جورج جحا في مجموعة الشاعر المصري محمود قرني قصائد تحفل بالصور ذات الغرابة التي تخلق دهشة واحيانا ما قد يخلق شعورا بالمفاجأة نتيجة التلاعب الفني بمنطق الاشياء او الاحداث والانتقال غير المتوقع الى نتيجة ما او الى تصور ما. في القصائد كثير من الفكري لكن محمود قرني يطل على هذا الفكري لا من ابواب التحليل المقطب البارد بل من //نوافذ// الغرابة والسخرية المرñة. عند الشاعر موسيقى غير //تقليدية// اي دون الاعتماد العمودي على وزن وقافية سواء وحيدين او متنوعين فعنده عودة بالقصيدة الى ما تحدث عنه شعراء قصيدة النثر في البدايات وما سمي //الموسيقى الداخلية//. الا ان موسيقى قصائد محمود قرني ليست //مكتومة// شبه خفية نلتقيها بين فترة واخرى على //مفترقات// القصيدة بل هي نتيجة نمط كتابي مختلف يعطى اهمية لطول //السطر// وقصره ولترتيب السطور في نهج يجعلها تؤدي الى بروز موسيقي كثيرا ما نجده مترافقا او متكاملا مع الصور. مجموعة السمات هذه فضلا عن افكار وخواطر ايضا تؤدي بنا الى ما ربما جاز لنا ان نسميه //ماغوطية جديدة// والتعبير هنا هو على نمط ما استعمل مثلا في الفلسفة القديمة في الحديث عن الافلاطونية نسبة الى افلاطون وعن الافلاطونية الجديدة او الافلوطينية نسبة الى افلوطين. والمقصود بهذا ليس اكثر من محاولة ايضاح فكرة. ومع كل خصوصية اشعار محمود قرني فهناك حضور جلي لمحمد الماغوط نبضا وروحية وسخرية وغرابة في المجموعة. نلمح في بعض القصائد اثر انتساب لا الى الماغوطية فحسب بل الى روحية بعض اهم شعراء الحداثة في القرن المنصرم وفي شكل خاص احد الاباء الكبار الشاعر البريطاني الامريكي الاصل ت.س. ايليوت. ووسط سمات النسب هذه وغيرها بل بما يتجاوزها يطل محمود قرني بقامته الشعرية وصوته وصوره و//محتويات// قصائده. انها قصائد تقرأ بشغف واهتمام ومتعة. المجموعة التي ضمت ما لا يقل عن 15 قصيدة في 87 صفحة متوسطة القطع صدرت عن /دار التلاقي للكتاب/ في القاهرة وبلوحة غلاف للفنانة العراقية سهير السلمان. في القصيدة الاولى //ابناء الله// تصوير لمرور الايام وافول العمر ولاستمرار الحياة باشكال اخرى وبجو مؤثر يضعنا في عالم الاغنية الانجليزية الشهيرة //في الحانة// والتي تتحدث عن الايام الماضية وتقول //كانت تلك هي الايام التي خلنا انها لن تنتهي.// يقول الشاعر في نبرة حزن //ذات يوم/ سنمرñ من هنا/وسوف يتحدث اناس غيرنا /عن اثار اقدامنا/ سيقولون /اه من هذا الموجع الدامي.../ النسيان..../الذي يطل من عينين في شباك/ومن شباك في حانة /ومن حانة في كتاب التاريخ /تلك الحانة/ التي سكرنا فيها...// في قصيدة //نزهة خلوية مع الموت// يقول الشاعر //ساحفر قبري هنا / لاسباب لا استطيع الافصاح عنها/ سيكون بين البيت والحقل... /ساترك تحية كان عليñ ان اوجهها للرفاق/رغم انهم بصقوا جانبا عندما مررت بهم.../ والاخوة الذين اعدوا اعلام الوراثة /ممهورا بخاتم الوصاية /ساترك لهم ثعبانا /في سلة الفاكهة.../ ولما رجعت ذات يوم الى قريتي /وتأكدت انها مازالت جزءا من فصاحتي/ استوقفتني الغربان بصرخاتها /فانتزعت مسمارا كان في رأسي /كان قد خلد الى الراحة...// في //الجنرال يموت مرتين// وقصيدة تابعة لها يحملني محمود قرني الى اكثر من خريف لاكثر من //بطريك// واحد. في //شجرة المعرفة// ما يذكرنا باجواء من قصيدة ايليوت //الرجال الجوف// على رغم تناقض في وصف هؤلاء واولئك وان كان الحالان حالان من الموت الرمزي احدهما في تفاهة مدوية متعاظمة والاخر في عكسها.يقول محمود قرني //الشعراء الرفيعون /ماضون الى اشغالهم /يسهرون فوق التل/ يتقدمون مواكبهم/ فرادى وجماعات .../ يجتازون الوادي وهم يترنمون .../ ويتحدثون بشموخ /عندما يمر عليهم الغرقى /ويسألونهم / اين الطريق .../ ورغم ان احدا /لم ينتبه الى وجودهم /ما زالوا /على قيد الحياة.//