يتأكد يوما بعد يوم أن الحكومة ماضية في التنصل عن كل وعودها وبرنامجها الذي أقامت الدنيا من أجله ولم تقعده تطبيلا وتزميرا من أجل إشاعة جو من الحماس والتعبئة لدى الرأي العام تحت شعار "محاربة الفساد" ، في الوقت الذي يتحدث فيه المواطنون ، ومعهم وسائل الإعلام الوطنية ،عن مختلف أشكال وصور الفساد في مختلف المرافق والمناطق، والحكومة عاجزة عن فعل أي شيء. فهل تكفي وصفة "عفا الله عما سلف" لإصلاح ما أفسدته الحكومة؟ حين يتم الإعلان عن إجراء ويتم التراجع عنه إن لم نقل نسيانه بالمرة فهذا لا يطمئن المستثمر بل يخيفه ويجعله لا يثق في كلام حكومة تتخذ قرارا في الصباح لتتخلى عنه في مساء نفس اليوم . وهو تصرف من شأنه أن يذهب عنها المصداقية. هذه الطريقة هي التي ضربت "في العمق الوعود التي جاءت بها هذه الحكومة في البداية، وكان من شأنها أن تخلق جوا من الاطمئنان.. " على حد تعبير المحلل الاقتصادي نجيب أقصبي الذي أضاف بأن "تغيير خطاب الحكومة يعكس حالة من التذبذب الواضح ، وغياب الرؤية في كل المجالات لدى هذه الحكومة التي تقول شيئا اليوم لتتراجع عنه غدا." معضلة الحكومة أن الاستثمارات واقفة عند عقبة بنكيران ، والمقاولون سدت في أوجههم "البيبان" لدرجة لم يجدوا أي باب يطرقونه للإفراج عن مستحقاتهم ، والأدهى من ذلك أن رئيس الحكومة أمر الإدارة ب"إغلاق الصنابير" وتوقيف المستحقات للمقاولين. الغريب في الأمر أن بنكيران الذي رفع شعارات شعبية ، من قبيل "بنانة لكل مواطن" من خلال جعل سعرها في المتناول ؛ وتمكين "الهجالات" من ألف درهم شهريا ؛ ورفع "السميغ"(الحد الأدنى للأجور) إلى ثلاثة آلاف درهم؛ ومحاربة الرشوة والمحسوبية والزبونية في الشغل والتوظيف و"لكريمات" والمقالع والغابات ... وجد نفسه يسقط سقوطا مدويا في الشعبوية. كان الرجل يبحث عن شعبية جارفة ليسقط في شعبوية صارخة . إن المغاربة حين تقول لهم أنك ستفعل كذا وكذا ثم يكتشفون أنك تكذب عليهم ،يضربون عنك صفحا إن لم يكن صفعا . في هذا الصدد ،لم ينس المواطنون كلام بنكيران حول إصلاح المقاصة ،فإذا بهم يتفاجأون ذات يوم بالزيادة في أسعار المحروقات التي تناسلت عنها زيادات في مختلف المواد . إزاء هذا الوضع ، تفتقت عبقرية البعض على حل عجيب يتمثل في التخفيض من وزن المواد التي يتاجرون فيها بعدما يئسوا من الحصول على اتفاق مع الحكومة حول الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية، وغيرها من الحلول الحالية والمستقبلية التي قد تفرض نفسها فرضا أمام التلكؤ المستمر للحكومة في عدم التحرك لتنزيل شعارات الإصلاح التي ظلت ترددها منذ وصولها إلى السلطة. هذه هي الطريقة الشعبية ،عفوا الشعبوية في الإصلاح ومحاربة الفساد . وهي طريقة غريبة عجيبة تميز أسلوب وطريقة بنكيران في تسيير الشأن العام .ولا حول ولا قوة إلا بالله.