يقدر خبراء عدد المغاربة الذين يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش" بأكثر من 1200 شخص، منهم نحو 20 قاموا بتفجير أنفسهم في عمليات انتحارية. لكن ما أسباب انضمامهم لهذا التنظيم الإرهابي؟ هاجروا من بيوتهم سراً، حملوا أسلحتهم طمعاً في "الشهادة في سبيل الله"… قدرتهم السلطات المغربية ب 1122 مغربي، يحاربون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ويصنفون ب"أكثر المقاتلين شراسة". DW عربية زارت عائلات "الدواعش المغاربة"، التي تحكي الوجه الآخر لشبان مغاربة اختاروا القتال في أشد المناطق توتراً في العالم. "لا تحزنوا على مصيري، فسنلتقي في الجنة إن شاء الله". هكذا جاء رد محمد حاجي، البالغ من العمر 27 عاماً، والذي كان يقاتل في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش"، مقتضباً عبر الهاتف إلى أخته فتيحة بعد ستة أشهر من البحث والانتظار. وتقول فتيحة حاجي، في حديثها ل DWعربية: "قضى أخي محمد طفولة عادية، إلى أن تحول فجأة من شاب مسالم يعشق موسيقى الشاب حسني ولعب كرة السلة إلى واحد من أعنف المغاربة المقاتلين في سوريا. لم يخبرنا عن رغبته في القتال بسوريا قبل مغادرته المغرب نحو المجهول. لم نتعرف عل وجهته ولا أخبرنا بما يخطط له، إلا حين علمنا من صديقه المقرب أن محمد ظهر على شريط فيديو في موقع "يوتيوب" كمقاتل في سوريا". رحلة نحو المجهول تضيف أخت المقاتل المغربي في "داعش": "عاش محمد طفولته في حي جان علي الشعبي بمدينة وزان (شمال المغرب). حصل على الباكالوريا (الثانوية العامة) في العلوم الإنسانية، ليغادر بعد ذلك صفوف الدراسة. لقد كان حينها إنساناً معتدلاً في تدينه، لا يعرف شيئاً عن الفكر الجهادي". وتشير فتيحة الحاجة إلى أن اعتقال أخيها في أعقاب أحداث الدارالبيضاء الإرهابية عام 2004 كانت هي السبب الرئيسي في جعله "متطرفاً في الدين، يبارك للثورة السورية كلما شاهد نشرات الأخبار على القنوات الفضائية". بعد الإفراج عنه، عمل محمد في أحد نوادي الإنترنت في حينها؛ ثم تزوج وأنجب طفلة. وقتها كانت حمى الثورة السورية في بداية 2012؛ الأمر الذي جعله يغلق النادي فجأة ويختفي. وتضيف فتيحة حاجي: "لم نعرف بعدها ماذا حل به، إلى أن شاهدنا شريط الفيديو الذي ظهر فيه، ومن ثم اتصل بنا قبل شهرين من الآن؛ إذ طمأننا عليه. لم يكفنا ما عشناه من رعب نفسي جراء ما تسبب لنا به غيابه المفاجئ، بل إن السلطات المحلية تحقق معنا في كل مناسبة تسمح لها بذلك حول سر تحوّل شاب مسالم مثله إلى قائد كتيبة في صفوف "داعش"، حسب ما أخبرنا واحد من أصدقائه". من إسكافي إلى مقاتل في حي شعبي قرب ضواحي مدينة سيدي سليمان، أول ما تستقبلك هي صور أطفال أبرياء يلعبون بالتراب ومنازل من الصفيح وقنوات صرف صحي مكسورة تكشف عما فيها. في إحدى زوايا هذا الحي كان عبد السلام العامري، البالغ من العمر 27 عاماً، يعمل إسكافياً، قبل أن يتحول فجأة إلى مقاتل في سوريا. لم يكن عبد السلام يخفي تعاطفه مع المقاتلين هناك، إذ كان يمجد حربهم ضد نظام بشار الأسد. لكنه لم يفصح قبل ذلك عن رغبته في السفر إلى هناك لينضم ل"داعش". حول الظروف التي سبقت سفره إلى سوريا، يقول ابن خالته (ع.س.)