وجه الملك محمد السادس رسالة سامية إلى المشاركين في حفل تأبيني بمناسبة أربعينية وفاة الفنان أحمد الطيب لعلج٬ الذي ترأسته الأميرة للا حسناء٬ مساء اليوم السبت بمسرح محمد الخامس بالرباط. وفي ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلاها السيد عبد الحق المريني مؤرخ المملكة٬ محافظ ضريح محمد الخامس والناطق الرسمي باسم القصر الملكي : "الحمد لله وحده٬ والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه. حضرات السيدات والسادة٬ نود في البداية٬ أن نجدد التعبير لعائلة الفنان المقتدر المرحوم أحمد الطيب لعلج٬ ومن خلالها لكل أصدقائه ومحبيه وللأسرة الفنية الوطنية٬ عن تأثرنا البالغ لفقدان رمز من رموز الإبداع الفني ببلادنا٬ داعين الله تعالى أن يديم عليه شآبيب رحمته وغفرانه٬ ويسكنه فسيح جنانه. كما نعرب عن عميق تقديرنا للراحل الكبير٬ باعتباره فنانا مغربيا أصيلا متعدد المواهب٬ ساهم بنصيب وافر في النهضة الفنية والمسرحية وبناء الشخصية الثقافية ببلادنا٬ منذ بداية عهد الاستقلال. مما جعله يتبوأ مكانة متميزة في الفضاء الفني والأدبي الوطني. ومما يضاعف من محبة وتقدير المغاربة له٬ كونه فنانا عصاميا تعلم في مدرسة الحياة٬ فنهل منها حبه لوطنه وتشبثه بمقدساته٬ وطنيا غيورا انخرط٬ كسائر الفنانين الرواد الذين وظفوا إبداعهم في خدمة حركة الكفاح الوطني٬ حيث كانت الفنون بكل تجلياتها٬ من شعر وزجل وغناء ومسرح وتمثيل وحلقات للفرجة٬ في مقدمة وسائل النضال من أجل استرجاع الحرية والاستقلال٬ والتعبير عن تشبث المغاربة بهويتهم العريقة٬ الغنية بتعدد روافدها. وإننا لنستحضر في هذه اللحظات المؤثرة٬ ما كان مشهودا به للفقيد من تواضع ودماثة خلق٬ وروحه المرحة في حياته اليومية كما على خشبة المسرح. وهو ما جعله محط تقدير وإعجاب كل الذين عاشروه أو عاصروه٬ وأولئك الذين استمتعوا بروائعه الخالدة. كما كان معروفا عنه٬ رحمه الله٬ قربه من الناس٬ ومواكبته لمعيشهم اليومي٬ وولعه بالفنون والثقافة الشعبية. فجاءت أعماله الإبداعية نابضة بانشغالات المواطن المغربي٬ تترجم بلغة مغربية وفن أصيلين٬ همومه وتطلعاته. وبفضل عبقريته ونبوغه واجتهاده٬ فقد تمكن من تخليد إسمه٬ عن جدارة واستحقاق٬ في السجل الذهبي للفن المغربي٬ كأحد رواد المسرح٬ تأليفا وتمثيلا٬ وأبرز الشعراء والزجالين٬ حيث لحن كلماته الرائعة كبار الموسيقيين٬ وتغنى بها أشهر الفنانات والفنانين. واعتبارا للعطاء الغزير والمتميز الذي قدمه المرحوم الأستاذ أحمد الطيب لعلج٬ على مدى عقود من الزمن٬ فإن المغرب فقد برحيله شخصية مرجعية في مجالات المسرح والشعر والزجل ودراسات الفنون الشعبية والأمثال٬ ومدرسة فنية متكاملة نهلت من نبعها الأصيل أجيال متعاقبة من الفنانين. حضرات السيدات والسادة٬ إن ما نوليه للفن والثقافة ببلادنا من عناية واهتمام موصولين٬ لا يوازيه إلا حرصنا القوي على النهوض بأوضاع نساء ورجال هذين القطاعين٬ وتمكينهم من الوسائل اللازمة لأداء رسالتهم النبيلة. وإننا باستحضار مناقب الفقيد الكبير٬ وغيره من أعلام المغرب في شتى المجالات الإبداعية٬ في مختلف المناسبات٬ إنما نتوخى إحاطتهم بما يستحقونه من تكريم وتقدير٬ اعترافا بمواهبهم وتألقهم٬ وبجهودهم الدؤوبة في سبيل النهوض بالمجال الثقافي والفني المغربي٬ لاسيما في المرحلة التي عاشها الفنانون الرواد. كما نهدف إلى جعل هذه المبادرات مناسبة للأجيال الحاضرة والصاعدة للتأسي بقدوتهم٬ لما قدموه لوطنهم وإشعاعه الفني من أياد بيضاء٬ والسير على نهجهم القويم في حب بلدهم٬ والمساهمة الفاعلة في تنميته وتطويره٬ في إطار مجتمع يستلهم العبر من تاريخه المجيد٬ لمواصلة بناء مستقبله الواعد. رحم الله الفقيد الكبير٬ وأسكنه فسيح جنانه. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته."