقون في قراءة نصوص الدستور. ثالثة الحقائق في العودة المتكررة لبنكيران إلى موضوع علاقته بالملك هي تمييزه الواضح بين الملك ومحيطه، وبين العرش وخدامه، فهو لا يرى أن من يحيط بالملك يمتلك حصانة سياسية تعفيه من النقد ومن «تقطار الشمع» إن اقتضى الأمر، فهو يعرف بالتجربة والمعاينة أن مستشاري الملك ليسوا آلات بلا روح ولا رأي ولا يد في القرار، وإذا كانوا صامتين فهو يتحدث، وإن كانوا يتمتعون بالقرب، فهو يستعمل سلاح الكلام للناس، وحديثه عن «قلالش سيدي علي بوغلاب»، يوم استقبل المكتب السياسي للحركة الشعبية في مقر حزبه، وحكى لهم عن ذلك السفير الذي طلب شيئا من الملك الراحل الحسن الثاني فوجهه إلى إدريس البصري، فرد السفير على سيده بالقول: «أنا لا أريد التعامل مع البصري»، فأجابه الملك: «الذي يريد سيدي علي بوغالب يريده بقلالشو»، في كناية عن ضرورة احتمال خدام المخزن ممن يريد أن يتقرب منه، فعلق السفير على نصيحة الملك القول: «سيدي علي بوغالب في مكانه، وكل قلوش يبقى في بلاصتو». ضحك الجميع من الرواية التي حكاها بنكيران على لسان السفير، لكن المعنى وصل. بنكيران سياسي محافظ، وهمومه تدور حول ثلاثة مشاغل؛ أولها الحفاظ على علاقة طبيعية ولمَ لا ودية مع الملك. ثانيا، حماية الاستقرار في البلاد، والخوف من نزول الغضب إلى الشارع، وتحسين موقعه الانتخابي مرة بعد أخرى، بعدها تجيء طموحات أخرى، ومنها ممارسة جزء من صلاحياته، والقيام بالإصلاحات الممكنة مع زيادة وتيرة السرعة... هذا كله مشروع ومطلوب، لكن، هل يتم داخل الدستور أم خارجه؟ هل ستربح التجربة الديمقراطية المغربية مع صعود العدالة والتنمية أم لا؟ هذا هو السؤال. سمعت من قيادي في حزب العدالة والتنمية جملة مصحوبة بألم كبير تقول: «بلعنا قرارات وسياسات ونحن نقود هذه الحكومة كان يستحيل أن تمر لو كنا في المعارضة».. بدون تعليق.