اهتم الرأي العام المحلي في أقاليم ورزازات زاكورة وتنغير بما يسمى "عصابة الكنوز"، وهم أفراد يدعون قدرتهم على استخراج الكنوز، يعملون على إغراء ضحاياهم ويعدونهم بأموال وثروة سيحصلون عليها بعد العثور على الكنز المزعوم، قبل أن يجدوا أنفسهم أنهم ضحية نصب، فيختفي الجناة ويلتزم الضحية الصمت خشية الفضيحة وأقوال الناس. بعد إلقاء القبض عليهم تقاطرت شكايات الضحايا الذين تعرضوا للنصب على مقر الشرطة القضائية بورزازات، وبلغ عددهم أزيد من عشرة أشخاص، وتواترت مختلف رواياتهم التي تتشابه في طريقة الإيقاع بهم. جناة ذو سوابق قضائية وخبراء في النصب والاحتيال أفراد "عصابة الكنوز" الأربعة ينحدرون من مناطق إقليمورزازات، لهم سوابق في النصب والاحتيال وقضى بعضهم على إثرها عقوبات سجنية، عادوا بعدها لممارسة مهنة النصب على ضحاياهم وسلبهم في كل مرة مبالغ مالية تقدر بالملايين مما يشجعهم في إعادة المغامرة وبأساليب غاية في الدهاء، أكسبتهم سوابقهم في مجال النصب خبرة ومهارة عالية، واستمروا في عملياتهم لأزيد من عشر سنوات، وكانت تجمع بعضهم علاقة مصاهرة وكذلك علاقة الجوار والصداقة، فتشكلت فيما بينهم ثقة عالية في حفظ الأسرار والكتمان وتوزيع الأدوار لاختيار الضحايا والإيقاع بهم. المتهم الأول "ع.أ" وهو متقاعد من مواليد 1956 بإغرم نوكدال نواحي ورزازات متزوج ويقطن في مراكش، وتربطه علاقة مصاهرة مع المتهم الثاني "ل.أ" الذي ينحدر بدوره من نفس منطقته، وهذا الأخير من مواليد 1966، ويشتغل تاجرا ويسكن في مدينة ورزازات وسبق تقديمه أمام العدالة أربع مرات، واحدة منها من أجل إصدار شيك بدون رصيد وثلاثة مرات من أجل النصب في كل من مراكشوورزازات والدار البيضاء. أما المتهم الثالث "ل.إ" من مواليد 1977 ويقطن بآيت أورير بمراكش فله سابقة في النصب مع حالة العود قضى بموجبها حكما صادرا في مارس 2012 بشهرين سجنا نافذة، فيما قضى المتهم الرابع "ل.ك" ثلاثة أشهر سجنا نافذة من أجل النصب سنة 2003. كانت خطتهم في الإيقاع بالضحايا تبدأ بالاتصال الهاتفي وإخبارهم بوجود كنز في أحد الأضرحة القريبة من منزله وأنه بمساعدتهم له سيعملون على استخراجه واقتسامه بينهم، ويتكلف بعضهم بمرافقة الضحية إلى مكان تواجد الكنز ويبدؤون في الحفر وقراءة القرآن ثم يعمل فريق آخر على مباغتتهم. الجناة يسلبون الضحايا ملايين السنتيمات أفراد العصابة الأربعة يدعي أحدهم أنه فقيه (الحاج) يملك مدرسة قرآنية وله العديد من المريدين يصحبه معه أحدهم (الثاني) في جولاته واثنين آخرين يتقمصون أدوار مختلفة؛ تارة قائد السلطة المحلية وخليفته وتارة أخرى رجال الدرك الملكي. يقوم الجناة الأربعة بتخطيط محكم يعتمد أساسا بإجراء بحث معمق عن الضحية المستهدف ووضعيته الاجتماعية وممتلكاته وأفراد أسرته ثم استدراجه وإغرائه بوعود الحصول على مبالغ مالية قد تغير حياته ليصبح من الأثرياء، ثم تبدأ عملية ابتزازه وتهديده من طرف منتحل صفة "القائد" أو "الدركي" بتقديمه للمحاكمة بتهم مختلفة ويضطر الضحية إلى دفع كل ما يملك من مبالغ مالية للإفلات من وعيدهم أو رغبة في الحصول على حصته من "الكنز" المزعوم، ثم يختفي أفراد العصابة بعد ذلك. "أ.