رغم مرور خمس على دستور 2011، ورغم وضوح اختصاصات الملك وتمييزها عن اختصاصات رئيس الحكومة، خرجت الفرقعات الإعلامية من جديد لتعيد النقاش السياسي الماضوي الذي يريد تفريغ الدستور من محتواه، ومن خلال استحضار تجربة احزاب الحركة الوطنية التي تأثرت بتحليلات ساهمت في التوتر الذي كان سائدا بينها وبين القصر الملكي وهو الامر الذي فوت على المغرب الكثير من فرص التقدم والتطور السياسي والاقتصادي، اليوم من يريد احياء خطاب المواجهة بين مؤسسات الدولة يضرب في العمق سيادة الدولة ولا يحترم مؤسساتها. معرض هذا الكلام هو ما نشرتها مجلة جون افريك في موقعها الالكتروني، كلام في مجمله يحمل رسائل سياسية، نجملها في ثلاث رسائل : 1/ بعض تلك القراءات او الرسائل تقول إن بن كيران "يبتز الدولة"، و"يعتمد منطق الفوز بالانتخابات أو تخْسَار اللعب عن طريق ورقة الاستقرار"، الرسالة تعني من الناحية السياسية ان بنكيران عندما يهاجم التحكم يفعل ذلك بمنطق الابتزاز وتوفير المزيد من الغطاء الشعبي، ولكن ربطها بالتوتر مع رئيس الدولة تعني شيء واحد هو اختلاق أزمة سياسية ونحن على مشارف محطة سياسية مهمة ستحدد لا محالة مستقبل التطور الدستوري والنيابي الذي تعرفه المملكة. 2/ رسالة ثانية، يريدون التأكيد على عكس ما يقوله بنكيران، وهو الحكم، من خلال مقولة سياسية أثبت انتخابات 25 شتنبر الماضي زيفها، وهي مقولة "عْطِينِي نْحْكْم، وإذا لم يحتل حزبي المرتبة الأولى فالانتخابات مزورة"، من خلال الادعاء أن "هذا الخطاب يضرب في العمق المؤسسة الملكية"، مع إبراز "إقحام رئيس الحكومة للملك في كل خطاباته، مما يحتاج معه الامر الى توضيح". 3/ خلط الأوراق، وقطع شعرة معاوية بين الاستقلال والبيجيدي، لأن الصورة واضحة حين نربط خرجة جون افريك بمواقف الاستقلال، نجد أن هناك ربطا سياسيا بين كلام بنكيران ومخرجات النقاش السياسي الذي يروجه حزب الاستقلال، بمعنى لابد من إدخال المؤسسة الملكية في الصراع الحزب والسياسي بما يؤدي إلى عزل حزب معين لازال في طول تشكيل علاقة الود مع محيط الملك. لفهم علاقة الرسائل الثلاث بالوضع الحالي، نرجع قليلا إلى حكومة عبد الرحمان اليوسفي، حين تحالفت احزاب الإدارة مع تقنوقراط الدولة لعزل اليوسفي وتوريط حكومته في ملفات "شعبوية"، لم يكن الشارع المغربي يفهم خيوط اللعبة حتى ألف اليوسف كتابا عن المرحلة، وكذا اتهامه للدولة بالخروج عن المنهجية الديمقراطية عندما عينت ادريس جطو رئيسا للحكومة. معرض هذا الكلام له علاقة مباشرة مع حديث بنكيران عن وجود دولة موازية للدولة التي يرأسها الملك، دولة موازية لا يعرف بنكيران من ين أأ أين تأتي قرارتها، فإذا كانت فعلا هذه الدولة الموازية هي من عينت جطو بدلا لزعيم حزب الاتحاد، فإن ما يروجه عبد الله البقالي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال غير بعيد عن الموضوع المثار حاليا حول "غضبة ملكية" على بنكيران، بمعنى هل تتدخل الملكية في شؤون الاحزاب. بعيدا عن لغة الشكوك والابتزاز الاعلامي، إن من يدافع عن هذه الأطروحة يضرب الدستور بعرض الحائط، وغير ملم بتاريخ الملكية وتطورها في بلدنا، وغير عارف بلغة بنكيران السياسية ولا بثقافته القانونية العرفية تجاه الملكية، فهل هناك من مدافع عن الملك أكثر من بنكيران في الأحزاب السياسية القائمة، والدليل هو إبان الحراك العشريني الكل كان خائفا من المواجهة وتراجع إلى الخلف وهناك قيادات حزبية هربت الى الخارج وتركت الملكية وبنكيران في مواجهة مطالب الشارع، والكل يعلم ان بنكيران هو من يقود حركة "التغيير السلمي" داخل المؤسسات بتدرج، ليس دفاع عن بنكيران بل إقرار لما هو موجود وقائم. الذي يجب أن نفهم حاليا هو ان هناك خيطا رفيع يمتد بين تصريحات بنكيران وخطابات قادة حزب الاستقلال ، مما يجعل العملية السياسية تنخرط من جديد في دوامة الاصطفاف الحزبي الديمقراطي، بين تيارات تحن إلى زمن الكولسة والانقلابات " تيارات تستمد قوته الفكرية والمنهجية من جمال عبد الناصر، وهو ما شرحه عبد الله العروي في ديوان السياسة، عند قال إن اغلب النخب اليسارية ناصرية بمعنى انقلابية"، هنا ضروري من ربطها بما يقع في العالم، فالانقلاب التركي الاخير، وان اختلفنا مع طريقة "انتقام اردوغان من الانقلابيين" إلا أننا لا يمكن إلا أن نرفض أي عمل عسكري أو مدني يريد فرض منطق "التحكم" في الدولة والمجتمع، ربط الانقلاب العسكري في تركيا بالانقلاب السياسي هنا، يؤكد أن التياران مع فشلا في تحقيق مرادهما.