كلمة وزيرة الخارجية كلينتون عن التحول الديمقراطي في منطقة المغرب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) واشنطن، العاصمة الوزيرة كلينتون : شكرًا لكم. (تصفيق) شكرًا لكم جميعًا. شكرًا جزيلاً لكم. وكلمة شكر خاصة لصديق وشخص يحظى بإعجابي الكبير، هو الجنرال سكوكروفت. سنواته العديدة التي قضاها في الخدمة المميزة لبلادنا تستحق التقدير العظيم من جميع النواحي. شكرًا أيضًا لجون ألترمان، ولمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لاستضافته هذا المؤتمر حول دول "المغرب العربي في المرحلة الانتقالية : السعي لتثبيت الاستقرار في فترة من عدم اليقين." كما أود أيضًا أن أعبر عن تقديري للدكتور طراب لدعمه القوي لهذا المؤتمر الهام ولأعضاء السلك الدبلوماسي كذلك. والآن، ما هو سبب وجودنا هنا؟ ولماذا يُعتبر أن انعقاد هذا المؤتمر جاء في الوقت المناسب؟ حسنًا، لنبدأ بأن ما يحدث في هذه المنطقة الديناميكية له عواقب بعيدة المدى على أمننا وازدهارنا. ونحن ندرك جيدًا أن له أهمية أكبر بالنسبة لشعوب هذه المنطقة، الذين تستحق طموحاتهم وتطلعاتهم أن تتحقق. غير أن الأحداث الأخيرة أثارت تساؤلات حول ما ينتظرنا في المستقبل – ما الذي ينتظر المنطقة في المستقبل، ما الذي ينتظر بقيتنا في المستقبل ممن شاهدوا وهم يحدوهم أمل عظيم، كما قال الجنرال سكوكروفت، الأحداث التي تكشفت في دول المغرب العربي. هجوم إرهابي في بنغازي وحرق مدرسة أميركية في تونس – هذه ومشاهد أخرى من الغضب والعنف قادت الأميركيين، بشكل مفهوم، إلى التساؤل حول ما يحدث. ما الذي يحدث حقًا لوعد الربيع العربي؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للولايات المتحدة؟ حسنًا، أعتقد بالتأكيد أنه من المهم طرح هذه الأسئلة والسعي للحصول على إجابات لها، كما تفعلون أنتم اليوم. واسمحوا لي، في ملاحظة شخصية، أن أبدأ كلمتي بما حدث في بنغازي. وبالتأكيد، لا أحد يرغب أن يعرف ما حدث أكثر مما أرغب أنا. لقد عيّنت مجلسًا للمراجعة والمساءلة الذي باشر بالفعل دراسة ما إذا كانت إجراءاتنا الأمنية كافية، وما إذا كانت تُطبق بشكل صحيح، وما هي الدروس التي نستطيع، أو بالأحرى ينبغي علينا، تعلمها للمستقبل. وإننا نعمل بأكبر قدر ممكن من الدقة والسرعة مدركين أننا لا نستطيع تحمل أن نضحي بالدقة من أجل السرعة. وبالتأكيد فإننا لن نألو جهدًا في تعقب الإرهابيين الذين ارتكبوا هذا الهجوم. كما أننا نركز اهتمامنا، كما نبغي علينا، على المطلوب القيام به أكثر من ذلك الآن لتأمين حماية مواطنينا ومنشآتنا. حصل أمس هجوم رهيب آخر. وإنني أدين بقوة مقتل موظف يمني يعمل منذ فترة طويلة في سفارتنا في صنعاء. كما نعمل مع السلطات اليمنية للتحقيق في هذا الهجوم وتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة أيضًا. ولكن خلال كل هذا، علينا تركيز اهتمامنا ليس على العناوين الرئيسية وحسب، إنما يتعين علينا أن نأخذ في اعتبارنا خطوط الاتجاهات. علينا أن نبقى مركزين على المسائل الاستراتيجية الأوسع نطاقًا التي تطرحها هذه العمليات الانتقالية الديمقراطية وتأثيرها على المصالح والقيم الأميركية. اسمحوا لي أن أبدأ بقول ما هو واضح : لم يكن ينبغي على أي إنسان أن يظن أبدًا أن ذلك سيكون طريقًا سهلا. ولم أفعل ذلك أنا بكل تأكيد. لكن من المهم أن ننظر إلى الصورة الكاملة – أن نزن الأعمال العنيفة التي يقوم بها عدد صغير من المتطرفين ضد