ح" من ضحايا هذه العصابة، يقطن في أحد دواوير جماعة إغرم نوكدال بإقليمورزازات يحكي ل"مشاهد" قصة تعرضه للابتزاز والاحتيال من نفس العصابة منذ حوالي سنتين فيقول: "اتصل بي هاتفيا رئيس العصابة الذي يدعي أنه حاج وفقيه يملك مدرسة قرآنية في سوس يدرس فيها المئات من الطلبة، وأنه يعلم أن لدي أبناء اثنان مصابون ب "مرض الصرع" وعرض علي أن يقوم بمعالجتهم وذلك بإزالة "كنز" موجود في المنزل ويدعي أنه بسببه يصيب الجن الأبناء بمرض الصرع، وطلب مني عهد الله على كتمان هذا السر". ويضيف الضحية أنه في الساعة الثالثة صباحا طرق رئيس العصابة "الحاج الفقيه" رفقة مساعده باب منزله، وعلى الفور طلبوا منه الشروع في مهمتهم، وبدؤوا يقومون بأعمال الشعوذة في إحدى بيوت المنزل بعد إخلاءها ثم غادروا المنزل، وطلبوا من الضحية "أ.ح" أن ينتقلوا عبر سيارته ليلا إلى منطقة أخرى يوجد فيها "الكنز" مقابل حصة وافرة له. بعد شروعهم في الحفر وأعمال الشعوذة لحق بهم منتحل صفة قائد الدرك، هذا الأخير أوضح لهم أنهم في حالة تلبس وهددهم باعتقالهم واتخاذ الإجراءات القانونية في حقهم، وانفرد ب "أ.ح" (الضحية) وأخبره أنه يعرف هؤلاء الناس الذين يستخرجون الكنوز، نصحه أن يصدقهم ويثق بهم فطلب منه مبلغا ماليا مقابل الإفراج عنه، احتفظوا بالبطاقة الرمادية للسيارة إلى حين دفعه مبلغ 60 ألف درهما، دفع لهم ثلاثة آلاف درهم التي كانت بحوزته واضطر لاقتراض المبالغ المتبقي لإيصالهم لأحد أفراد العصابة عبر لقاءات في مراكش أو منطقة "تدارت". " س.ف" من منطقة آيت بن حدو كان بدوره ضحية ابتزاز من طرف هذه العصابة، بعدما استدرجوه وقدموا له إغراءات وطلبوا منه مرافقتهم إلى منطقة خالية غير بعيدة عن الطريق الرابطة بين ورزازات وزاكورة، وحينما بدؤوا في الحفر وطقوس الشعوذة فاجأهم منتحل صفة قائد الدركي يهددهم بإلقاء القبض عليهم وأنهم سيواجهون تهما ثقيلة منها اختطاف أطفال وقتلهم لاستعمالهم في استخراج الكنوز، فانتزعوا منه مبلغا ماليا قدره 15 مليون سنتيم مقابل إطلاق سراحه. ومن بين ضحايا هذه العصابة رئيس جماعة بمنطقة تاكونيت بإقليم زاكورة، وأستاذ وشخصيات أخرى. خطأ قاتل يسقط الجناة في كمين كانت مفاجأة كبيرة حينما تلقى سعيد مكالمة على هاتفه، بادره المتصل بالسؤال: "واش مستعد نجيو ناخذوا الكنز اللي اتفقنا عليه؟" بدون تردد أجاب: "نعم، مرحبا بكم أنا مستعد" لم يدرك المُتصل أنه أخطأ الوجهة وأن سعيد كان ضحيتهم منذ ثلاث