بلغ غضب الأمن والجيش التونسيين أوجه من النظام التونسي الحاكم الذي يسيطر عليه حزب حركة النهضة الاسلامية بتحالف استعراضي مع حزبين علمانيين صغيرين لا تأثير لهما على مركز القرار، بينما البلاد تغرق في أتون إرهاب بتواطؤ مباشر او غير مباشر من الحزب الإسلامي الحاكم ومن حليفيه، كما يقول مراقبون. ولم تغب مشاهد غضب الأمنيين عن حفل تأبين عوني الحرس الوطني التونسيين الجمعة عندما أطرد عدد من عناصر الشرطة التونسية الحاضرين في الحفل، قيادات ما يصطلح عليها بالترويكا الحاكمة من إحدى ثكنات الأمن بتونس العاصمة أين جرى حفل التأبين، ومنعوهم من حضور الحفل. ووجه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس الوزراء علي العريض ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، بصيحات استهجان من قبل متظاهرين بعضهم بالزي العسكري وبعضهم الآخر بالزي المدني، لدى وصولهم الى مكان تأبين اثنين من عناصر الحرس الوطني في ثكنة العوينة في ضواحي تونس. وهتف المتظاهرون من ممثلي النقابات وبعضهم كان بالزي النظامي والاخر باللباس المدني، "ديغاج" (ارحل) و "جبان" في وجوه المسؤولين الثلاثة ما اجبرهم على مغادرة الموكب الذي نظم بثكنة الحرس الوطني بالعوينة بالعاصمة التونسية. وغادر الرؤساء الثلاثة المكان بعد تعرضهم لنحو 20 دقيقة لصيحات الاستهجان، دون ان ينبسوا ببنت شفة. وقال احد المحتجين "لن نقبل بعد الان حضور السياسيين". ورفع المتظاهرون ايضا لافتات تطالب بقوانين "تحمي الشرطيين". ولجأ القادة الثلاثة الى مكتب في الثكنة وبقوا فيه نحو عشرين دقيقة وسط صيحات الاستهجان، ليقرروا بعدها الانسحاب من المكان وعدم المشاركة في التأبين دون الادلاء بأي تصريح. وقالت مصادر تونسية مطلعة إن صبر الأمنيين والعسكريين وقياداتهما على تقاعس الحكومة الاسلامية في إطلاق أيديهم لمواجهة أخطبوط الإرهاب الذي القى بأحابيله في مختلف أركان البلاد مستفيدا من ردود أفعال حكومة النهضة التي يقولون عنها انها ردود أفعال ترتقي إلى التواطؤ سيما وأنها سعت الى التهوين من كل التحذيرات التي اطلقتها مختلف قوى المجتمع التونسي ومن حقوقيين وسياسيين معارضين وأمنيين وعسكريين حول خطورة الإرهاب وضرورة التصدي إليه واجتثاثه من الجذور قبل أن يستفحل في البلاد. ويرى الأمنيون والعسكريون أن أخطاء حكومة النهضة وتقصيرها في مجالات التنمية والانفتاح السياسي على قوى المجتمع المدني والأحزاب المعارضة لإنقاذ تونس من حالة التدهور الشامل التي تعيش على وقعها، قد زاد في الأعباء الأمنية الموضوعة على عاتق المؤسستين الأمنية والعسكرية. وتحاول تونس ارساء الاستقرار منذ ثورة كانون الثاني/يناير 2011 التي اطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي. لكننها تتخبط في ازمة سياسية عميقة منذ نهاية تموز/يوليو تاريخ اغتيال النائب محمد البراهمي الذي نسب الى مجموعة اسلامية مسلحة. وتأخذ المعارضة والقيادات الأمنية والعسكرية على الحكومة التي يقودها اسلاميو حركة النهضة تسامحها مع التيار السلفي. وتقول نفس