تفاعلا مع زيارة مناضلين أمازيغ لإسرائيل لم أجد بدا من الإدلاء بدلوي في هذا النقاش من منظور إنساني محض بعيدا عن بعض الأقلام التي تتخذ البعد العروبي أو الديني مطية لمقاربة هذه المسألة خدمة لأهدافها الخاصة . وجدت نفسي أبحث عن ما يبرر هذا فلم أجد شيئا من الناحية الشرعية من منظورها الأخلاقي المحض . فكوننا (ولا زلنا) ضحايا الإستعمارات المتتالية وسياسات التعريب يجعل من الصعوبة تفهم التهافت على دولة محتلة , وفق تعريف الأممالمتحدة , كانت قريبة من مراكز القرار في المغرب ( خصوصا أعداء الأمازيغية منهم ) والمنطقة منذ أمد ليس بالقريب . فالتقارير الإستخبارية الإسرائيلية المصدر تشير لتورط الموساد في دعم فرنسا إبان حرب التحرير الجزائرية كما دعمت النظام المغربي لاحقا في حرب الرمال وعُقدت صفقة بين الموساد والجنرال محمد أوفقير في زمن الحسن الثاني اتُفق فيها على دفع 250 دولار مقابل هجرة كل واحد من 80 ألف يهودي مغربي تم التآمر عليهم وترحيلهم خارج وطنهم لتوريطهم في حرب ليست بحربهم ( أنظر فيلم تينغير جيروزاليم ) هذا فضلا عن دور الموساد في اغتيال المهدي بن بركة بباريس سنة 1965 وفق مصادر إسرائيلية أهمها تقرير الباحث الإسرائيلي في يديعوت أحرنوت رونين بيرغمان. ويتحدث التقرير أيضا عن أنّ جهاز الموساد الإسرائيليّ أرسل في أوائل الستينيات من القرن الماضي خلية كبيرة بأمر من القائد أيسر هارئيل، لتنفيذ أعمال إرهابية ضدّ اليهود، واتهام السلطات المغربيّة بذلك، لكي تسمح للحركة الصهيونيّة باستجلابهم إلى فلسطين . وقد سبق لي أن اشتغلت بمنطقة خزامة بورززات حيث حدثني بعض الشيوخ عن التعايش الذي كان يعيش فيه الأمازيغ يهودا ومسلمين , قبل هجرتهم أو بالأحرى تهجيرهم ,دون أن يتورطوا في الإعتداء على اليهود الأمازيغ مما يؤكد نظرية المؤامرة السابقة. لا يشكك أحد في كون المغرب( نظاما لا شعبا ) قطف ثمارا كثيرة من علاقاته مع إسرائيل عموما ومخابراتها خصوصا , لكن السؤال , ماذا تحقق لنا كأمازيغ من ذلك؟ألم تساهم عملية " ترحيل " اليهود المغاربة في فقدان كفاءات كانت ستقدم لا محالة شيئا للوطن وللقضية ؟ حاولت مجددا البحث عن مكاسب قد تتحقق للقضية الأمازيغية في هذا السياق فلم أجد غير فقدان المزيد من المتعاطفين أو تحقيق مصالح محدودة لفئة جعلت نفسها وصيا ومتحدثا باسم الأمازيغ دون توكيل من أحد . ألسيت إسرائيل اليوم دولة يهودية عكس ما تدعو إليه مواثيق الديمقراطية من فصل الدين عن السياسة ؟وإلا فما الفرق بينها وبين داعش ؟ مقارنة بسيطة بين سياستهما تفضي للإستنتاجات التالية : – أبوبكر البغدادي يدعو لإقامة دولة الخلافة الإسلامية ونتنياهو يدعوا لجعل إسرائيل دولة لليهود . -كلاهما لا يرسم حدودا لدولته سواء في دستوره أو في الخريطة التي يربي عليها أبناءه . كلاهما يضم جيشا متعدد الجنسيات أقرب إلى المرتزقة منه إلى جيوش الدول ( كم مسئولا من جنسية مغربية تقلد منصبا رفيعا في الجيش الإسرائيلي فضلا عن جنود أمريكيين وروس وعرب و أوروبيين أشهرهم جلعاد شاليط ذي الجنسية الفرنسية الإسرائيلية ) كلاهما ارتكب جرائم ضد الإنسانية رغم اختلاف المواكبة الإعلامية لهمابسبب تحكم إسرائيل واللوبي اليهودي في وسائل علام دولية مؤثرة وهذه حقيقة لم تعد خفية على أحد وهو ما لا يمتلكه داعش . لا أظن أن إسرائيل بحاجة لدعم الأمازيغ وهي المتحكمة في دواليب السياسة الدولية ومراكز القرارات في أوروبا وأمريكا . وآخر دليل على ذلك توجه نتانياهو إلى الكونكرس الأمريكي للضغط عليه في الملف الإيراني دون رغبة رئيس الولاياتالمتحدة , وقبلها تجرؤه على دعوة يهود فرنسا بعيد تفجيرات شلرلي ايبدو للهجرة لإسرائيل ما أحرج الرئيس الفرنسي ورئيس حكومته . السبب الوحيد في نظري لمحاولات التغلغل داخل التنظيمات الأمازيغية يأتي لتدارك المأزق الذي وجدت فيه إسرائيل نفسها بسبب فقدانها المتزايدللدعم الشعبي لحلفائها الأوروبيين بعد توالي الإعترافات بدولة فلسطين (حدود 1967) والمتغيرات التي تعرفها الأجيال الجديدة في أوربا التي لم تعد تعد تتقبل الإبتزاز بجريمة الهولوكوست وهو ما يظهر في تنامي صعود اليمين المتطرف في أكثر من بلد أوروبي , ففي فرنسا مثلا اضطرت مارين لوبين لطرد والدها وتجريده من الرئاسة الشرفية للجبهة الوطنية بسبب نكرانه وجود " بيوت الغاز " ,حيث تمت إبادة اليهود من طرف النازية, تجنبا للصدام مع الجمعيات الصهيونية النافذة رغم كونها ( أي مارين لوبين ) تتهم بمعاداة السامية . أقول أن إسرائيل ما زالت تنعم بدعم دولي من الحكومات في وقت صارت تقفد فيه بسرعة تعاطف الأجيال التي لم تعش مرحلة الحرب العالمية الثانية مما يحتم عليها البحث عن مدعمين جدد لا أرى مكانا للأمازيغ في ذلك . ورغم الجرأة المستشفة من تمجيد إسرائيل والهرولة إليها فإن الرأي العام الأمازيغي يبقى في عمومه خارج هذا السرب الذي نتفهم حرصه على التعريف باالقضية بشتى الطرق وإن كان بعضها يشوبه عوز في المشروعية الأخلاقية, لهكذا قرارات تنفر المتعاطفين مع القضية الأمازيغية أكثر مما ترغبهم .