كثيرا ما نسمع ونقرأ في المجلات والصحف وفي كل مكان يناقش فيه موضوع الزواج، عن هذه العبارة "العزوف عن الزواج" ونطرح تساؤلات قبل أن نخوض في تفكيك ودراسة هذه العبارة: ماذا تعني كلمة العزوف؟ وهل الشباب هو الذي يختار العزوف بمحض إرادته؟ أم أن العزوف هو الذي يفرض نفسه على الشباب؟ في السنوات الأخيرة اتهم الشباب بالعزوف عن الزواج وأنه يتهرب من مسؤولية الزواج، في الوقت الذي يعاني فيه أغلب الشباب من قلق العزوبة ويحنو إلى عش الزوجية. إذا بحثنا في القواميس والمعاجم عن معنى كلمة عزوف نجدها تعني: الزهد والانصراف عن الشيء، مثلا العزوف عن الطعام أي الامتناع عنه، العزوف عن القراءة …أي الانصراف والتخلي عنها. إذن هل يمكن قياس هذا المعنى على الزواج؟ إذا كان الشباب (ذكر وأنثى) يعاني من العزوبة ويعيش قلقها يوما بعد يوم، كيف له أن ينصرف عن الزواج؟ نستعين هنا بقولة الفيلسوف تشوسر " قلق في الحب…مطمئن في الزواج" ما نستنتجه من هذه القولة أن المخاض الذي يعيشه الشاب والشابة قبل الزواج خصوصا الانتظار الطويل الذي يطبع علاقتهما، حيث اليوم أصبح تعرف الحبيب على حبيبته من الأمور السهلة ذلك لما توفره وسائل الاتصال الحديثة من امكانيات – لمن يرغب في الزاوج طبعا- هذا القلق لا يجد دواءه إلا في الزواج، ليس لغرض إشباع الغرائز بل الإحساس بالمسؤولية والاندماج L'intégrations ويفيدنا في هذا الصدد السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركايم من خلال دراسته للانتحار في علاقته بالاندماج، إذ يؤكد أن نسبة الانتحار تقل بشكل كبير عند المتزوجين وترتفع عن العازبين، وبالرغم من إرجاع العديد من الباحثين مسألة عزوف الشباب عن الزواج إلى قيم الحداثة وأن الشاب هو الذي يختار بمحض إرادته أن يعيش عازبا، فهذا قد يصدق في المجتمعات المتقدمة، لكن في المجتمع المغربي -وفي نذرة الدراسات في هذا المجال- ربما الأمر غير ذلك، نستنتج ذلك من خلال مقابلة الكثير من الطلبة الجامعيين الذي يعبرون عن رغبتهم في الزواج في ظل البطالة وعدم الاستقرار المادي، بالإضافة إلى هذا فإن طول سنوات الدراسة يشكل عائق أمام الشباب في الحصول عن العمل وبالتالي الزواج. صحيح أن هناك فئة من الشباب رغم توفر الظروف المادية يعزف عن الزواج وينظر إليه كمغامرة باطنها مظلم ويتهرب من المسؤولية ليعيش كما يقول البعض حياته بحرية، إلا أن مثل هؤلاء ناذرا ما نصادفهم. حتى وإن اختاروا هذه الزاوية بإرادتهم، فإن العزوبة تشوبها المخاطر وكما يقول المفكر فرانز كافكا " إذا كان الزواج مغامرة، فالعزوبة انتحار". إن الاستقرار العاطفي بالخصوص الذي لا يتأتى إلا بالزواج، باعتباره مؤسسة يندمج من خلالها الفرد ويعي دوره في المجتمع، فالرجل كما المرأة لا يستقر حتى يتزوج كما يقول المفكر المغربي نجيب محفوظ، بالرغم من أن للزواج مسؤولية إلا أنه عش يضمن السعادة للزوجين ويجعلهما يبنيان حياتهما حيث يقدر كل طرف الآخر ويحسه بالحب والاحترام المتبادلين. استنادا على ما سبق، يتضح أن العزوف عن الزواج يفرض نفسه على الشباب رغما عنهم – وأحيانا يجعلهم يختارون الطريق السهل لكن تروم حوله مخاطر قد تجعل حياتهم أكثر سوءا (الاغتصاب، الإجرام، زنا المحارم…..)- كما لا ننسى مدى مساهمة عامل البطالة والفقر وغلاء المهور والحلم بزواج مثالي في الحَيْل بين الشباب والزواج. وإذا بحثنا عن غاية الزواج التي هي السعادة وتحقيق الاستقرار، نجد أن أسبابها تكمن في غالب الأحيان ليس في ما هو مادي أو نسبة الأجرة التي يتقاضاه الزوجين، بل في مدى تفاهم الطرفين والانسجام فيما بينهما. فكيف يعيش الشباب حياتهم بعد هزم العزوف والانتصار على العزوبة؟؟؟ هل يتم التخطيط للزواج بمسراته ومضراته بأفراحه وأحزانه؟ أم أنه ما إن يتم الزواج حتى يتم التفكير في الطلاق؟؟؟ عمر بوسلات؛ طالب باحث في ماستر أسس التربية والتعلم