يحكى أن وزيرا في عهد الملك الحسن الثاني، طلب من الملك شيئا معينا، فأحاله على وزيره في الداخلية آنذاك وذراعه اليمين البصري، فلم يرد الوزير مقابلة البصري وطلب حاجته منه، فرد الأمر الى الملك مرة أخرى وتعذر بعدم رغبته في الحديث الى البصري، فخاطبه الحسن الثاني قائلا: " لي يبغي سيدي علي بوغالب.. يبغيه بقلالشو ". هاته الحكاية القصيرة، المليئة بالعبر، كان يرددا دوما الملك الراحل في وجه وزراءه وخدامه من أصحاب السلطة والجاه، مفادها أن الذي يقبل بشيء ما يجب أن يأخذه " كاملا غير منقوص "، باعتبار أن الكل الذي يشكل النظام لا يقبل التجزيء، يجب التعامل مع من فيه، الكل واحد والواحد هو الكل في العرف السياسي المغربي. مناسبة هذا الكلام، ما صرح به السيد رئيس الحكومة على هامش لقاءه مع حليفه في الأغلبية محند العنصر وحزبه، حيث خاطب الحضور مذكرا إياهم بالتحالف ونعمه على المغرب، والتحكم ومساوئه وويلاته على البلاد والعباد، حيث أكد بنكيران أن الملك هو الوحيد الذي يُجمع عليه المغاربة، دون النظر إلى " قلاليشه " (حاشيته أو من هم أقرب إلى دوائر القرار). التحكم، المتحكمون، الدولة العميقة، الجهات الخفية، التماسيح والعفاريت، كلها تسميات جاءت الى الحقل السياسي المغربي بعد الحراك الفبرايري، وكلها موجهة تجاه حزب البام وحلفاءه وخدامه، سواء داخل الدولة أو خارجها (أموال الخليج مثلا)، ثم جاء مصطلح "القلالش" آخر خطاب الموظف الأول للدولة، لكي ينضاف الى قاموس التعريفات، التي يطلقها بنكيران على خصومه أين كانوا. " القلوش .. القليش .. القليليش " مفردات تذهب نفس المعنى المراد سياسيا، لكن تختلف من حيث درجات الأهمية (القرب من الملك ومحيطه) حسب الوظيفة في أجهزة المخزن ودواليبه، مفردات تعطي توصيفا مرموزا لكل من يتدخل من قريب أو بعيد في ملفات الدولة وعلاقاتها، وبالتالي وجب التعامل معه ك " قلوش " لابد من المرور عليه للوصول الى السدة العالية. المناوشات التي وقعت في عمر هاته الحكومة، أظهرت العديد من " القلاليش"، دافعوا باستماتة كبيرة عن العديد من الملفات في وجه حكومة منتخبة لا تملك الا جهدها فيسخرون منها، حال اصطدامها بالشعب، خصوصا في الفترة الأخيرة ( ملف العالم القروي، ملف الأساتذة المتدربين، ملف الإصلاحات الاجتماعية، ...الخ)، وبالتالي فدور " القلاليش" حسب التوصيف يكون سلبيا في غالب الأحيان، ولهذا فالأمر أشبه بصراع بالنيابة، رغم أن بنكيران ما فتئ يؤكد أن علاقته بالملك لا تعدو كونه متعاونا ومساعدا في النهوض بالبلاد وما تعانيه " قدر المستطاع". الصراع السياسي اليوم بالمغرب، يحاول فيه جزء غير قليل من الفضلاء الدفاع عن الديموقراطية الوليدة مع تشريعيات نونبر السابقة و7 أكتوبر المقبل، وجزء آخر الدفاع عن صور من التحكم والتوصية على عموم الشعب في غالب الأحيان، حيث لكل وسائلهومدخلات ومخرجات، حيث ينطلق منها ويصل إليها، لكن الأهم عند المغاربة وهم مقبلون على انتخابات أكتوبر المقبل (ستكون حاسمة في الاختيار الديموقراطي بالنسبة للبلاد)، ماذا تحقق في الولاية الحالية للحكومة، وهل يمكن القبول بنموذج آخر لا يناسب المجتمع ثقافة ومرجعية و في نمط الحياة؟ أم أن المغاربة سيكون لهم رأي آخر؟ الجواب سيكون في القادم بالأيام.