يبدو أن الأسوأ ينتظر اسبانيا ، وأنها تجد نفسها اليوم،أكثر من أي وقت مضى، أمام خطر الانفصال الذي يهدد وحدتها الوطنية. وربما من باب استباق هذا الأسوأ ومواجهة ذلك الخطر،أعلنت بحزم أنها لن تسمح ولن تقبل في جميع الأحوال والظروف بإجراء استشارة شعبية حول انفصال إقليم كاتالونيا . الموقف الإسباني القوي جاء ردا على إعلان حكومة كاتالونيا التي قال رئيسها ، أرتور ماس،أنه تم الاتفاق مع مكونات الأغلبية بالبرلمان المحلي على تحديد موعد الاستشارة (يوم 9 نونبر من السنة القادمة .هذه الاستشارة تتمحور حول سؤالين لا ثالث لهما يتعلقان حول إمكانية أن تصبح كاتالونيا دولة وإمكانية أن تصبح دولة مستقلة. والجواب يكون بنعم أولا. أمام هذا الخطر المحدق بحكومة مدريد ، سارعت وزارة العدل بتأكيد أن السلطة المركزية لن تسمح أبدا بإجراء الاستفتاء لأنه بكل بساطة "ضد الدستور" وضد القانون الخاص بالحكم الذاتي في إسبانيا. وهو موقف جاء ليؤكد موقف الحكومة الإسبانية المعروف التي ما فتئت تردد أنها ستعارض ،بجميع الوسائل الشرعية أية عملية استفتاء حول استقلال محتمل لإقليم كاتالونيا عن الوطن الأم. المعارضة بدورها جاءت لتدعم موقف حكومة مدريد من خلال إعلان الأمين العام للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني،ألفريدو بيريز روبالكابا، رفضها التام لشيء اسمه الاستفتاء.واتهم أرتور ماس ،رئيس حكومة كاتالونيا المحلية ، بأنه يسير بالإقليم "إلى زقاق ضيق بون مخرج". كاتالونيا متشبثة بالانفصال عن مدريد بأي ثمن . وما زالت صور المسيرة الشعبية التي عرفتها مدينة برشلونة ،حاضرة في الأذهان ، خاصة أن منظميها كانوا يريدون من ورائها بعث رسالة إلى الحكومة المركزية تقول أنهم ماضون نحو إنشاء دولة وحكومة كاتالونية لا يربطها بمدريد سوى الخير والجوار. ويعتبر أصحاب هذا التوجه أن اسبانيا تستحوذ على خيراتهم ،"وتأكلهم" . أكثر من ذلك يقولون أنهم ليسوا إسبان ز بالطبع، وقد وجدت النزعة الانفصالية من يغذيها ويذكي لهيبها في الإقليم من سياسيين وغير سياسيين لدرجة أصبح الخروج إلى الشارع للتظاهر وإعلان الانفصال نوعا من الموضة يدعو للتفاخر والتباهي .ومن مظاهر ذلك استغلال مباراة الكلاسيكو الشهيرة بين ريال مدريد وإف سي برشلونة لإبراز حماس وعصبية البرساويين لإلحاق الهزيمة المرة بالفريق الملكي للمدريديين . المثير للانتباه أن عدوى الانفصال في طريقها لتصيب ، بدائها أو لعنتها ،كل الذين ظلوا يعملون على استنباتها وتصديرها إلى دول الجوار من دون أن يخطر ببالهم أن العدوى قابلة للانتقال والانتشار في أجسادهم . وعلى الذين أرادوها أن تكون بمثابة "مسمار جحا" في عقر المغرب أن ينتبهوا أن بذور الانفصال موجودة في تربة أوطانهم التي أنبتت جيلا يطالب بانفصال إقليمهم. وهذا موجود في دول الجوار المحيطة بالمغرب. حمادي الغاري