حمد العماري المشرف العام على مؤتمرات فكر لمؤسسة الفكر العربي *حاوره ادريس عدار "يشهد الوطن العربي اليوم تحوّلات جيوسياسية كبرى. ولماّ كان التحدّي الأكبر يتمثّل بإعادة إحياء الحلم بالوحدة والتكامل العربي، بات ضرورياً العمل بجديّة للسير بمجتمعاتنا نحو الاستقرار والتقدم والازدهار والنهوض من جديد. من هنا يحتاج الوطن العربي إلى منصّة تجمع بين الخبراء والمحللين السياسيين والاقتصاديين والاستراتيجيين لمناقشة الوضع الراهن ولتبادل الآراء والرؤى المستقبلية عربياً، واقليمياً وعالمياً"، بهذه الكلمات قدمت مؤسسة الفكر العربي لمؤتمرها الثالث عشر، الذي ينعقد في المغرب ما بين 3 و5 من الشهر المقبل. وقبل ذلك حاورنا حمد العماري، المشرف العام على مؤتمرات فكر لمؤسسة الفكر العربي، حول اختيار المغرب مكانا لانعقاد هذه الدورة وحول شعار المؤتمر وسقف التوقعات المرجوة منه، خصوصا في ظل التشرذم العربي الذي بلغ مداه. - لماذا تم اختيار المغرب مكانا لانعقاد مؤتمر مؤسسة الفكر العربي؟ مرت عشر سنوات على عقد آخر مؤتمر للمؤسسة بالمغرب وانتقل بين عواصم عديدة، ونعتقد أنه حان الوقت للعودة من جديد للمغرب، وللاختيار أيضا رمزيته الكبيرة نظرا لما يشكله المغرب من استثناء في ظل الظروف الحرجة التي تعيشها البلدان العربية. والرعاية الملكية تمثل اهتمام جلالة الملك بالمثقف وهذا تكريم لكل المثقفين العرب. - تم استدعاء الأمين العام للأمم المتحدة للمشاركة في المؤتمر. ما هي القيمة المضافة لهذا الحضور؟ موضوع المؤتمر هذه السنة هو "التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم" هو ناتج عما يحصل بالدول العربية وما نراه اليوم هو تقسيم التقسيم، السودان أصبح سودانان والعراق عراقات وسوريا لا نعلم ما سيحصل فيها وكذلك الأمر بالنسبة لليمن وليبيا. فدعوة بان كيمون تأتي نظرا للدور الذي تلعبه الأممالمتحدة أو المفروض أن تلعبه الأممالمتحدة في حل الصراعات، وأيضا لأننا نؤمن أننا جزء من هذا العالم وأننا نتأثر بدول الجوار، بالجوار الفارسي والجوار التركي والجوار الأوروبي والجوار الإفريقي، لذلك أردنا من هذه الدعوة أن يكون بان كي مون ممثلا في هذا المؤتمر وأن يكون للأمم المتحدة دور في إنصاف الشعوب، وهي الدول التي عانت كثيرا من التدخلات في شؤونها، وأن تكون هذه المنطقة آمنة بدل أن تكون منطقة اضطرابات، وللأسف أصبحت منطقة حروب وصراعات ومشاحنات ومنطقة تفرقة بامتياز. إذن هي عملية رمزية قد يلقي كلمة أو لا يلقيها، ولا نرى أن وجوده سيغير الكثير، ولكن نريد أن نؤكد على أهمية العرب للعالم وأهمية العالم للعرب. - لا ينظر العرب بعين الرضا للمؤسسة الدولية، هل لدى المؤسسة خطة لمصالحة العرب مع هذه المنظمات؟ لا ندعي اننا نقوم بهذا الدور وهو دور كبير يفوق قدرات مؤسسات مجتمعة، لكن نحن مجبرون أن نخوض غمار المنظمات الدولية وأن نخاطب العالم من خلالها وأن يكون لنا وجهة نظر من داخلها، وأن نتحدث عبرها ومن خلالها ويكون لنا موقف في مؤسساتها وهياكلها، وكان موقف العربية السعودية في رفض مقعد في مجلس الأمن دلالة ورمزية كبرى وكذلك مواقف بعض الدول العربية الأخرى، غير أنها لا تزال موجودة في هذه المنظمات، المطالبة بإنصاف الشعوب العربية، وهي التي لم تنصف الحقوق العربية وخصوصا القضية الفلسطينية ولم ترفع الاحتلال بل لم تلجمه عند حده ولم تتخذ موقفا صارما أثناء قصف غزة. بالجملة حتى لو كانت لدينا تحفظات على أداء الأممالمتحدة وباقي المنظمات الدولية فإننا نعتقد أن لها دورا، ومهمتنا أن نحدث التغيير في هذا الدور من داخل هذه المنظمات. وبالتالي لا ضير من أن يحضر بان كي مون هذا المؤتمر ونحاوره ويحاورنا ويعرف وجهة نظرنا ونبلغه رسالة مؤسسة الفكر العربي. - لماذا تم اختيار تيمة "التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم" موضوعا للمؤتمر الثالث عشر للمؤسسة؟ عندما تكون في عتمة الظلام فإما أن تشعل شمعة أو تلعن الظلام، والمؤسسة أختارت الطريق الأول، وهي متفائلة بأن تشعل شمعة في خضم الظلام العربي، والحلم العربي لم يغب وإن كان سقف التوقعات قل قليلا، ونحن نعي أن بعض الأحلام التي كانت في الخمسينات والستينات مثل القومية العربية قد فشلت، ولكن هذا لا يمنع أنن تكون هناك نظرة جديدة لهذا الحلم، ولو عبر تكامل اقتصادي يسمح بمرور البضائع بين الدول العربية، فالتجارة البينية بين العرب لا تتجاوز العشرة في المائة، وفي الوطن العربي قد يكون أسهل أن تذهب إلى دولة أجنبية على أن تذهب لدولة عربية، فبعض الحدود بين هذه الدول مغلقة ولا أمل في المنظور القريب من فتحها. لا أحد يقبل بهذا الواقع ونتمنى أن تفتح الحدود وتنساب التجارة، وما نؤمن به أقرب إلى حلم الوحدة الأوربية مما كان عليه الحلم القديم، من أن نكون دولة واحدة تجمع الشعوب العربية من المشرق إلى المغرب. ونعتقد أن الطرح الاقتصادي أقرب وقد يحدث في المستقبل تقارب سياسي. - ما هي النتائج المرجوة من المؤتمر؟ اختارت المؤسسة هذا العنوان، كانعكاس للواقع، انعكاس لما يحدث في العالم العربي، ففي وقت نحلم أن نقترب من بعضنا تجدنا نتحارب فيما بيننا، ففي الوقت الذي كنا نحلم بأمة واحدة أصبحنا أمما متفرقة وهي بدورها في طريقها لتتفرق إلى أمم أخرى. أعتقد أن ما يجمع هذه الأمة هو موروثها الثقافي، والموروث الديني، يجمعنا الكثير ويفرقنا القليل، وللأسف نجد أنفسنا في واقع التقسيم، أو كما توقع الكاتب الأمريكي دايفيد كابلن أن يصبح العالم العربي دول المدن. وأعتقد أن هذا هو الطريق الذي إليه سائرون، لكن هناك العديد من المثقفين والمفكرين العرب ممن يرفضون تقسيم دولنا إلى دويلات، ويريدون من دولنا أن تتقارب وتتكاثف وتتعاضد، حتى نواجه عدونا المشترك، لأن الأطماع حول العالم العربي تأتي من كل جانب، سواء من الغرب والشرق والشمال والجنوب، وبكل أسف، هناك مؤامرات تصاغ ضد الوطن العربي، وهي مؤامرات متعددة المصادر، ولهذا أردنا من هذا المؤتمر أن نتحدث بكل صراحة وبكل حرية ومسؤولة عن هذا الوطن الجريح، وهل هناك أفق مرجو للتعاون، وهل ممكن أن نعيد حلم الوحدة، هل نستطيع أن نحقق جزءا من هذا الحلم؟ ولو كان التكامل الاقتصادي ولو كان التبادل التجاري الذي سيكون سببا للرخاء لكل المواطنين العرب. -هل تتوقعون أن يساهم المؤتمر في تقريب الهوة المعرفية بين العرب بعد ما يسمى الربيع العربي؟ ردم الهوة المعرفية لدى العرب هي جزء من أهداف المؤسسة، ونحن نعمل ونشتغل في هذا الاتجاه، فالمؤتمر هو النافذة التي تطل منها المؤسسة على الجمهور العريض، لكن المؤسسة تعمل طوال السنة، فهي تصدر التقارير، منها التقرير لتنموي العربي والتقرير الثقافي السنوي، ونكرم المثقفين ونترجم الكتب، فما تقوم به المؤسسة كثير، وكل أعمالها تصب في ردم الفجوة وتحفيز التعليم، وللمؤسسة برنامج للتعليم، ولنا شراكة مع الجامعة الأمريكية ببيروت لتطوير التعليم وتكوين المعلمين، وبرنامج لتحفيز القراءة لدى الأطفال، وأصدرت المؤسسة كتيبا لطريقة تحديد كتب للأطفال. فالمؤسسة تعمل طوال السنة بصمت لردم الفجوة المعرفية. - الانقسام العربي وصل حدا لا يسمح بعودة المياه إلى مجاريها.. ألا ترون أن التكامل العربي مجرد حلم؟ أليس مجرد موضوعا لتأثيث فضاء النقاش لا أقل ولا أكثر؟ أم أن للمؤتمر أرضية ينطلق منها الحوار الجاد حول التكامل العربي؟ وعلى أي أسس ترون التكامل العربي. وحدة اللغة أم على أساس اقتصادي أم ماذا خصوصا وأن الهوة بين بعض البلدان تحتاج زمنا طويلا لردمها؟ نتمنى أن يكون هناك تفكير واقعي وبراغماتي، لهذا الموضوع، حتى وإن اختلفنا سياسيا، وإذا وجدت مصالح اقتصادية مشتركة فسوف تقرب بين السياسيين، وإذا نظرنا لما يحصل في أوكرانيا، فلولا الغاز الروسي الذي يصل إلى أوروبا لكانت هناك حرب بين روسيا من جهة وأمريكا وأوروبا من جهة ثانية، فهذا التعاون الاقتصادي دفع الاثنين، إلى التقارب ومراعاة المصالح، نريد أن نخلق مصالح مشتركة تقربنا من بعض حتى نتفادى الحروب. - كيف تم اختيار المشاركين في المؤتمر؟ تم اخيار المشاركين في المؤتمر، بكل تأكيد تم مراعاة التنوع، وسئلت لماذا لا ندعو رجال الدين، ونحن ندعو الجميع، وفي ديننا ليس هناك رجل دين، لكن إذا كان هناك مفكر إسلامي يعتني بالشأن الديني لا ما نع من حضوره، نسعى للتنوع، ولكن من يأخذ رأي متطرفا لا يسعده الحوار، ولا يريد أن يكون جزءا من المؤسسة التي تعطي الحق للجيع، فمن يرى أن لديه الحقيقة المطلقة هذا ليس من سياسات المؤسسة بصفة متساوية مكانا للحوار. *حاوره ادريس عدار