يصعب على المرء ان يتلقى خبر وفاة أستاذ وصديق بحجم أحمد تفاسكا ولا يفي للشخص حقه ولو بكلمة اعتراف، إنه واحد من أحسن الباحثين الموثقين في المغرب في مجالات الفلاحة والاتصال والدراسات السوسيو اقتصادية . كل خريجي المعهد العالي للصحافة في الفترة من 1981 إلى 2005 يذكرون عنه جديته المفرطة وصرامته الكبيرة في الدرس والبحث والتحصيل، وقليل منهم من عرفه عن قرب جدا لكي يلمس كرمه وكرامته وطيبوبة قلبه التي فاقت كل حد. عملت إلى جانبه برفقة زمرة من أصدقائي في أكثر من مشروع ولا يمكن أبدا أن أنسى حسن أخلاقه ودقة ملاحظاته وبعد نظره، وكان آخر ما تفقنا حوله قبل حوالي شهرين فقط من اليوم هو مشروع تواصلي لخدمة مستخدمي تكنولوجيا الاتصال. فرحمة الله ومغفرته على فقيد الإعلام والاتصال، ولم أجد ما أكرمه به ضمن هذا المكتوب غير إعادة نشر واحد من كتاباته الكثيرة وقد اختار لها الراحل العنوان المذكور أعلاه ونشره سنة 1998 في جريدته "الأرض والحياة" التي كنت واحدا ممن ساهم في انطلاقتها، ورغم أن عمر المقال تجاوز أثنا عشر سنة فإنه يبدو للقارئ وكأنه كتب اليوم فقط لأن القضايا المطروحة فيه تفرض نفسها بقوة في ظل استمرارية التبذير والإنفاق السائب : "تعتبر اللامركزية في التسيير وفي توزيع الثروات الوطنية وفي الاستفادة من فرص التنمية بين مختلف الجهات، ووقف استنزاف المال العمومي عبر التقليص من المصاريف الحكومية ومحاربة التبذير، بتدبير عقلاني حكيم للموارد المالية الوطنية، من الشعارات الكبرى للحكومة الحالية. وتعكس هذه الشعارات نظرة واقعية مستمدة من منطق تطور الأشياء. فنحن لا نستطيع أن نعيش في عالم اليوم بوجهين : وجه يمثله المغرب النافع أو المغرب المحظوظ ، يحتكر القسم الأكبر من ثمار الجهود التنموية الوطنية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وينفق عليه بسخاء من المال العمومي دون رقيب أو حسيب، ووجه يمثله المغرب غير النافع أو المغرب المنسي الذي تتشكل ملامح جانبه القروي من مخلفات أجيال من النسيان والحرمان، قامت تنميته لعدة عقود على مساهمات سكانه بإمكانياتهم الذاتية، في بناء المدارس وشق الطرقات وحفر الآبار وجلب وتنظيم مياه السقي، وركزت الدولة جهودها التنموية في تأطير المواطنين إداريا. ففي الوقت الذي تفصل فيه بين التلميذ والمعلم مسافة عدة كيلومترات، وبين المواطن والممرض عشرات الكيلومترات، وبينه وبين الطبيب بضع مئات من الكيلومترات، وتلد فيه المرأة الحامل دون رقابة طبية، نجد المسافة بينه وبين الشيخ، النواة القاعدية الإدارية، لاتتعدى في بعض المناطق بضع عشرات الأمتار. لكن، هل نستطيع تغيير هذا الواقع إذا لم نكن واقعيين ومدبرين حكماء، قولا وفعلا، في القضايا الكبري والصغرى على السواء، وفي القضايا المحلية والوطنية. هل بمكن أن نقوم بإصلاحات تضع حدا لامتيازات كنا بالأمس نعتبرها غير أخلاقية حين كان يتمتع بها آخرون، ونواصل نحن اليوم الاستفادة من نفس الامتيازات بحجة أنها امتيازات وظيفية موروثة؟. هل يمكن أن يصدق المواطنون جدية القول بالعمل على ترشيد نفقات الدولة وصيانة المال العمومي من التبذير، وهم يرون بعض وزراءنا ينفقون في تنقلاتهم التاريخية، وخاصة في مناطق المغرب غير النافع، أو المناطق الصعبة، مبالغ خيالية قادرة علي المساهمة في تنمية التشغيل وإنقاذ بعض المؤسسات التنموية في المنطقة. وهل يمكن لسكان هذه المناطق تصديق تحليلات عن اللامركزية في تنمية وفي توزيع الثروات، وهم يرون بجانبها قرارات تنموية تاريخية، لاتخدم عمليا سوى مصالح فئة من سكان المغرب النافع، وتضر بمصالح سكان المغرب غير النافع. إن العقلنة وقواعد التدبير الحكيم والغيرة الوطنية تمنعنا من أن نكيل بمكيالين : أن نكون عقلانيين وحكماء في تدبير القضايا البعيدة عنا وذاتيين إلى درجة اللاأخلاقية في القضايا التي تتعارض مع مصالحنا الشخصية. إن من حق كل مواطن بل ومن واجبه أن يكون يقظا وحذرا من الشعارات، وأن يستخلص الدروس من تجارب الإصلاحات المالية السابقة.... لقد مرت الآن 7 شهور على تسلم الحكومة الحالية لمهامها، ولم يتجاوزت الفعل الحكومي مرحلة التعرف على المشاكل والقضايا المستعجلة، والتفهم لمشاكل المناطق المحرومة، مما يدفع إلى التساؤل حول الأسس المعرفية لمجمل التحاليل والتصورات التنموية التي كانت تقدم كبديل للسياسات التنموية السابقة. من المؤكد أن على الإنسان أن يكون طوباويا ليعتقد أن في الإمكان تغيير الوضع الراهن بسهولة وبسرعة، لكن يجب أن يكون ساذجا كذلك ليعتقد بأن 7 أشهر غير كافية للشروع في عملية وقف نزيف الاقتصاد الوطني المتمثل في التبذير المقنن بمختلف أشكاله : من الرواتب الخيالية لبعض الفئات من الموظفين في أجهزة الإدارة وفي المؤسسات الاقتصادية الوطنية، والتي لاشك أن المواطنين ينتظرون تخفيضها وليس تجميدها، إلى نفقات البذخ والأبهة في التظاهرات الحكومية...، إلى مواصلة الاستفادة من مجمل الامتيازات الموروثة".