كشف بوبكر أنغير الباحث والمحلل السياسي عما أسماه "الوضعية الكارثية التي تعيشها أكادير والتقهقر الكبير الذي تعرفه هذه الحاضرة السوسية، فمسؤولو أكادير يجب أن يقالوا جميعا ويحاكموا على هذه الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبوها في حق المدينة" وكشف المتحدث في حوار مع "حقائق مغربية" أن الغضبات الملكية أسلوب توجيهي وتقييم موضوعي للسياسات العمومية، وأنها تحمل آمالا إصلاحية أحسن مما تحمله تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجالس الجهوية للحسابات ولجن تقصي الحقائق". وفيما يلي النص الكامل للحوار: كيف تنظرون في البداية إلى الغضبات الملكية التي تطال بعض المسؤولين، هل هي في نظركم آلية من آليات تقويم سوء التدبير والأخطاء التي يقع فيها من يتحملون مسؤولية تدبير الشأن العام؟ بداية لابد من الإشارة إلى أن المواطن المغربي دائما ما ينتظر الزيارة الملكية لمدينته أو قريته وينتظر منها الشيء الكثير، لأن الزيارة الملكية تعني للمواطن إصلاح الطرق وصباغة الأماكن العامة والخاصة وتنقية المدن من الأزبال، وبالتالي فالزيارت الملكية في المغرب خير من ألف برنامج حكومي. ومع توالي فضائح المجالس البلدية المتسمة بغياب الحكامة وانتشار الفوضى في التسيير والتدبير، تبقى الغضبات الملكية هي السبيل الذي ينتظره المواطنون لانتشالهم من هذا الواقع المزري. فعندما يتحدث جلالة الملك محمد السادس عن إشكاليات التدبير الحضري بالدارالبيضاء مثلا، بدأت بوادر إصلاحات ميدانية في الظهور وانتظر المواطنون بحق وبصدق ما يمكن أن تؤول إليه شؤون مدينة الدارالبيضاء بعد الغضبة الملكية الشهيرة. الغضبات الملكية أسلوب توجيهي وتقييم موضوعي للسياسات العمومية، و أظن جازما بأن الغضبات الملكية تحمل أمالا إصلاحية أحسن مما تحمله تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجالس الجهوية للحسابات ولجن تقصي الحقائق. في المغرب ملك مصلح وحداثي وإدارة جماعية فاشلة وفاسدة، هذا ما يمكن استنتاجه. من أبرز الغضبات الملكية كما ذكرتكم، تلك التي ضمنها في خطابه الذي ألقاه بالبرلمان بشأن سوء تدبير الشأن العام بالدارالبيضاء، كيف تنظرون إلى تعبير الملك عن غضبه بشأن تسيير مدينة مغربية لأول مرة في خطاب سامي؟ الخطاب التاريخي الذي ألقاه صاحب الجلالة نصره الله في البرلمان والذي تناول فيه بالنقد الموضوعي الواضح إشكالية تدبير مدينة الدارالبيضاء نقلة نوعية في الخطابات الملكية واستشراف ملكي للأخطار الناجمة عن تراكم المشاكل الحضرية في المدن الكبرى، والذي يمكن أن يعطي التطرف والإرهاب والفوضى. إن رسالة الملك محمد السادس في هذا الخطاب تتجاوز مدينة الدارالبيضاء لتكون تعبيرا عن غياب الحكامة الترابية في عدد كبير من المدن المغربية بفعل التسيير العشوائي وانتشار مظاهر الفساد والزبونية وغياب الحكامة الرشيدة. فالدارالبيضاء مدينة تختزن فوارق فاحشة بين أحيائها وساكنتها، مدينة عمالية بامتياز، مدينة التوترات والاحتكاكات الاجتماعية. لذا من اللازم أن تكون في مستوى تحديات المرحلة وإلا ستتحول إلى مدينة الفقر والبؤس والتطرف. فلا ننسى بان الدارالبيضاء ومثيلاتها من المدن المغربية الكبرى أصبحت مرتعا للجريمة والتطرف، وترك الأمور على هذا المنوال فيه تهديد للمغرب ولأمنه واستقراره، لذلك كان خطاب جلالة الملك محمد السادس في محله تماما. يعمل العديد من البرلمانيين والفاعلين السياسيين والجمعويين مؤخرا بمدينة أكادير على تدبيج رسالة استعطاف إلى جلالة الملك من أجل القيام بزيارة ملكية لهذه المدينة بعد أن طالتها غضبته بسبب سوء التدبير الذي عبرت عنه تقارير المجلس الأعلى للحسابات وكذا تواصل الصراع بين رئيس البلدية طارق القباج مع السلطات الولائية، كيف تقرؤون هذه الغضبة الملكية على أكادير؟ الوضعية الكارثية التي تعيشها أكادير والتقهقر الكبير الذي تعرفه هذه الحاضرة السوسية مرده أمور عديدة أهمها: استنزاف الطاقات البشرية للمدينة وإلهائها في صراعات عقيمة وغير مجدية، ففي الوقت الذي كانت فيه مدينة أكادير عاصمة للثقافة العالمة وللفكر، أصبحت اليوم عاصمة للدعارة والمهن المرتبطة بها، مدينة أكادير تم استنزاف وعائها العقاري وأصبحت مدينة إسمنتية بدون روح، مدينة إقامة فجة، فلا ملتقيات ثقافية كبرى ولا تظاهرات فنية مستمرة ولا معارض للكتب والقراءة…أكادير اليوم تعيش عمرا مظلما بفعل تسلط مافيا انتخابية لا يهممها سوى الريع والاغتناء على حساب المواطنين وعلى حساب مستقبل أولادهم، لذلك اعتبر أن زيارة ملكية طويلة الأمد لمدينة أكادير ستساهم في رفع بعض الحيف والظلم عن الساكنة، خصوصا وأن الملك محمد السادس أولى اهتماما كبيرا بمدينة اكادير منذ السنوات الأولى لبداية حكمه، ولكن استمرار نفس النخبة السياسية الظلامية والمفسدة على رأس تسيير هذه المدينة أجهض الحلم الملكي بمدينة جميلة منفتحة و مستقطبة. إلى أي حد يمكن لسوء تدبير الشأن العام، بما يعنيه ذلك من سوء لتدبير المال العام، أن يدفع إلى غضبات ملكية على مسؤولي أكادير؟ في الحقيقة مسؤولو أكادير يجب أن يقالوا جميعا ويحاكموا على هذه الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبوها في حق المدينة، فمدينة من حجم أكادير يجب أن تكون في مستوى المدن العالمية بفضل مناخها وإمكانياتها الطبيعية، لكن غياب الحكامة وإقصاء الأصوات المعارضة وانتشار الفساد والمحسوبية وارتفاع منسوب المضاربات العقارية، كل ذلك جعل من مدينة أكادير قبلة للسماسرة ومصاصي دماء المغاربة، الوضعية الراهنة لمدينة اكادير تتطلب أكثر من غضبة ملكية قبل أن تعرف هزات اجتماعية قوية. فارتفاع البطالة والتسيير العشوائي وعدم التنسيق بين السلطات الإدارية والبلدية كلها مؤشرات على انسداد آفاق التسيير بالمدينة. نحن فعلا في انتظار غضبة ملكية تجعل المنتخبين بهذه المدينة يستفيقون من سباتهم. في ظل المعطيات المتوفرة، هل فعلا تستحق بلدية أكادير غضبة ملكية بهذا الشكل؟ كما سبق وأن قلت فإن مدينة أكادير تستحق عناية ملكية شبيهة بما تعرفه المدن الشمالية، فهذه المدينة بحاجة إلى نخب سياسية قادرة على كسب رهان الدستور الجديد الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. مدينة أكادير تسائلنا جميعا وتجعل من مهامنا إسماع أصواتنا عاليا لنقول لجلالة الملك بان مدينة الانبعاث لم تبعث بعد من ظلمات وجور التسيير الجماعي الفاسد والرديء. الغضبات الملكية من غير شك لا تأتي اعتباطا، بل بناء على معطيات دقيقة ومدروسة سلفا، في نظركم وتأسيسا على تجربتكم في تدبير الشأن العام، كيف تتبلور هذه الغضبات الملكية؟ الحكامة المحلية تتطلب وجود مراقبة صارمة ونزيهة على المالية العمومية والشأن العام والترسانة الرقابية المغربية متنوعة ومتكاملة لكنها غالبا ما تكون غير شفافة أو خاضعة للحسابات السياسية، فتقارير الأجهزة الرقابية المختلفة تقوم بأدوارها، ومنها ما يعلم صاحب الجلالة بنتائجها. ولكن هناك خروقات لا يطلع عليها المسؤولون جلالة الملك، وتبقى حيز الكتمان. فمثلا تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية تكون دقيقة وفعالة و شاملة، لكن تنفيذ توصياتها وقراراتها يخضغ لمزاج وزير الداخلية ولحسابات السياسة، فيذهب الشأن العام ضحية هذه الاعتبارات. نفس الشيء نلاحظه على تقارير المجالس الجهوية للحسابات والمجلس الأعلى للحسابات، إذ أن قضاة هذه المجالس ينجزون مهمات رقابية على أعلى المستويات، لكن تقاريرها لا تكون فعالة إلا بقرار من وزير العدل الذي يقرر المتابعة من عدمها، وغالبا ما يقرر السكوت عن الخروقات للاعتبارات السياسية. لذلك اقترح كفاعل جماعي وجمعوي أن تكون هناك لجنة عليا لمراقبة مالية الجماعات المحلية وتعطي تقاريرها مباشرة لجلالة الملك ليطلع على الفساد والنهب المستشري في الإدارة الجماعية المغربية، كما اقترح أن يتم نشر تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية ليطلع عليها المواطنون، وهذا النشر سيكون ذا هدف رقابي أيضا، وتعطى للمواطن الناخب حق التعرف على مصير ميزانية بلدته ومصير أمواله كدافع للضرائب. لنعود مثلا إلى مدينة أكادير، فالتقارير المختلفة تؤكد وجود فساد ونهب منظم للمالية العمومية، وتؤكد انتشار البناء العشوائي والتجزئات السكنية العشوائية واستغلال النفوذ وغيرها من الجرائم المالية، لكن لحد الآن لم نرى عقابا لهؤلاء المتورطين في هذه الجرائم. فهل وصل الأمر إلى صاحب الجلالة؟ الله اعلم، ولكن الأكيد أننا ننتظر غضبة ملكية حقيقية ورجة من أعلى المستويات من أجل إنقاذ مدينة أكادير وانتشالها من براثن الفساد والنسيان.