الحراك المتنامي لفئة الائمة والقيمين الدينيين {1} بالمغرب خلال السنتين الاخيرتين جعل منها فاعلا اساسيا في الشان الديني استقطب اهتمام الباحثين في العلوم الاجتماعية و المتتبعين لقضايا القيم و الهوية بالمغرب حيث استطاعت هذه الفئة ان تفرض نفسها على الساحة الوطنية بفعل تواجدها المستمر على ساحة الفعل النضالي و كذا على المستوى الاعلامي غير ان سرعت الظهور هذه تتبعها حركية فكرية مماتلة من اجل الفهم و التحليل حيث ظل البحث السوسيولوجي غائبا كما هو الحال في كثير من القضايا الاخرى الحيوية الشيء الذي يدفع الى وضع ملامح اولوية من اجل فهم الظاهرة متتبعا مسار ظهورها ونوع العلاقة التي تربطها مع باقي الفاعلين الدينيين. فما هو سبب ظهور هذا الحراك ؟ وما هي دلالات التحول السارية في حراكهم من المبادرة الفردية العمل المنظم؟ وما هي استراتيجيتهم المتبعة في مواجهة باقي الفاعلين في الحقل الديني ؟ وما هي رهانات هذه الفئة ؟ و ما هو مستقبل حراكها في ظل التحولات الجارية على المستوى العربي ؟ أ – أسباب نشات حركة الائمة : يرجع البعض سبب الحراك الاجتماعي للقيميين الدينيين الى البعد المادي . غير ان الوضعية الاقتصادية المزرية للائمة ليس وليدة اليوم وانما هي وضعية دامت سنوات طوال . لذلك لا يمكن تفسير الحراك الاجتماعي للقيمين الدينيين بالعامل الاقتصادي وحده وان كان عامل اساسيا . فما هي السباب المباشرة اللتي في تشكيل تنسيقيات و جمعيات للائمة و القيميين الدينيين ؟ 1- توقيف الائمة ومعاقبتهم : منذ ان اصدرت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية مذكرة تنظم عملية تعيين وعزل القيمين الدينيين . خلال سنة 2009 والتي حددت من خلالها الاسباب التي يعفى بموجبها الامام الخطيب من مهامه الدينية. علما ان الوزارة انهت خدمت 946 قيما دينيا منهم 926 لعجزهم عن اداء مهامهم و20 بسبب مخالفات سجلت في حقهم وذلك الى غاية ماي 2009 . {2} منذ ذلك الحين بدات تظهر بوادرتشكيل هيئات تجمع شتات فئة القيمين الدينيين والائمة و الخطباء من اجل مواجهة تعسف الوزارة في طرد و معاقبت الائمة . و كذا من اجل الدفاع عن الحقوق المادية و الاجتماعية للقيميين الدينيين . حيت تاسست و بشكل متزامن مجموعة من الهييئات تدافع عن الائمة اهمها الرابطة الوطنية لاسرة المساجد ” و جمعية القيمين الدينيين ” ثم بعد ذلك تم تاسيس “الرابطة الوطنية ائمة و خطباء المساجد بالمغرب”. و على الرغم من ان القيمين الدينيين ذووا مشارب فكرية مختلفة . وهم ليسوا بنية واحدة مغلقة . فانهم استطاعوا توحيد صفوفهم من اجل تحقيق مطالب مشتركة بينهم و يمكن تتبع هذه المطالب من خلال الشعارات المرفوعة لهذه الفئة خلال المسيرة الوطنية للائمة و القيمين الدينيين يوم الاحد 24 ابريل 2011 بالرباط حيثام تكن الشعارات ذات الطابع المادي مثل تحسين وضعية القيمين الدينيين هي الغالبة على الرغم من المعانات المادية الحقيقية لهذه الفئة. وانما كانت اغلب الشعارات ذات مطالب اجتماعية تقافية وسياسية. ترتبط اساسا لتحقيق الكلاامة المعنوية قبل المادية حيث طالب الائمة وزارة الاوقاف للاجراء اصلاحات جدرية في الشان الدين. بما في ذلك القام بتغييرات جهوية لانصاف القيمين الدينيين المزيد من الانفتاح على مشاكلهم عبر فتح قنوات