، البالغ من العمر 28 عاماً، في مقابلة مع DW عربية: "لقد طلق زوجته التي قضى معها عاماً ونصف دون أن تدري هي بذلك وقتها، وباع أثاث غرفة نومه. وفي الليلة التي سبقت سفره، وضع ورقة نقدية من فئة مائتي درهم مغربي (حوالي 18 يورو) تحت وسادة والدته، ثم غادر منزل أسرته في صباح اليوم التالي، بعد أن قبّل ابنته الرضيعة. كان ذلك قبل ستة أشهر تقريباً. لم تزرنا السلطات المحلية أو تحقق معنا. كما أننا لم نخبر أحداً بما حصل". آنذاك، لم تكن العائلة تدري أن عبد السلام العامري غادر إلى سوريا، حتى أخبرهم بذلك أحد أصدقائه السلفيين ممن كانوا يصلون معه في المسجد. ويضيف ابن خالته: "حتى الآن لم نتلق منه أي اتصال. ومن فرط هلعها عليه، فإن والدته المسكينة أصبحت طريحة الفراش منذ ذلك الوقت". "الأخوان الداعشيان" غير بعيد عن مدينة سيدي سليمان، كان لDW عربية لقاء مع أم يوسف، الذي سافر سراً إلى سوريا قبل خمسة أشهر وترك عائلته، التي علمت بالخبر من بعض أفرادها الذين رأوا صوره منشورة على شبكات مواقع التواصل الاجتماع. وتقول أم حكيم لDW عربية: "قضى يوسف طفولته وهو يلاحق بنات القرية. لم تسعفه الظروف الاجتماعية لإتمام دراسته، خصوصاً بعد موت والده. جرب بعد ذلك احتساء الخمر وتدخين الحشيش، إلى أن غادر البلدة للعمل في البناء بمدينة تازة، التي عاد منها بلحية طويلة وجلباب قصير". وتعتبر والدته أنه كان "ضحية شيوخ السلفية، فهو شاب بسيط لا يفقه شيئاً في الدين أو الجهاد. ما زلت إلى الآن لا أصدق أنه سافر للقتال بسوريا". بعد يوسف، سافر أخوه حفيظ، الذي غادر مباشرة بعد رحيل يوسف. تقول والدة الشابين حول ذلك: "كان (حفيظ) متزوجاً ويعمل بائعاً متجولاً للسمك. بدوره غادر الدراسة في سن مبكرة وكان متشدداً في الدين، وذلك بعد أن تغير فجأة قبل خمس سنوات، ليتحول من منحرف يسكر ويعربد في القرية إلى رجل صالح لا يعرف غير عمله والمسجد، قبل أن يعرف سوريا". وتضيف الأم: "حتى زوجته أخذت طفلها بعد شهرين من رحيله وذهبت إلى بيت أهلها، تاركة هي الأخرى غصة الرحيل في قلبي، إذ حرمتني من حفيدي الوحيد … لم تحقق معنا السلطات المحلية ولم نخبر أحداً برحيلهم إلى سوريا خوفاً من العار". وفي تحليله لظاهرة الشبان المغاربة الذين ينقلبون فجأة إلى مقاتلين في صفوف "داعش"، يرى عبد الله الرامي، الخبير في شؤون الحركات السلفية والجهادية، أن الجهاد السلفي يتغذى بالأساس مما تنتجه العوامل الاجتماعية، كالشعور بالإحباط والبطالة والغضب، "إذ أن الفكر الجهادي ينتعش في العشوائيات والمناطق الشعبية المكتظة والمعزولة، حيث نجد في الأدبيات الجهادية توصيات لقادة الجهاد باستيطان المواقع العشوائية لكونها تشكل البيئة الملائمة والتربة الخصبة للتجنيد وحشد الأنصار والمتعاطفين". عوامل مركبة وراء الظاهرة ويشير الرامي إلى "أن هناك عدداً من الأسباب المركبة التي تقف وراء سفر عدد من المغاربة إلى سوريا. لكن العامل الأكبر يتعلق بالدعاية الإعلامية العربية والعالمية التي أحاطت بتفاصيل الأزمة السورية، والتي ساهمت في شحن الأنفس وتعبئتها للقتال بسوريا". كما يعتبر الخبير المغربي أن اعتماد السلطات المغربية أسلوب غض البصر عن آلاف من الشباب "السلفي الجهادي المغربي" الذين يلتحقون بالقتال في سوريا وذلك لاعتبارين: "أولهما أمني محض، الهدف منه هو التخلص من عناصر السلفية الجهادية، والاعتبار الثاني استراتيجي، ما يعني أن المغرب جزء من منظومة أصدقاء سوريا". سبب آخر يساهم في التحاق عدد كبير من الشباب المغاربة بجبهة النصرة أو "داعش" يرتبط بالخلفيات الأيديولوجية والصلات الشبكية بأنصار السلفية الجهادية العالمية، التي تقود العمل المسلح في كل من سورياوالعراق وتنشط إعلامياً وتعتبر الأكثر فعالية وانتشاراً ميدانياً. ويعتقد عبد الله الرامي أن ثني الشباب المغاربة الآخرين الذين يفكرون في نفس المصير لن يتحقق إلا بتوفر عدة عوامل، مثل التوقف عن استعمال التطرف الديني واستخدامه لغايات سياسية وإصلاح "الحقل الديني" وتوفير فرص العمل وتشجيع الحريات والتوعية السياسية والرفع من التنسيق الأمني العابر للحدود.