عبد القادر الحجاجي ) الرباط 9/ 11/ ومع/ يبقى حق المريض في الاستشفاء رهينا بحق الولوج للخدمات الصحية وللأدوية, وهو أمر لا يقبل تطبيق مفاهيم من قبيل المنافسة وحرية الأسواق, على الأدوية كما يتم تطبيقها على غيرها من المنتجات. غير أن حق الولوج إلى الخدمات الصحية والأدوية, الذي يعد من بين العوامل التي تساعد على التطور الاجتماعي, تعترضه في المغرب عراقيل ترتبط بالأساس بالارتفاع الكبير لأثمنة الدواء, مما قد يؤدي إلى حرمان العديد من المرضى من العلاج وبصفة خاصة الطبقات التي لا تتمتع بالتغطية الصحية. وفضلا عن التداعيات السلبية لارتفاع أثمنة الدواء على القدرة الشرائية, فإن هذه الإشكالية تعرقل أيضا مطمح توسيع نظام التغطية الصحية, الذي يعد من بين المكتسبات الاجتماعية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة بالمغرب, ليشمل شرائح اجتماعية جديدة. هذه الإشكاليات وغيرها من المشاكل الأخرى المرتبطة بتأثير غلاء الدواء على المنظومة الصحية بالمغرب, استوقفت المهمة الاستطلاعية التي أحدثتها لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب حول "ثمن الأدوية بالمغرب", حيث خلصت في تقرير تم عرضه مؤخرا أمام اللجنة إلى أن أثمنة الدواء مرتفعة جدا مقارنة مع دول أخرى مجاورة وأنه يمكن خفضها, مقترحة مجموعة من الإجراءات يتعين على السطات المعنية اتباعها للوصول إلى هدف خفض ثمن الأدوية وبصفة خاصة المكلفة. وللوصول إلى هذا المبتغى الشعبي, اقترحت المهمة الاستطلاعية إجراء مستعجلا يتمثل في استعمال نظام "الرخص الإجبارية" بالنسبة للأدوية التي ما تزال خاضعة لبراءة الاختراع ; وهي "مسطرة قانونية ومنسجمة مع توصيات منظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية, كما أنها لا تتعارض مع اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب". كما أوصت المهمة بالتوقف الفوري عن التعويض عن كل دواء مكلف يوجد مماثل له أرخص ثمنا تحت علامة مختلفة, مشيرة إلى أن هذه الوسيلة جد فعالة لخفض ثمن وتكلفة هذه الأدوية. وعلى المستوى المؤسساتي, طالب التقرير بأن لا تبقى مسؤولية تحديد ثمن الدواء من اختصاص وزارة الصحة وحدها, بل أن يوكل لهيئة تضم, زيادة على هذه الوزارة, هيئات التغطية الصحية والمهنية للأطباء والصيادلة ومجلس المنافسة. وشدد التقرير على ضرورة أن تضع الهيئة مسطرة جديدة لتحديد ثمن الدواء تشكل قطيعة مع المسطرة الحالية, مع القيام بمراجعة جميع الأثمنة الحالية, اعتمادا على المسطرة الجديدة, وعلى إعادة النظر في نسب التعويض عن الأدوية التي تحددها التغطية الصحية بهدف تشجيع الأدوية الأقل ثمنا وليس العكس كما هو الأمر حاليا, مؤكدة, في الوقت ذاته, على ضرورة وضع سياسة وطنية للدواء. وسجلت المهمة الاستطلاعية النيابية أن من شأن تطبيق هذه التوصيات خفض التكلفة الإجمالية للأدوية العادية بنسب تتراوح ما بين 30 و50 في المائة, وخفض التكلفة الإجمالية للأدوية المكلفة بنسب تتراوح ما بين 50 و80 في المائة, مبرزة أن هذا الأمر سيؤدي إلى ارتفاع الاستهلاك وسيمكن بالتالي الصيادلة والمصنعين من تدارك أثر هذا الانخفاض كما سيؤدي إلى ضمان استمرار نظام المساعدة الطبية "راميد" عندما يدخل حيز التنفيذ ويتم تعميمه على نطاق واسع. وإذا كانت المهمة الاستطلاعية قد أقرت بإمكانية خفض الأثمنة, واقترحت لأجل ذلك مجموعة من التوصيات, فإن هذا الإمكانية لقيت ترحيبا من قبل فاعلين في القطاع, وقوبلت بدفوعات من قبل المهنيين. وفي هذا السياق, قال رئيس قسم الاتصال بالصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي السيد عزيز خرفي, في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء, إن نفقات الأدوية تمثل 47 في المائة من تكلفة التأمين الإجباري على المرض الذي دبره الصندوق سنة 2008 مما يبين بوضوح حجم تأثير كلفة الأدوية على التامين الإجباري على المرض. وأضاف أن تخفيض أثمنة الدواء من شأنه أن يساعد على الإقبال على الخدمات الصحية بشكل أكبر, وكذا الحفاظ على التوازنات العامة لمالية الصندوق مما يؤدي, من جهة, إلى تقديم خدمات أكبر لأكبر عدد من المرضى, ومن جهة أخرى إلى توفير مبالغ مالية لتقديم وتحسين خدمات أخرى. وإذا كان مطلب التخفيض يرى فيه بعض الفاعلين عاملا مساعدا على الحفاظ على التوازنات المالية لمجموعة من الصناديق, فإن أطرافا أخرى, ومن ضمنها الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية, ترى أن تحقيق هذا المبتغى أمر صعب في ظل ظروف تتسم بارتفاع كلفة الإنتاج. وفي هذا السياق, أبرز السيد على السدراتي رئيس الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية, في تصريح مماثل, أن تكاليف الاستثمار في هذا القطاع وتطبيق معايير الجودة كما هو معمول به في أوروبا, تتطلب مصاريف مالية باهظة لا يمكن تحملها في حال ما إذا تم خفض ثمن الأدوية من دون مراعاة الظروف المادية للمستثمرين في هذا القطاع. وإذا كان ثمن الأدوية مرتفعا مقارنة مع دول مثل تونس, كما جاء في تقرير المهمة الاستطلاعية, فإن السيد السدراتي يرجع ذلك إلى كون شركة تصنيع الدواء بتونس تابعة للدولة وتلقى الدعم المالي من طرفها, عكس المغرب الذي يعمل فيه القطاع الخاص وعلى كاهله مجموعة من التكاليف المالية تتعلق بالقيام باستثمارات ضخمة وبأداء الضرائب, الأمر الذي يصعب إمكانية الولوج إلى الأدوية بأثمنة منخفضة. ومن بين العوامل التي لا تساعد على خفض الثمن -حسب السيد السدراتي- تلك المتعلقة بمحدودية السوق وبارتفاع التكاليف المالية لاعتماد مقاييس صارمة للجودة, موضحا أن معدل استهلاك الأدوية بالمغرب لا يتجاوز 300 درهم في السنة مقارنة بفرنسا التي يصل فيها الاستهلاك السنوي إلى حوالي 6000 درهم للشخص. وطالب السيد السدراتي بتضافر جهود جميع الفاعلين بالقطاع, وبصفة خاصة وزارة الصحة, لتحسين الخدمات الصحية وتقديمها بكلفة أقل, مذكرا, في الوقت ذاته, بالمجهودات التي بذلها المغرب على مستوى التغطية الصحية وتطوير الخدمات الصحية بصفة عامة..