كد حزب الأصالة والمعاصرة، بإسقاطه للميزانية الفرعية لوزارة التجهيز والنقل بمجلس المستشارين، أكد مرة أخرى أنه حزب يقود المعارضة ويستعمل جميع الأوراق التي تمنحها له الظرفية السياسية لإبراز مواقفه وقوته كمعارضة قوية، وإذا كان البعض يسميه بالوافد الجديد كما كان البعض يسمي أحزاب اليمين بالأحزاب الإدارية، وإذا كان البعض يسميه حزب صديق الملك كما كان يسمي حزب التجمع الوطني للأحرار حزب صهر الملك، وهي كلها مسميات سياسية تهدف في واقعها إلى خلق البلبلة والهروب من الواقع إذا كان ذلك كذلك فإن جزء من الناخبين الصغار والكبار اختاروا هذا المكون السياسي ليعبروا عن طموحاتهم. وإذا كانت الديمقراطية هي وعاء لكل الأفكار والتيارات والنزعات وحتى الإرهاصات فإن المواطن الذي يقبل بممارسة حرية الرأي فإنه من حقه أن يختار الحزب السياسي الذي يريد مهما كانت سحنته السياسية وأصوله الفكرية. إن ما وقع في مجلس المستشارين يدعو من جهة إلى الشفقة على الأغلبية لأنها لم تدرس الحدث بكل الجدية المطلوبة ولم تعره الاهتمام السياسي والاجتماعي اللائق وإلا ما معنى ألا تتمكن من جمع عدد ضئيل من المستشارين لتمرير الميزانية الفرعية لوزارة التجهيز والنقل، ميزانية يعلم المغاربة أنها ميزانية فرعية لوزارة أثارت جدلا لمدة سنتين وأضاعت الملايير بفعل الإضرابات وحولت المغرب إلى حالة الطوارئ في أحيان كثيرة وإلى ارتفاع الأسعار وإلا فإن إسقاط الميزانية كان بفعل فاعل لا نقول إنه الأغلبية ولكن حزب الاستقلال الذي يقود الأغلبية والذي ينتمي الوزير غلاب إلى صفوفه. وفي المقابل فإن إسقاط الميزانية الفرعية يؤكد أن الأصالة والمعاصرة حزب قوي قادر على استعمال المخزون النضالي لبعض أعضائه الذين خبروا النضال السياسي وأساليب المعارضة وآلياتها ومنها اقتناص اللحظة الذكية وبالتالي ممارسة الفعل السياسي في اللحظة المطلوبة، وهكذا عندما لاحظ أن اللحظة مواتية لإسقاط ميزانية أسقطها وسجل نقطة إضافية في صراعه مع حزب الاستقلال الذي يحاول تعليق مشاكله على الأصالة والمعاصرة وليس على سوء تنظيمه وسوء تعاطيه مع الشأن العام. إن القانون المالي والميزانية العامة للدولة مهددة بفعل تعاطي الحزب الأغلبي معها بالسقوط لأنه إذا كانت أغلبية عباس الفاسي غير منسجمة وتمارس السياسة السياسوية ولا تفرق بين الحملات الانتخابية السابقة لأوانها وبين العمل الإستراتيجي والذي تدخل ضمنه الميزانية العامة باعتبارها البوصلة التي تحدد عمل الحكومة لمدة سنة وهي التي يسير عليها المغاربة في النقد والادخار والاستثمار والصناعة والتجارة والتربية والتعليم والصحة وغيرها. فهل سيتحرك حزب الاستقلال ليراجع دروسه السياسية ويفهم أن الهروب إلى الأمام وتصعيد المطالب من قبيل التلويح برسائل إلى جلالة الملك ومدكرة الإصلاحات الدستورية لم تعد تجدي نفعا في مغرب الألفية الثالثة ولم تعد تجد لها موطئ قدم في مغرب مسيرة الثلاثة ملايين مواطن الذين حجوا للدارالبيضاء للتعبير عن استعدادهم للدفاع عن الوطن ومقدساته. إن حزب الاستقلال إذا كان يريد أن يرفع سقف مطالبه ليستمر في حكومة ما بعد 2012، فإنه لا أحد يمنعه من ذلك إذا منحته إياه صناديق الاقتراع. لكن للمغرب ديمقراطية وللمغرب آليات التنافس الحر وللمغرب أساسا رزمانة من الاستحقاقات أهمها العدو الخارجي الذي يتربص بنا ولا يريد لنا التقدم والرقي. فهل سيوظف حزب الاستقلال إمكاناته لمواجهة خصوم المغرب وهل سيستيقظ من سباته السياسي أم شيوخ الحزب يحنون إلى زمن الغفوة والسير البطيء ويحنون إلى فترة الحزب الوحيد الذي يمتلك وحده الحقيقة؟