بدء بقانون 77.03 و انتهاء بمشروع القانون 2011، عرف قانون الصحافة المغربي تطورا ملحوظا على مستوى هامش الحرية الممنوح لقطاع الإعلام الصحفي، و لعل أهم هذه التطورات هي تحرير القطاع السمعي البصري بعد أن كان حكرا على الدولة، بالإضافة الى مكتسبات نص عليها دستور 2011،خاصة في الفصول 25و27و28، و كلها توسع حيز حرية التعبيروالفكر وتجعلها مكفولة للجميع، كما تضمن للمواطنات والمواطنين حرية الولوج الى المعلومة، بالإضافة الى التنصيص على إنشاء الهيأة العليا للإتصال السمعي البصري كساهر على احترام التعددية الفكرية و الثقافية و السياسية المغربية. وهذه الإجراءات وغيرها جعلت الإعلام المغربي ووسائله من جهة، والمجتمع المدني من جهة أخرى، أكثر قربا بما يسمح لهما بتبادل مزيد من التأثير و التأثر. فإذا كان الإعلام في مفهومه هو نشر المعلومات والأفكاروالآراء بين الناس على وجه يعكس قيمهم واتجاهاتهم قصد التأثير،ووسائل الإعلام هي كل الأدوات التي تساعد على هذا النشر سواء كانت مرئية أومقروءة أوسمعية أوالكترونية، و إذا كانت أهم مهام الإعلام هي الكشف عن الحقيقة والتأثير على الرأي العام والتعبير عن جمهورالشعب، فإن كل هذا يتجلى واضحا في الأثر الذي أحدثته وسائل الإعلام المغربية في المجتمع المدني، إذ ساهم الإعلام بشقيه التقليدي والجديد في تنمية الوعي الإجتماعي لدى المواطنين وتحسيسهم بثقافة حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، كما كان له فضل كبيرفي التعبير عن التعددية الثقافية و السياسية للمغاربة بشكل جعلهم يؤمنون بضرورة التعايش السلمي و حتمية تقبل الآخر مهما اختلف فكرا وشكلا. ومما يحسب لوسائل الإعلام المغربية أيضا، أنها استطاعت أن تسوق للمجتمع، نسبيا، صورة أكثرإنصافا عن المرأة بعيدا عن النمطية والميز، في تجسيد موضوعي للدور الثقافي والتربوي للإعلام الى جانب دوره السياسي و المعرفي. و مما لا شك فيه أن الإعلام المغربي ما كان ليحدث كل هذه التحولات في مجتمع متعدد الثقافات و الخصوصيات لولا توفر بيئة يسودها هامش من حرية التعبير وسيادة القانون واستقلالية القضاء، وهي شروط ثلاثة لا حياة للإعلام بدونها. كما كان لحرص المؤسسات الإعلامية الرسمية (وزارة الإتصال والمجلس الوطني للصحافة والهيأة العليا للإتصال السمعي البصري) على أن تأخذ كل الأطياف الإجتماعية و السياسية حقها في الإعلام العمومي،كان له أثر كبير في إنتاج مجتمع مستقر، مؤمن بالحوار ومتطلع لثقافة الحق والواجب. و رغم كل ما سبق ذكره، فإنه لا يمكن القول أن الإعلام المغربي بقانونه الصحفي قد بلغ مبلغ نظيره في الدول الديمقراطية، بل ما زالت هناك أشواط يجب قطعها و ممارسات ينبغي القطع معها لتحقيق مزيد من حرية التعبير في وسائل الإعلام، ولعل في التقارير السنوية التي تصدرها النقابة الوطنية للصحافة بالمغرب، ما يعطي فكرة وأكثر عن التحديات التي يواجهها القطاع و بعض التوصيات من أجل تجاوزها.