سنوات ثم اختفوا عن الأنظار، كانوا يخططون للإيقاع بشخص يحمل أيضا نفس الاسم لكن سعيد الذي وضع شكايته لدى الدرك الملكي منذ سنوات وهو يبحث للعثور عن أية معلومة تدلهم على الجناة، كانت المكالمة الهاتفية المفاجئة خطوة لنسج خطة للقبض على أفراد العصابة، سايرهم في خطتهم وبمساعدة أصدقائه وأقربائه ظل يجيب على مكالمتهم الهاتفية وينوب عنه أحد أصدقائه في اللقاءات الاستطلاعية التي يقوم بها أفراد العصابة، ويظل يراقب الوضع من بعيد، وتطور التنسيق بينهما إلى أن حان وقت نصب الكمين من أجل القبض عليهم في حالة التلبس. حوالي الساعة السادسة مساء بينما كان ضابط الشرطة الممتاز رئيس الفرقة الثانية للأبحاث بالمصلحة الجهوية للشرطة القضائية يمارس مهام الديمومة، تقدم إلى المصلحة الشاب سعيد فراس وأفاد أنه تعرض لعملية نصب من طرف أربعة أشخاص سلبوا منه مبلغ 150 ألف درهم منذ حوالي ثلاث سنوات بدوار تفراتين، وأنه تمكن من استدراج الجناة بمؤازرة من شقيقه وأحد أقربائه ووعدهم بالالتقاء بهم في أحد شوارع المدينة. قام أفراد الشرطة القضائية بنهج خطة محكمة للإيقاع بالجناة، حيث قاموا بتوزيع الأدوار فيما بينهم وتثبيت بعضهم خلسة بمختلف المنافذ الطرقية وبالتالي سهولة محاصرة الجناة وإيقافهم. ظل سعيد يراقب الجناة من بعيد، يتفادى الالتقاء بهم وينسق مع رجال الأمن، وكلف أصدقائه بلقاء الجناة (أصحاب الكنز) وكما اتفقوا في خطتهم المزعومة من أجل الذهاب خارج ورزازات لجلب الكنز أحضروا لهم السيارة، بعد ركوبها طلبوا منهم انتظار صديق يساعدهم في عملية الحفر، بعد دقائق كانت المفاجأة، حيث تغيرت ملامح الجناة وفقدوا صوابهم لما لمحوا سعيد الشاب الذي كان ضحيتهم منذ ثلاث سنوات برفقة رجال الأمن يطلبون منهم مرافقتهم إلى مفوضية الشرطة، حينها اقتنعوا أنهم في قبضة العدالة وأن خطتهم قد انكشفت وشكلت اعترافاتهم أدلة كافية لإدانتهم. بعد سلسلة من التحقيقات وبعد اعتراف المتهمين خلال مرحلة البحث التمهيدي بأنهم كانوا يستدرجون ضحاياهم بعد إيهامهم بوجود كنز وعلى ضرورة حضورهم لاستخراجه ثم يباغتونهم بعين المكان ويعرضوهم للتهديد بفضحهم إن لم يسلموهم مبالغ مالية يحصلون عليها بالفعل ثم يقسمونها فيما بينهم، وبعد إدانتهم خلال المرحلة الابتدائية بثلاث سنوات سجنا نافذة، قررت محكمة الاستئناف الرفع من العقوبة السجنية إلى أربع سنوات في حق أفراد العصابة الأربعة المتهمين بالنصب والاحتيال مع حالة العود والتهديد والابتزاز وانتحال صفة نظم القانون شروط اكتسابها، حيث أدانتهم بأربع سنوات حبسا نافذة وغرامة قدرها أربعة آلاف درهم، وغرامة قدرها 2500 درهم، وفي المطالب المدنية قضت المحكمة على المدانين بإرجاع المبالغ المالية المسلوبة إلى الضحايا المشتكين وتراوحت هذه المبالغ ما بين 60 ألف درهم و 150 ألف درهم