عندما قُصِف البرجان في مدينة نيويورك في 11 شتنبر من سنة 2001، وتبيَّن أن المدعو "ابن لادن" هو من قام بذلك العمل المتهوّر باسم الإسلام، قلتُ لأصدقائي الأعزاء الذين بدت عليهم علامات نشوة انتصار وهمي، إن خطأ فادحا قد ارتُكب، وسوف نؤدي ثمنه غاليا، بعدما أُعطيت المبررات الكافية والشافية للغربيين؛ وبذلك أسدى "ابن لادن" خدمة للأمريكان لا تقدّر بثمن؛ فهو فعل من حيث لا يدري ما فعله اليهودي "هيرشل كروسبّاند" حين قتل الدبلوماسي الألماني "فون رات" في باريس، وكان ذلك ما ينتظره النازيون للفتك باليهود حيثما وُجِدوا؛ وهكذا وبعد 48 ساعة، انطلقت عمليات اضطهاد اليهود، وكانت أولاها "ليلة الزجاج المكسور" الرهيبة سنة 1938، وبدأ إعلام "غوبلز" عمله المعتاد، ثم القصة معروفة للجميع.. كنت آنذاك صوتا شاذّا ونشازا بين الأصدقاء والزملاء، وما زالوا يذكرون ذلك، فكانوا يقمعونني قبل أن أتحدث، لأني لم أفرح، "بغزوة نيويورك"، ثم جاءت الأحداث المروّعة التي تلت الخطأ الفادح، وصار بإمكان كل مواطن أن يطرح السؤال: من منا كان على حق؟ من منا كان على خطإ؟ صار المسلم يختبئ كما كان اليهودي يفعل أيام النازية.. صارت اللحية والجبَّة تطاردان كما طوردَت القَلنسوة والنجمة السّداسية ذات يوم.. صارت المصاحف تدنّس وتُحرق، كما أحرقت ومزّقت "التوراة" في شوارع ألمانيا ذات يوم، وسط احتفالية حاشدة.. صارت المساجد تدمَّر، كما دُمِّرت كنائس، ومن بينها أكبر كنيس في أوروبا وكان يوجد في ميونيخ، بحيث حوّله النازيون إلى مرآب للسيارات.. وبعث "هتلر" مصوّره الشخصي ليأخذ صورة فوتوغرافية لستالين ليرى إن كانت شحمة أذنه متدلية كاليهود أم مندفعة إلى الأمام كباقي الأجناس التي ليست سامية، وكان "هتلر" يبحث عن مبرّرات لاجتياحاته.. في خطاب له بقصر الرياضة قال "هتلر" بالحرف : "الإرهاب لا يردّ عليه إلا بالإرهاب"، ودوّت هذه العبارة في أوربا بأسرها، وأذكى نارها الملتهبة إعلامُ "غوبلز" المضلّل، وانتشرت عبارة "أختونغ يودَنْ" يعني [احذروا اليهود] تماما كما هو الشأن اليوم بالنسبة إلى المسلمين، حيث انتشر مصطلح "إسلاموفوبيا".. لم يقنع "ابن لادن" بذلك، بل زاد من ظلاميته عبر عمليات إرهابية في لندن، ومدريد، والدار البيضاء، والقاهرة، وعمان، وغيرها، باسم دين يحرّم الغدر، والمكر، والخديعة.. ومرة أخرى، يلعب "ابن لادن" دور "ابن العلقمي" الذي مكّن المغول من دخول بغداد، وتدميرها، مع قتل الخليفة، واستباحة نساء المسلمين، وأعراضهم، وأحرقت الكتب النفيسة، وسرقت خيرات البلاد.. ذاك ما حدث مرة أخرى سنة 2003 في بغداد "بفضل" "ابن لادن"، حيث دمرت مدينة الرشيد وقتل صدام حسين يوم عيد الأضحى المبارك، وسوف يسجّل التاريخ ذلك، بمداد أسود، سواد أفعال وقلوب من تسبّبوا في ذلك.. يا ليت البلاء ظل منحصرا في أرض كربلاء، بل إنه اتسعت رقعتُه وكأن الإسلام هو المستهدف من طرف من يدّعون الانتساب إليه.. قامت [جماعة طالبان] والتي زعيمها هو صهر "ابن لادن" بتفجير تمثال "بوذا" وكأن ذلك التمثال هو الأصل في كل مآسي المسلمين، وكأن "الطالبان" هم أكثر إسلامًا من الصحابي الجليل "الأحنف بن قيس" فاتح خراسان الذي لم يأمر بتدميره، احتراما لمقدسات الغير.. كانت "طالبان" قد أعطت بدورها مبررا لأعداء الإسلام لمنع المآذن وتدنيس المصاحف مع العلم أن البوذيين مسالمون وهم بالملايين، فلماذا نجعلهم أعداء لنا.. وهكذا قدمت لأعداء الإسلام مبررات وصار زَيْنُ الأديان يدان في كل البلدان؛ وصار المسلمون إرهابيين، وجب طردهم من العمل ومنعهم من الوظائف.. صار المتربّصون بالإسلام يختلقون أشبه القضايا كمسألة الحجاب، واللّحية، والجلباب، وظلامية الكتاب؛ وبرز خطباء جهلاء يدعون من فوق المنابر : "اللهم إلعن اليهود والنصارى..« ونسوا قوله تعالى : "إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى والصابئين، مَن آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحًا فلهم أجرُهم عند ربهم، ولا خوفٌ عليهم، ولا هم يحزنون." سورة البقرة؛ آية 62، ثم سورة المائدة؛ آية 69.. وبهذا كان علينا أن نجادل أهل الكتاب، وليس باللّعن والإرهاب.. ولكن... محمد فارس