الحوار بشكل رسمي. كما استنكروا تدخل وزارة الداخلية في تسيير شؤون القيمين الدينيين من تعيين الائمة واختيارهم وعزلهم. انطلاقا من انتفاقية وزارة الاوقاف ووزارة الداخلية. ونددوا بالاغلاق الوزارة الوصية لابوابها ف وجوه القيمين الدينيين كما طالبوا بارجاع الموقوفين لاسباب واهية واعادة النظر في دليل الامام والخطيب وزالواعظ والسماح لهم بانشاء اتحاد يمتلهم بشكل قانوني. حيث نقرا لهم في وثيقة نشرة في عدد من الجرائد بان خروجهم الستثنائي للشارع ياتي ايضا للدفاع عن الحق في ممارسة الصلاحية الدينية والادوار الوظيفة في التربية والاصلاح وتوجيه المجتمع وصيانة الهوية الاسلامية للمملكة وكذا تفعيل دورهم في التشخيص والرقابة على اداء المؤسسات لضمان انسجامه مع روح الشريعة الاسلامية.. كما تمت الدعوة الى حل كل من المجلس العلمي الاعلى والمجالس العلمية واعادة تشكيلها على اساس شوري دمقراطي يعتمد الانتخابات والغاء برتوكول التعيينات. من خلال هذه المطالب يتضح ان مطلب تحسين الوضعية المادية للائمة لم تحتل المكانة الابرز في نضال هذه الفئة . اذ ظهرت مطالب اخرى لاتقل اهمية عن سابقتها بل يمكن القول ان المطالب اللتي ترتبط بتحقيق الكرامة و الحرية و الاستقلالية كانت المطالب ذات الاولوية .وبذلك يمكن وصف ثورتهم بانها ثورة كرامة و ليست ثورة خبز . 2 – القيمون الدينيون وفضاءات التواصل الحديث الفايسبوك نمودجا: عادت ما يتهم الائمة بالانغلاق و التقوقع وعدم معرفتهم بلغات العصر الحديث. وابتعادهم عن منجزات الحداثة .غير ان الائمة وظفوا وبنجاح كبير وسائل الاتصال العصرية . خاصة الاعلاميات ، حيث انشا القيمون الدينيون عشرات الصفحات على الفايسبوك من اجل التواصل واهم هذه الصفحات التي اشتاثرت بانخراط عددكبير من الائمة صفحة بعنوان “الحملة الوطنية للمطالبة بحقوق الامام والخطيب والمؤذن “، وصفحة اخرى بعنوان “ائمة مساجد الدولة المغربية من اجل تحسين وضعيتهم ماديا ومعنويا “وصفحة بعنوان ” التنسيقية الوطنية للدفاع عن حقوق الامام والمؤذن والخطيب ” وصفحة بعنوان ” جمعية القيمين الدينين بالمغرب ” واخرى بعنوان ” ائمة المساجد بالمغرب ” حيث اصبح اليوم من الممكن ان يعلم كل الائمة رغم المسافات بينهم بكل قضايا الطرد او التوقيف التي يتعرضون لها زملاؤهم ، بل ويمكنهم ان يضعو استراتيجيات جماعية لمواجهة ذالك، بذالك تكون هذه الصفحات ساهمت بالتعريف بجمعيتهم ومشاكلهم ، ويمكن القول ان الفايسبوك شكل فضاء يجتمع فيه الائمة لمناقشة قضاياهم المستعجلة وتكوين رؤية موحدة من اجل التعامل مع كافة الجهات التي لها علاقة بالشأن الديني ، وقد ساهم الاعلام بشكل كبير في التعريف بقضية الائمة امام الرأي العام ، وتكفي الاشارة الى الاختراق الاعلامي الذي تعرض له موقع وزارة الاوقاف تضامنا مع نواب امير المؤمنين كما اشار الى ذالك مجموعة الهاكرز المخترقة للوزارة . 