تطلعات وأعمال شعوب المنطقة وحكوماتها. ندعم وجهة النظر الأوسع تلك بدلا من التشكيك في وعد الثورات العربية. وهذا ما يعيد التأكيد على أنه بدلا من السماح للغوغاء والمتطرفين بأن يتكلموا باسم بلدان بأكملها، يتعين علينا أن نستمع باهتمام إلى ما تقوله حكومات منتخبة ومواطنون أحرار. إنهم يريدون المزيد من الحرية، والمزيد من العدالة، والمزيد من الفرص – وليس المزيد من العنف. وهم يريدون أيضًا إقامة علاقات أفضل مع الولاياتالمتحدة، وأيضًا مع العالم - وليس علاقات أسوأ. ولا تراودني أية أوهام حول مدى تعقيد هذا الوضع. ففي النهاية كانت السياسة الخارجية الأميركية تتشكل منذ فترة طويلة من خلال الجدل حول كيفية تحقيق التوازن بين مصالحنا في الأمن والاستقرار مع قيمنا المتمثلة في دعم الحرية والديمقراطية. لقد كثفت الثورات الأخيرة هذا الجدل من خلال خلق ميلاد جديد للحرية، ولكن أيضًا من خلال خلع شركاء قدماء وإطلاق العنان لقوى جديدة لا يمكن التنبؤ بكنهها. وكما قلت في الخريف الماضي في المعهد الديمقراطي القومي، علينا أن نكون صادقين عندما نقول إن السياسات الأميركية في المنطقة ستعكس دائمًا النطاق الكامل لمصالحنا وقيمنا - تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، ودحر تنظيم القاعدة؛ والدفاع عن حلفائنا وشركائنا، وضمان إمدادات آمنة من الطاقة. وسوف تكون هناك أوقات لا تصطف فيها جميع مصالحنا وقيمنا جنبًا إلى جنب. وإننا نعمل على المواءمة بينها، غير أننا نفعل ذلك مع إدراكنا الكامل للواقع. وصحيح أننا نصمم تكتيكاتنا لتعزيز التغيير الديمقراطي بحيث تتطابق مع الظروف القائمة على الأرض في كل بلد. وبعد كل شيء، قد يكون من الحماقة اتباع نهج واحد مع تصور أنه يناسب الجميع، بغض النظر عن الظروف أو الاتجاهات التاريخية. بيدَ أنه، وعلى المدى الطويل، من الصعب استدامة التعاون الذي نسعى إليه والذي تتطلبه مصالحنا وقيمنا دون المحافظة على الشرعية الديمقراطية والقبول الشعبي. قبل أسابيع من اندلاع الثورة المصرية، أبلغت القادة العرب المجتمعين في الدوحة، بأن أساسات المنطقة بدأت تغرق في الرمال. كان من الواضح في ذلك الحين أنه من غير الممكن استدامة الوضع القائم، وأن رفض التغيير في حد ذاته بدأ يمثل تهديدًا للاستقرار. وهكذا، بالنسبة للولايات المتحدة، لا يشكل الدعم، للتحولات الديمقراطية مسألة مرتبطة بالمثل العليا. إنما هو ضرورة استراتيجية. ولن نعود إلى الخيار الزائف بين الحرية والاستقرار. ولن نسحب دعمنا للديمقراطيات الناشئة عندما تسوء الأمور. فقد يكون ذلك خطأً استراتيجيًا مكلفًا من شأنه، حسب اعتقادي، أن يقوض مصالحنا وقيمنا. والآن، نحن ندرك أن هذه التحولات ليست تحولات أميركا بحيث يكون لزامًا عليها أن تتولى إدارتها، كما أنها بالتأكيد بالنسبة لنا ليست مسألة ربح أو خسارة. ولكن علينا أن ندعم أولئك الذين يعملون في كل يوم لتقوية المؤسسات الديمقراطية، والدفاع عن الحقوق الأساسية، ودفع النمو الاقتصادي الشامل قُدمًا. سوف يولد ذلك شركاء أكثر قدرة، وأمنًا أكثر استدامة على المدى الطويل. واليوم، تدخل هذه العمليات الانتقالية إلى مرحلة يجب أن تتميز بالحلول الوسط أكثر مما تميز بالمواجهات، وتتميز بالسياسة أكثر من الاحتجاجات. السياسة التي تستطيع أن تقدم الإصلاحات الاقتصادية وفرص العمل لكي يتمكن الناس من السعي لكسب سبل معيشتهم وتأمين الضروريات لأسرهم. سياسة تكون تنافسية وحتى ساخنة ولكن