كان الناس ينتظرون حدوث أمر جلل داخل حزب الاستقلال، لكن لما تبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود بطلوع بلاغ لجنة التحكيم والتأديب الذي أخبرهم بتاريخ "محاكمة" السيد محمد الوفا – الذي لم يعد أخا – وتحديد زمانها ومكانها مع الإلحاح على إشعار المعني بالأمر في مقر عمله وسكناه، عملا بالمثل القائل "إن هرب من هنا سنجده هناك"، تناسلت الأسئلة وتناثرت حول ماذا يمكن أن يتم في هذه "المحاكمة" الرمضانية . لكن الوفا، الذي اتهمه الحزب بعدم الوفا، قطع كل الخيوط والخطوط، وترك أعضاء اللجنة ينتظرون طلعة الوزير المتمرد الذي "وضع لهم البيضة في الطاس"، وأغلق عليه الأبواب والنوافذ ليدخل في حالة اعتكاف (في هذا الشهر الكريم) تغنيه عن لغط جلسة محاكمته التي قد تطول وتصل إلى وقت السحر. ومن باب "شهدو عليه"، قررت لجنة التأديب، وهي في أوج "ترمضينتها"، استدعاءه مرة أخرى وأخيرة للمثول أمامها وإلا فإن سيف الطرد سينزل على الوزير المتابع بعدة اتهامات، لعل أخفها عدم الانضباط لقرارات الحزب (كم يوجد من منضبط حقيقي في أحزابنا؟) وأثقلها التمرد على قرارات الحزب العتيد (كم من واحد تمرد ..؟). الوفا يعرف حزب الاستقلال أكثر مما يعرف الكثيرون في حزب علال؛ فالرجل نما وترعرع وشب وكبر في أحضانه، وعايش أزهى وأخطر المراحل التي مرمنها الحزب في الوقت الذي كان فيه المناضلون الحقيقيون يتم حشرهم في "الخناشي" قبل اختطافهم؛ ثم إنه كان على علم بما يبيت له، خاصة أن قرار طرده من حزب زعيمه وصهره الكبيرعلال الفاسي، تم تسريبه من مركز باب الأحد، وكان معروفا لدى الخاص والعام، لدرجة فقدت معها "المحاكمة" قيمتها و"حلاوتها" إن كان للمحاكمات حلاوة. كان متوقعا أن الوفا لن يحضر لجلسة "محاكمته" ولو كان ما كان، اعتقادا منه أن حضوره سيعطي شرعية لقرار شباط بمتابعته، وبالتالي سيزكي عمل اللجنة المختصة التي كانت تنتظر على أحر من الجمر حضور الوزير المتمرد ورفع الورقة الحمراء في وجهه، ليسجل بذلك آخر دخوله لمركز باب الأحد وآخر خروج منه. والوفا، الذي دخل من الباب الكبير للحزب، لن يرضى بالخروج من النافذة في آخر أيامه. ألم يقل إن قرار إعفائه أو إبقائه بيد الملك، وإن شباط ليس له يد في تعيينه وزيرا؟ لقد بلغت "ترمضينة" شباط درجة كبيرة من الحدة في مقياس الغضب، واغتاظ كثيرا لعدم التحاق الوزيرالوفا ببقية زملائه الذين وقعوا على تقديم استقالتهم من حكومة بنكيران. وقيل أن هناك من وقع على مضض. يقول العارفون بشؤون حزب الاستقلال إن قرار الطرد كان معدا سواء حضر الوفا أو لم يحضر. المهم إعمال القانون "على عينين الناس". وتم ما كان على ما يرام. خلاصة الكلام أن "القربلة" المنتظرة لم تقع، لأن الوفا فضل ترك الجمل بما حمل في انتظار أن تتحسن الأحوال المناخية بمركز باب الأحد.