ظهور "كيش الشراردة" في "ظهر الشمّاخ" ... من هنا ظهر الدليمي (2) ينحدر احمد الدليمي من أولاد الدليم بمنطقة الشراردة، بجماعة زكوطة ، على بعد 22 كلم شرق سيدي قاسم . وهي جماعة توجد على مرمى حجر من مدينة وليلي الرومانية الأثرية ، ومن مدينة زرهون ، مدينة إدريس الأول التي تحتضن ضريحه. ولا شك أن لهذه الأماكن رمزيتها وخصوصياتها ليس بالنسبة للمنطقة المحاذية لها التابعة لنفوذ إقليمسيدي قاسم،خاصة حين نعلم أن المنطقة عرفت ، تاريخيا، حراكا بين المشرق والمغرب تمثّل على الأخص في ملاحقة المولى ادريس إلى غاية مستقرّه بالمكان الذي يعرف باسم زرهون ، ومرور الشمّاخ الذي قيل أنه جاء لقتل المولى ادريس ، علما أن سيدي قاسم ستحمل اسم "ظهر الشمّاخ " ، نسبة للشماخ ، في وقت من الأوقات . هناك حكايات وأمثال شعبية تروى عن الشراردة . تبقى أشهرها تلك التي تقول "ّشرّد برّد، فوق الحجرة مقرّد، لجبلي معرّض." وتقدم بعض التفسيرات المتداولة، والتي شاعت زمنا، هذا المثال في المعنى التالي : شرّد: الشرّادي برّد: البارود، كناية عن السلاح فوق الحجرة مقرّد: جالس على صخر الجبال لمراقبة الطرق الجبلية المؤدية إلى مدينة مكناس. لجبلي: من جبالة ،سكان المناطق الجبلية معرّض: أي يعترض مرور الجبلي يرتبط هذا المثال ، المجهول النسب ،الذي تمت صياغته في قالب حكاية كانت تتردد بقوة في المنطقة، خاصة في الفترة الممتدة من بداية الاستقلال إلى سبعينيات القرن العشرين، بمرحلة تعود إلى فترة حكم مولاي إسماعيل الذي جعل مدينة مكناس عاصمة لحكمه ، علما أن المدينة توجد في منطقة أمازيغية ، وكانت هناك احتكاكات ، تنجم عنها مشاكل ،مع أمازيغ المنطقة ، وهم جبالة والشلوح . في هذا العهد ، تم جلب أعداد وافرة من شراردة للخدمة ضمن جيش مولاي إسماعيل . ولضمان إقامة لهم ،تم بناء عدة "قصبات" ، مهمتها مراقبة ورصد وتتبّع أيّ حركةّ،على طول الطرق المؤدية إلى العاصمة مكناس . ولذلك تم إمدادهم بكل ما يحتاجونه من عدّة وسلاح لمواجهة المتمردين والغائرين على العاصمة الإسماعيلية (مكناس) . في مقابل هذه الخدمة ، منحت لشراردة أراض أصبحت تعرف ب"أراضي الكيش" (أي المنتسبين للجيش) ؛ وهي الأراضي التي ما زالت لحد الساعة تتميز بها أقاليم سيدي قاسم وتمارة ومراكش عن باقي الأقاليم بالمملكة . في نفس الوقت ،بنى مولاي إسماعيل "قصبة البواخر"، التي توجد قرب ضريح سيدي قاسم بوعسرية ، وهي القصبة التي كانت تأوي عددا من "الكيش" تحت اسم " عبيد البخاري" . وفي الحقيقة ، فإن القصبة تمثل ثكنة عسكرية تطل على مشارف باب تيسرة ( الطريق المؤدية إلى مكناس) ، وهي نقطة استراتيجية بحكم أنها تتحكم في أحد أهم الممرات التي تؤدي مباشرة إلى عاصمة السلطان مولاي إسماعيل (مكناس). وبغض النظر عمّن كان وراء نشر هذا المثال وتسريبه على نطاق واسع، فإنه لا يخلو من حمولة تحمل في طياتها التوجّس من السكان الأمازيغ السكان الأصليين بالمنطقة ، يبقى الهدف الأساسي منه خلق جوّ من الحيطة والحذر ، ولم لا الكراهية ،بين السكان الأمازيغ في المنطقة وبين الوافدين من أفراد وعائلة "الكيش" . والدليل أن عبارة "البرّاني" ظلت إلى عهد قريب ، تتردد في المنطقة .وهي عبارة تستهدف أساسا كل من هو "شلح" أو أمازيغي . ثم إن هؤلاء "الكيش" تم توزيعهم ، في وقت من الأوقات، على ثلاث مناطق في المغرب : الأولى بمنطقة تابعة لمراكش، والثانية بمنطقة تابعة لتمارة ، والثالثة والأخيرة توجد في إقليمسيدي قاسم ،حيث توجد قبائل أولاد دليم ، تكنة ، زيرارة ، أولاد مطاع وغيرهم بهذه الأقاليم دون غيرها . إذا أخذنا بهذا القياس ، يمكن القول أن الشراردة هم أنفسهم "برّانيين" عن المنطقة ، بدليل أنهم ينحدرون من منطقة الصحراء المغربية . يدل على ذلك تواجد نفس القبائل بالصحراء، وإشراكهم في عملية الإحصاء التي قامت بها الأممالمتحدة قصد تسجيل من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء. وبالفعل، حلّت بعثة أممية بإقليمسيدي قاسم لهذا الغرض. كيفما كان الأمر، فإن المدينة ستحمل عدة أسماء ، من "ظهر الشماخ" إلى "أكبار" و"بوتي جان" إلى أن استقر الحال على تسمية "سيدي قاسم بوعسرية " ثم سيدي قاسم المعروفة بها الآن. وبالطبع ،فإن كل تسمية من هذه التسميات مرتبطة بفترة معينة مرت بها المنطقة . حمادي الغاري