متجذرة في القواعد والمعايير الديمقراطية التي تنطبق على الجميع - إسلاميين وعلمانيين، مسلمين ومسيحيين، محافظين وليبراليين، أحزاب ومرشحين من مختلف المشارب. وحسب المتوقع، ينبغي على الجميع نبذ العنف والإرهاب، والتطرف، والإذعان لسيادة القانون، ودعم الهيئات القضائية المستقلة، والتمسك بالحريات الأساسية. ينبغي التمسك بحقوق وكرامة جميع المواطنين، بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو الجنس. ومن ثم، بالطبع، فإننا نتطلع قُدمًا إلى حكومات تتخلى عن السلطة عندما يحين وقت قيامها بذلك- مثلما فعل المجلس الانتقالي الليبي الثوري في آب/أغسطس الماضي، حيث نقل السلطة إلى البرلمان المنتخب حديثًا في احتفال أشار إليه السفير كريس ستيفنز على أنه شكّل حدثًا أساسيًا للفترة التي قضاها في البلاد. سوف يكون تحقيق الديمقراطية الحقيقية والنمو ذو القاعدة الواسعة عملية صعبة وطويلة. إننا نعرف ذلك من تاريخنا نفسه. فبعد انقضاء ما يزيد على 235 سنة على ثورتنا، لا زلنا نعمل في سبيل تحقيق اتحاد أكثر كمالا. وهكذا ينبغي للمرء أن يتوقع حصول نكسات خلال المسار، وحصول أوقات يتساءل عندها البعض بالتأكيد ما إذا كان كل ما حصل يستحق كل ذلك. غير أن الرجوع إلى الوضع الذي كان قائمًا في كانون الأول/ديسمبر 2010 ليس أمرًا مرغوبًا به فحسب، إنما هو أمر مستحيل. وهكذا، هذا هو المفهوم الذي يتعين علينا مراجعة الأحداث الأخيرة في إطاره وتشكيل نهجنا في المستقبل على أساسه. واسمحوا لي بأن أشرح إلى أين سوف يقودنا ذلك. الآن، بما أن موضوع هذا المؤتمر حول المغرب العربي، فسوف أركز اهتمامي على هذه المنطقة. لأنها، في النهاية، هي المنطقة التي بدأت منها الثورات العربية، المنطقة التي ساعد فيها تحالف دولي في تكبيل يدي ديكتاتور ومنعه من ذبح شعبه، والمنطقة التي شاهدنا فيها في الشهر الماضي فقط، حصول مثل هذا العنف المقلق. ولكن دعونا ننظر إلى ما يحدث فعلا على أرض الواقع، وعلى وجه الخصوص في ضوء الأحداث الأخيرة. ينبغي علينا، كما هو الحال دائمًا، أن نكون واضحي الرؤية بشأن تهديدات التطرف العنيف. لن تكفي سنة من التحول الديمقراطي لاستنزاف وتفريغ خزانات الراديكالية التي تراكمت عبر عقود من الديكتاتورية. كما لن يكون هذا الوقت كافيًا لنهوض قوى أمنية فعالة ومسؤولة لتحل محل القوى القمعية الماضية. وكما حذرنا من البداية، فهناك متطرفون يسعون لاستغلال فترات عدم الاستقرار لاختطاف هذه التحولات الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، يحاول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغيره من المجموعات الإرهابية الأخرى توسيع نطاق انتشارهم انطلاقًا من معقل جديد في شمال مالي. بيدَ أن ذلك لا يشكل القصة الكاملة. بل على العكس تمامًا. لم يمثل الإرهابيون الذين هاجموا بعثتنا في بنغازي الملايين من أفراد الشعب الليبي الذين يريدون السلام وينددون بالعنف. وخلال الأيام التي تلت ذلك، تدفق عشرات الآلاف من الليبيين إلى الشوارع للتعبير عن حزنهم على السفير ستيفنز، الذي كان نصيرًا ثابتًا لثورتهم. لقد شاهدتم اللافتات. كتب على إحداها، "السفاحون والقتلة لا يمثلون بنغازي أو الإسلام". وبمبادرة خاصة منهم، اقتحم شعب بنغازي قواعد المتطرفين وأصروا على نزع سلاح الميلشيات والإذعان لسيادة القانون. كان ذلك مشهدًا ملهمًا كأي مشهد رأيناه في أي ثورة من تلك الثورات. فهو يشير إلى الوعد الذي لا يخبو للربيع