«بنكيران رئيس حكومة مع وقف التنفيذ» (benkirane en sursis)، هكذا عنونت مجلة «جون أفريك» مقالا غير موقع في عدد هذا الأسبوع. المجلة الباريسية، التي يملكها التونسي البشير بنيحمد، ادعت وجود توتر شديد بين الملك ورئيس الحكومة، ونسبت الخبر إلى مصدر من القصر الملكي، وقالت: «هذه أول مرة يسمح الملك بتسريب عدم رضاه عن رئيس حكومته الذي مافتئ يقسم على ولائه للملكية، لكنه يتحول إلى المعارضة كل نهاية أسبوع». وحسب المجلة، التي تستعمل بين الحين والآخر من قبل دوائر في السلطة دون غيرها لتمرير رسالة أو توجيه قرار، فإن سبب سوء الفهم يرجع إلى «حديث بنكيران في بوزنيقة عن وجود دولتين في المغرب، واحدة يرأسها الملك محمد السادس والثانية لا نعرف من يرأسها، كما أن بنكيران تحدث عن أمور خاصة يقوم بها الملك، مثل الهدية التي بعثها إلى والدة بنكيران، وهي عبارة عن ساعة». بنكيران نفى أن يكون هناك توتر في علاقته بالجالس على العرش، وقال إن علاقتهما يطبعها التوقير والاحترام، وإنه يمارس مهامه في ظل الدستور، وإن هناك من يريد أن يشوش على الإصلاحات الكبرى التي يصوت عليها الملك. إلى هنا نحن أمام روايتين وكلاهما ناقصتان، أو لا تقولان كل شيء عن علاقة القصر برئاسة الحكومة، وهي علاقات كانت على الدوام يطبعها المد والجزر في عهد بنكيران وعهد من قبله، بل حتى في الملكيات الأوروبية، حيث العروش تسود ولا تحكم، فأن التوترات تنشأ بين الجالس على العرش ورئيس الحكومة حول بعض الموضوعات الحساسة، لكن هذه التوترات تبقى بعيدة عن الإعلام والبولميك السياسي، فما بالك ونحن في بلاد حديثة العهد بالديمقراطية، والجميع يتعلم كيفية السير بعربة الدستور الجديد.. دستور منح سلطا أكبر لرئيس الحكومة، وأبقى سلطات كبيرة للملك، وطلب من الجميع أن يبحثوا عن تعايش وتوافق في ظل التأويل الديمقراطي للدستور. بنكيران غاب عن فعاليات «ميدكوب» في طنجة بمبرر الوضوح، وعدم إعطاء فرصة للبس في علاقة العدالة والتنمية بحزب الأصالة والمعاصرة، الذي يقود جهة طنجة التي تستضيف «الميدكوب»، لكن، أعطيت لغيابه تفسيرات وتأويلات أخرى، ومنها اتهامه بالخلط بين قبعة رئيس الحكومة وقبعة رئيس للحزب، علاوة على أن التظاهرة التي لم ير بنكيران فائدة من حضورها بعث الملك إليها رسالة خاصة، وأوفد شقيقه الأمير مولاي رشيد لحضور افتتاحها. بنكيران قال في تفسير الغياب إنه «لم يكن يعرف أن الملك سيبعث إليها رسالته السامية، كما لم يكن يعرف أن الأمير مولاي رشيد سيحضرها»، وأضاف: «لم تكن هناك مقاطعة، فالحكومة كانت حاضرة في شخص أكثر من وزير». هذه الحادثة تدل على أن التواصل بين مقر رئاسة الحكومة والديوان الملكي مقطوع، وأن سوء الفهم لم يبدد حول حكاية «الدولتين»، لكن أن يصل الأمر إلى حد تصريف الخلافات في وسائل الإعلام، فهذا أمر يبعث على القلق، وعلى أكثر من تفسير… الأول خرج من مقر المصباح في حي الليمون، ويقول إن «هذه التسريبات لا علاقة لها بالقصر، وإن أدوات التحكم تستعمل هذا الأسلوب للتأثير في علاقة الملك ببنكيران وللوقيعة بينهما، فبعدما أيقن هذا التحكم أن نتائج اقتراع السابع من أكتوبر شبه محسومة، حسب ما تظهره استطلاعات الراي، لجأ إلى التأثير على القصر، لأن رئيس الحكومة المقبل مصيره معلق بين اثنين؛ الشعب والملك، ومادام تأثير التحكم على الشعب مشكوك في نتائجه، فإن القوى التحكمية لجأت إلى التأثير على قرار الملك الذي ظل على مسافة واحدة من كل الأحزاب، وبقي متشبثا بالمنهجية الديمقراطية مع حكومة بنكيران التي ستنهي ولايتها بعد شهرين». التفسير الثاني لهذه الخرجة الإعلامية يقول إن جهات في الدولة تريد أن تقرص أذن بنكيران لدفعه إلى لجم لسانه، خاصة أنه بدأ يقترب من موضوعات حساسة، وأن مدفعيته الثقيلة لم تتوقف منذ جاء إلى الحكومة، وستزداد وتيرة قصفها بمناسبة الحملة الانتخابية المقبلة، ولهذا جاءت هذه الرسالة في ثوب ملتبس، فلا هي واضحة تمر من القنوات الرسمية للدولة التي يخاطب بها الملك رئيس حكومته، ولا هي خفية لا يعرف لها مصدر، كما عودتنا جبهة التصدي الإعلامي لأي إصلاح ديمقراطي في المغرب. في كل الحالات هناك صعوبة في تدبير استحقاقات السابع من شتنبر، وكل ما يدور أمامنا فهو نتيجة لما يعتمل من صراع في كواليس القرار.. صراع حول تسمية رئيس الحكومة المقبل، وهل سيكون من العدالة والتنمية الذي تدعمه شعبية كبيرة وغياب منافسة حقيقية في الساحة، أم من البام المدعوم من جهات في الدولة تريد أن تجعل منه قوة ثالثة على منوال ما كان معمولا به منذ اليوم الأول للاستقلال، حيث خرج من يقول بضرورة حماية العرش من الأحزاب الوطنية، وضرورة تأسيس قوة ثالثة كانت في كل مرة تحمل اسما (دولة الظل، الحكومة الموازية، الدولة العميقة…)، وجاء بنكيران الآن، وهو رئيس حكومة والمطلع على خفايا الحكم، ووضع أصبعه عليها، فنزلت فوق رأسه قلالش سيدي علي بوغالب.