بعد الفوز بمقعد في البرلمان ، لا يكتفي ممثل الشعب بالاختباء عن سكان الدائرة ، بل يختفي أيضا عن جلسات البرلمان و أعمال اللجان ، و لا يظهر إلا مجبرا مع ظهور الملك في افتتاح الدورة. و ليس من حقنا طبعا أن نلوم نوابنا المتمردين ، بل علينا أن نلوم ضعفنا أمام الورقة الزرقاء في يوم التصويت . يبدو الأمر كما لو أننا صوّتنا على البرلماني من أجل تمثيلنا في برلمان كوكب زحل ، و بالتالي فهو غير ملزم بالحضور إلى برلماننا الأرضي ، و إنْ حضر فلا بد أنه يعاني من أرق مزمن ، فنصحه الأطباء بأخذ جلسة نعاسية في البرلمان . و بما أنه يأتي فقط لدواع طبية ، فليس معقولا أن نطلب منه إرهاق نفسه بالحديث عن رخص الصيد في أعالي البحار ، و عن ارتفاع فواتير الماء والكهرباء ، و عن اللولبيات التي تسيطر على الصفقات العمومية ، و عن رداءة الخدمات الصحية و هلم عطفا . و يبقى السؤال الكبير ، إذا كان النواب المتمردون لا يملكون الوقت الكافي من أجل المجيء إلى البرلمان و الدفاع عن مصالح الشعب ، فلماذا أتعبوا أنفسهم و أتعبونا بالمشاركة في الانتخابات ؟ ليس معقولا أن تكون الحصانة هي المغزى ، فنوابنا ليسوا تجار حشيش و لا هم من ناهبي المال العام ، و إنما أناس صالحون بشهادة أمهاتهم في الرضاعة . رغم الإجراءات الزجرية التي يفرضها القانون الداخلي للمجلس على الأعضاء الغائبين دون عذر ، إلا أن النواب المتمردين مازالوا أوفياء لسُنّة الغياب . و لم تنفع معهم سياسة الحوافز المتمثلة في تذاكر الطائرة و الحجز في فندق فاخر للمبيت و هلم عطفا ، و يظل البرلماني البارع هو البرلماني الذي يتغيب قدر ما يستطيع ، فمن خلال ذلك يستعيد ذكريات الزمن الجميل ، حين كان يغيب عن مقاعد الدراسة ثم يستعين بشهادة طبية من مستشفى الحومة . و لعل النواب المتمردين يميلون إلى التفاخر على بعضهم بعدد الجلسات التي غابوا عنها ، و يتضاحكون على النائب الذي يحضر كل الجلسات و يصفونه ب « الدمدومة » . إذا أردنا إجبار هؤلاء المشاكسين على الحضور ، فمن الأفضل أن يصير الملك رئيسا للبرلمان ، أو على الأقل يجب إخبار البرلمانيين أن الجلسات تقام تحت الرعاية السامية ، و تكون مصحوبة بإجراء قرعة ربحية ، و المحظوظ يربح رخصة للصيد البحري أو وساما ملكيا ، في تلك الحالة ، سيأتي الجميع مهرولين يرتدون اللباس التقليدي و هم يرتجفون حتى يفقدوا التحكم في عضلات الحوض. ربما يكون الحل أسهل من ذلك بكثير ، و يتمثل في التعاقد مع شركة ريشبوند لتغيير ديكور البرلمان ، و تزويده بأريكة مريحة لكل نائب مصاب بالبواسير ، أو سداري ميزيدور عليه علامة البصمة . و لا مانع من إضافة حمام تقليدي ، واحد للرجال و آخر للنساء . بالإضافة إلى استدعاء الداودية لتنشيط الجلسات . وهنالك حل آخر أكثر واقعية ، يعرفه جيدا سائقو الشاحنات . هذا الحل السحري يتمثل في تعيين « گريسون » لكل برلماني ، فيحضر بدلا منه ، و ينام بدلا منه ، و يغيب أيضا بدلا منه ، و يحصل على « جوج فرنك » بدلا منه ، لكن لن يمتد الأمر طبعا إلى الحياة المنزلية ، لأننا مغاربة و لسنا أمريكيين . في الأخير ، تبقى مسألة الحضور و الغياب مرتبطة بشخصية النائب ، فالذي يأخذ الأمر بجدية و يعتبر نفسه صوتا لمن انتخبوه سيحضر حتى لو كان يعاني من الإسهال . أما الذي يتكبّر على شعب البطبوط و الحرشة ، فسيغيب حتى لو كان جالسا في المقهى المقابل للبرلمان يحتسي القهوة ، و يتلذذ بسيجار يساوي سعره ثمن علبة كاملة من أقراص الحياء .