المصادر إن القيادات الأمنية والعسكرية تعلم بكل تفاصيل المؤامرة والمكائد التي تستهدف مؤسستيهما من قبل الحزب الحاكم الذي يعمل ليل نهار على ضرب وحدتهما في الصميم. ووفقا لذلك، تضيف المصادر إن القيادات الأمنية لا يمكن أن تصدق أن شعارات التعاطف والتأييد والمواساة التي يطلقها البعض من قيادات الأحزاب الحاكمة وخاصة حزب النهضة والتي يستخدمونها للاستهلاك الشعبي ولإخفاء حقيقة ما يضمرونه لأهم مؤسستين تساهمان في استقرار تونس. وتتعرّض المؤسسة الأمنية الأمنية التونسية ولا تزال الى هجمة شرسة غير مسبوقة في تاريخها، من حرق مقرّات أمنية، وإفراغها من العديد من كفاءاتها تحت غطاء التطهير، دون أي دليل إدانة. ويقول مختصون في شؤون الحركات الإرهابية إن السلطات الحاكمة في تونس عملت بنية مبيتة على حرمان المؤسستين من الامكانيات المادية اللازمة لمواجهة خطر الإرهاب، بعد أن تمّ تسهيل تمركزه وتغلغله في المجتمع، وتيسير المسالك التي يتحرك عبرها نحو معسكرات التدريب دون رقيب. ويشتكي عدد من الأمنيين من اختراق حزب النهضة للمؤسسة الأمنية، حتى أن أحد المنتمين الى الحزب الإسلامي نشر مؤخرا كامل تفاصيل اجتماع قيادات أمنية عليا وضعت خطة لمواجهة الخطر الارهابي وتغلغله في تونس. ويرجح محللون أن المؤسسة العسكرية التونسية بدورها لن تبق مكتوفة الايدي أما ما تصفه بالمؤامرة على وجودها وتماسكها من جهة حزبية حاكمة. وقالت مصدر عسكري رفض الكشف عن اسمه إن "ذبح جنودنا بجبل الشعانبي والتلغيم المريب للعربات العسكرية ليس إلا خطة واضحة المعالم تهدف الى اضعاف هذه المؤسسة وضرب معنوياتها وافقادها الثقة في قدرتها على حماية البلاد والعباد". ويقول أمنيون وعسكريون إن ما حدث مؤخرا بجندوبة وقبلاط والقصرين وغيرها من المناطق التونسية قد اثار غضبا واحتقانا غير مسبوقين لدى الجهازين الأمني والعسكري، خاصة مع وجود تردّد واضح ومكشوف في توفير الإمكانيات المادية لمقاومة الارهاب رغم ارتفاع درجة خطورته، وعدم توفير الحماية القانونية للأمنيين عند مباشرتهم أعمالهم، وعدم تفعيل قانون الارهاب. ويقول مراقبون للوضع الأمني في تونس إنه "لا أحد حاليا بإمكانه التنبؤ بتداعيات غضب الأمنيين وهم يشاهدون بصفة تكاد تكون يومية دماء زملائهم تراق بسبب إهمال سلطات حاكمة كشف عن خلال الفترة التي حكمت فيها البلاد عن كثير من عدم المسؤولية في تقدير الأخطار التي تحدق بالبلاد". ميدانيا، أكد مصدر عسكري استمرار العمليات العسكرية في أحواز مدينة قبلاط التي قتل فيه الخميس عوني حرس. وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسة توفيق الرحموني إنه تم إلى حد هذه الساعة القضاء على 9 إرهابيين فيما سلم عنصر آخر نفسه كما تم العثور على كميات كبيرة من المواد الأولية المستعملة في تحضير المتفجرات في منزل الإرهابيين وفي ضيعة مجاورة. واضاف الرحموني انه تم العثور "على حوالي طنين من المواد الاولية المستعملة في صنع المتفجرات منها ما هو جاهز للاستعمال بالإضافة الى حقائب مليئة بالذخيرة وتجهيزات للرؤية".