3 – برنامج تاهيل الائمة ودوره في رص الصف الداخلي للائمة : بتاريخ 27 شتنبر 2008 ثم اطلاق مرحلة جديدةمن الاصلاح الديني تتمثل في اطلاق برنامج لتاهيل ائمة المساجد ضمن خطة ميثاق العلماء ، وذالك وفق برنامج محدد يشرف عليه المجلس العلمي الاعلى يتنسيق مع وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية . استفاد منها 42000 امام ، وقد اعطيت الانطلاقة الفعلية لهذا البرنامج التكويني في 29 ابريل 2009 وقد تحولت هذه الفضاءات التكوينية الى مناسبات يجتمع فيها الائمة للتكوين ولكن ايضا لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك ومن بينها وضعيتهم الادارية والمالية … ب – القيمون الدينيون في مواجهة باقي الفاعلين الدينيين : بعد الاطلاع على بعض الاسباب والعوامل المساعدة في ظهور الحراك الاجتماعي لهذه الفئة يمكننا تتبع مسار هذا الحراك والتنبؤ بمستقبله علىضوء علاقة القيمين الدينيين بباقي الفاعلين في الشان الديني . 1 – الائمة والمؤسسات الرسمية : - امارة المؤمنين والائمة : تتعامل الدولة مع الائمة عموما باعتبارهم خزانا استراتيجيا تلجأ اليهم عند الحاجة من اجل فرض ايديولوجية الدولة المهيمنة سواء من اجل تبرير الواقع او تزييفه وفي بعض الاحيان تشويه هذا الواقع وقلب حقائقه ، ففي الوقت الذي تحرم الدولة على هذه الفئة الاشتغال بالسياسة نجدهالا تتردد في توظيفهم سياسيا عند الازمات او في مواجهة الاطراف السياسية الاخرى ، والامثلة على ذالك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ، ما قام به الخطباء من توجيه الناس للتصويت على الدستور بقرار من وزارة الاوقاف ، ومنها ايضا توظيف الائمة في مواجهة حركة 20 فبرايروتداعياتها المعلومة ..، وعلى الرغم من ان تحرك هذه الفئة ليس الغرض منه خلخة البنية الدينية للدولة ، حيث انها لا تشكك في امارة المؤمنين ولا تنازعها شرعيتها ، ويتجلى ذالك في استنجادها بامير المؤمنين وصوره عند كل مظاهرة يقومون بها ، ومع ذالك فان الدولة تعاملت بحزم وعنف شديد مع مطالبهم ، ووقفت بصرامة امام تحول هذه الفئة الى هيئة منطمة لها ناطق باسمها غير امير المؤمنين . - الائمة ووزارة الاوقاف : على الرغم من تبعة القيمين الدينيين لوزارة الاوقاف الا انها تجد نفسها اقرب الى المجالس العلمية منها الى وزارة الاوقاف ، ذالك انها وجدت في المجالس العلمية منفذا من اجل التملص من الاختيارات الايديولوجية لوزارة الاوقاف وبرز ذالك جليا في بعض المناسبات مثل المذكرة التي طالبت وزارة الاوقاف من خلالها اعضاء المجالس العلمية ان يبينو للناس حقيقة الدور الريادي لمزارات الاولياء في تاطير وتحصين المواطنين وتبيان الوظيفة التي تؤديها في استتباب الامن الروحي ، غيران المجالس العلمية لم تفعل بنود هذه المذكرة ، وقد وجد الائمة والخطباء ضالتهم في هذه الموقف للمجالس العلمية ، حيث استفاد الائمة والخطباء من الصراع الخفي بين المجالس العلمية ووزارة الاوقاف من اجل تجاهل مذكرات وزارة الاوقاف وعدم تطبيقها وفي احايين اخرى معارضتها . 2 – الائمة والمؤسسات غير الرسمية : - القيمون والحركات الاسلامية بين الاحتواء والمواجهة ، حاول الائمة النأي بانفسهم عن التوجهات السياسية لبعض افراد الهيئة ، خاصة المنتمين منهم للحركات الاسلامية ، حتى لا يتحول ملفهم المطلبي الى ملف سياسي ، حيث ابدى الائمة نوعا من الرفض وعدم القبول لتدخل بعض الحركات الاسلامية في تسيير المساجد بالمغرب ، حيث كتب عبدالعزيز خربوش الكاتب العام للرابطة الوطنية لاسرة المساجد بالمغرب ان من مساجدنا ما هو قائم على اساس عنصري حركي وان اكتساح الحركة والزوايا العصرية والاحزاب السياسية للمساجد قائم في كثير