كل من يربط مكناس المغربية بالجانب الفلاحي، لكونها من أكثر المدن إنتاجا للمحاصيل الزراعية، خاصة الزيتون، فإنه لا يعرف ما تخفيه أسوار العاصمة الإسماعيلية، التي قال عنها الكاتب الفرنسي ميشيل جوبير إنها "أميرة وسط أشجار الزيتون. بدوية ومتحضرة وفنانة متمرسة، وحدهم عشاقها يفهمونها". فالسياح المتعطشين للإلمام بالتاريخ غالبا ما يعرجون على مكناس في الجولة التي يقومون بها عبر عواصم المغرب العتيقة. ومن أعظم الآثار التي تدهش السياح باب المنصور الضخم المشهور بنقوشه الفسيفسائية، وبالقصر الملكي بأسواره العتيقة وضريح مولاي إسماعيل، ومسجد بريمة، وسيدي عثمان، والقصر الجامعي الذي يعد متحفا للفن المغربي. وتتميز المدينة، التي تقع في شمال شرق المملكة المغربية على بعد 130 كم شمال شرق العاصمة الرباط، بمناخ معتدل، ونواح جبلية رائعة أهمها "إفران"، التي يلقبها السياح ب "سويسرا القارة الإفريقية"، بسبب فيلاتها الجميلة ومناظرها الشبيهة بجبال "الألب" بثلوجها وأشجارها الباسقة. كما تحتوي على مركز تزلج في جبل مشليفن (2000 متر)، وهيري (1.600 متر)، إضافة إلى مدينتي آزرو وخنيفرة المشهورتين بصناعتهما التقليدية العريقة وكونهما مركزين للصيد والقنص وبمناخهما الجبلي الصحي. وتوجد بالمنطقة أيضا مدينة "وليلي" التاريخية التي أسسها الرومان، ومدينة المولى إدريس مؤسس دولة الأدارسة، أول دولة إسلامية بالمغرب. ولم تنجح مظاهر الحداثة والتطور العمراني في التغطية على المآثر التاريخية لهذه المدينة، التي ما إن تلامس قدمك ترابها حتى تبدأ في استنشاق هواء مليء بعبق التاريخ ممزوج بنفحات دينية، ما يجعلك تغرق في جو روحاني، لم يسبق أن عشته من قبل. وإذا تجولت في الأحياء القديمة لمكناس، فإنك ستبهر بالكم الهائل من المآثر، التي تزخر بها هذه المدينة، ومن أشهرها باب المنصور، الذي شيده السلطان مولاي إسماعيل وأكمله ابنه. و هو من أضخم أبواب المغرب قاطبة وأكثرها رونقا، و جمالا، و زخرفة، فهو رمز القوة والحكم. وبالقرب من هذا الباب يوجد ضريح مولاي إسماعيل، الذي يعد معلما تاريخيا جميلا يختزل بهالته العظيمة زمنا موشوما بالسلطة والعظمة ونخوة الأمجاد. ولعل أهم ما يعطي لزيارة مكناس نكهة خاصة أن العاصمة الإسماعيلية تقع في جهة "مكناس تافيلالت"، التي تعتبر إحدى أغنى جهات المغرب، ومهد الأسرة العلوية، التي تحكم المغرب منذ أربعة قرون. وكل هذا التنوع الجغرافي والغنى التاريخي يجعل الزائر يستمتع، أولا، بالغنى الحضاري لمدينة مكناس، التي صنفتها اليونسكو، منذ 1996، إرثا إنسانيا عالميا، وذلك قبل التوجه نحو باقي الوجهات السياحية بالجهة. يشار إلى أنه مع مجيء المرابطين ازدهرت مكناس، وظهرت بعض الأحياء أهمها القصبة المرابطية "تاكرارت"، كما شيدوا مسجد النجارين وأحاطوا المدينة بسور في نهاية عهدهم. وتحت حكم الموحدين عرفت المدينة ازدهارا عمرانيا، إذ جرى توسيع المسجد الكبير في عهد محمد الناصر (1199-1213م)، وتزويد المدينة بالماء بواسطة نظام متطور انطلاقا من عين "تاكما". وخلال العهد المريني شهدت المدينة استقرار عدد كبير من الأندلسيين قدموا إلى مكناس بعد سقوط أهم مراكز الأندلس.وقد شيد السلطان المريني أبو يوسف يعقوب (1269- 1286م) قصبة خارج مكناس لم يصمد منها إلا المسجد المعروف ب "لالا عودة". كما عرفت مكناسة الزيتون بناء مدارس عتيقة كمدرسة فيلالة، والمدرسة البوعنانية ومدرسة العدول، و مساجد مثل مسجد التوتة، ومسجد الزرقاء، وخزانة الجامع الكبير، ومارستان الباب الجديد، وحمام السويقة. وفي عهد الدولة العلوية، خاصة إبان فترة حكم السلطان المولى إسماعيل، استعادت المدينة مكانتها كعاصمة للدولة، بحيث عرفت أزهى فترات تاريخها.