منها بشكل اوباخر ، {3} ومع ذالك فان القيمين الدينيين يميزون بين التوجهات السياسية المختلفة داخل الحركة الاسلامية . - الائمة وجماعة العدل والاحسان : تعتبر العدل والاحسان الائمة هم الخاصرة الرخوة للدولة ، لذالك حاولت مرارا توظيفهم في مواجهتها المعلنة مع الدولة ، وقد برز ذالك جليا خلال الدعوات لمسيرات 20 فبراير ، غير ان الائمة حاولو النأي بانفسهم عن المطالب السياسية لجماعة العدل والاحسان وذالك بالتحديد الدقيق لمطالبهم الفئوية ، وعدم الانخراط في حركية عشرين فبراير لما تسببه من تداعيات على نضالهم المشروع . - الائمة وحركة التوحيد والاصلاح : لم تبد حركة الائمة موقفا معارضا لوجود حركة التوحيد والاصلاح ،او العدالة والتنمية داخلها بنفس الحدة مقارنة مع العدل والاحسان ، نظرا لوجود تشابه في الثوابت المعلنة من طرف الحركة وتتمثل في امارة المؤمنين ، والعمل من داخل المؤسسات الشرعية للدولة ، وقد برز ذالك جليا عندما قرر الائمة المشاركة بالتصويت على الدستور ، على الرغم من مقاطعة العدل والاحسان لذالك ، حتى لا يحسبو على جماعة العدل والاحسان ، ونظرا لدفاع العدالة والتنمية عن مشروع الائمة ، ويكفي دليلا على ذالك ان الرابطة الوطنية لاسرة المساجد بالمغرب راسلت رئيس الحكومة المعين عبد الالاه بن كيران ، وباركت فوز العدالة والتنمية ، وذكرت رئيس الحكومة بالاخطاء الناجمة عن وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بخصوص ملف الائمة ، وطالبت رئيس الحكومة الجديد ب ” تحسين اوضاع اسرة المساجد المادية والمعنوية ورفض المراهنة على الصدقات والاعراف المتجاوزة والمطالبة بحقها من المال العام النظيف بادراجها في اطار الوظيفية العمومية او قانون يخصها بل ان الائمة طالبو الحكومة المقبلة استشارة القيمين الدينيين في صياغة القوانين التي يسير الشؤون الاسلامية بما فيها اختيار اطر المندوبيات والمجالس العلمية ،… - الائمة ومنظمات حقوق الانسان : استطاع الائمة التعامل بذكاء مع جمعيات المدني خاصة المنظمات الحقوقية منها ، والتي اصبحت نقطة اساسية في جداول اعمالها ، ولا ادل على ذالك من تنظيم ندوة صحفية بمقر الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالرباط تحت عنوان ” مأساة اساتذة التعليم العتيق المطرودين ومحنة القيمين الدينيين مع وزارة الاوقاف ” بمشاركة ممثلين عن الائمة . ان الحراك المتنامي لهذه الفئة على الساحة الوطنية جعل منها فاعلا دينيا سياسيا لا يمكن تجاوزه عند رصد مختلف الفاعلين في الحقل الديني ، او خلال وضع برامج قطاعية تهم وزارة الاوقاف او المجالس العلمية … ويمكنها ان تتحول الان بفضل نضاليتها وتنظيمها الى محاور اساسي ومدافع حقيقي عن فئة من المجتمع ظلت لسنوات طوال تعاني في صمت … فهل بامكان الحكومة الجديدة اعادة العلاقة مع هذه الفئة الحساسة داخل المجتمع في ظل تبعيتها المباشرة لحقل امارة المؤمنين !!؟ الهوامش 1 القيمون الدينيون فئة اشمل من الائمة والخطباء ، حيث تضم كل الاشخاص الذين لهم علاقة بالاماكن المخصصة لاقامة شعائر الدين الاسلامي سواء اكانو يؤدون مهام دينية مباشرة كالامامة والخطابة ، ام مهام كالحراسة ، ام المراقبة ، ام النظافة … 2 جريدة المساء 01/05/2009. 3 نشر في موقع لكم السبت 22 اكتوبر 2011 .