العربي – فمن خلال البدء في السير على الطريق المفضي لاتباع سياسة الديمقراطية، رفض الليبيون بثبات، والعرب في جميع أرجاء المنطقة، ذريعة المتطرفين بأن العنف والقتل هما السبيل الوحيد لاستعادة الكرامة وتحقيق العدالة. في طرابلس، أدان الهجوم قادة الحكومة المؤقتة في البلاد. عزلوا كبار المسؤولين الأمنيين والمسؤولين عن بنغازي من مناصبهم. ثم أصدرت الحكومة إنذارًا نهائيًا إلى الميلشيات عبر أرجاء البلاد : انزعوا أسلحتكم وفرقوا صفوفكم خلال 48 ساعة وإلا فواجهوا العواقب. وأذعنت 10 مجموعات مسلحة رئيسية للإنذار. والآن، ما زال المتطرفون والميلشيات يمثلون مشكلة كبيرة في ليبيا، ولكن هناك جهود تُبذل لمواجهتهم والتصدي لهم تترسخ في جميع أرجاء البلاد. وفي حين تصارع ليبيا تحديات تشكيل الحكومة، يتعين على المجتمع الدولي دعم جهود ليبيا الرامية لإخضاع هذه الميلشيات للقانون وتوفير الأمن لجميع مواطنيها. وانظروا إلى تونس، مهد الثورات العربية. فاز في السنة الماضية فيها حزب إسلامي بأغلبية الأصوات في انتخابات مفتوحة وتنافسية. وأعرف أن البعض في واشنطن اعتبروا ذلك نذيرًا بالهلاك. إلا أن هؤلاء القادة الجدد شكلوا ائتلافًا مع أحزاب علمانية ووعدوا بأن يتمسكوا بالحقوق والحريات الأساسية، بما في ذلك حقوق النساء. وأوضحت الولاياتالمتحدة أننا سوف نراقب عن كثب وسوف نقيّم الحكومة الجديدة، بناء على أعمالها وليس أقوالها. في شباط/فبراير الماضي في تونس، تبادل معي طلاب ونشطاء في المجتمع المدني مخاوفهم حول سعي المتطرفين لعرقلة انتقالهم إلى ديمقراطية دائمة، ولكنهم تبادلوا أيضًا معي آمالهم بأن يكون لدى القادة المسؤولين والمؤسسات الخاضعة للمساءلة ما يكفي من القوة والإرادة للتصدي لذلك التحدي. وبالفعل، لقد رأينا نقاشًا حادًا دار في المجتمع التونسي. فعلى سبيل المثال، وصفت المسودات الأولى للدستور الجديد النساء على أنهن "مكملات للرجال"، لكن المجتمع المدني النشط في تونس أثار اعتراضات قوية، وفي نهاية المطاف عدلت الجمعية الوطنية التأسيسية النص بحيث تم الاعتراف بالمساواة للنساء. إن المجتمع المدني لديه من الحكمة ما يجعله يقظًا، وأن يمارس حقوقه التي اكتسبها بمشقة من أجل حماية الديمقراطية الجديدة. وذلك كما فعلت المئات من النساء التونسيات اللواتي اندفعن مؤخرًا إلى الشوارع للتعبير عن احتجاجهن نيابة عن امرأة اتهمت بعدم الاحتشام بعد أن تعرضت للاغتصاب من قبل ضباط الشرطة. وضعت هذه المشاهد المتنافسة مستقبل تونس على المحك عندما هاجم متطرفون عنيفون السفارة الأميركية في تونس وأحرقوا المدرسة الأميركية القريبة منها. كيف تجاوب الشعب التونسي والحكومة التونسية تجاه ذلك؟ أولاً، زادت الحكومة القدرات الأمنية حول سفارتنا ووعدت بالمساعدة في إصلاح المدرسة وهو ما فعلته بالفعل. ثم أعلنت التزامها بالتصدي للمجموعات العنيفة ومنع تونس من أن تصبح ملاذًا آمنًا للإرهاب الدولي. إن متابعة هذا الالتزام أمر أساسي. ينبغي تقديم المسؤولين عن الهجمات إلى العدالة. ويتعين على الحكومة أن توفر الأمن للبعثات الدبلوماسية وخلق بيئة آمنة للمقيمين وللزوار الأجانب. كما يجب أن تمتد سيادة القانون لتشمل الجميع عبر أنحاء البلاد. لجأ قادة البلاد إلى محطات الإذاعة، وإلى صفحات الصحف، وحتى فيسبوك وتويتر، للتنديد بالهجمات وبالأيديولوجيات المتطرفة التي تقف خلفها، واضعين رأسمالهم السياسي على المحك. سافر وزير الخارجية إلى واشنطن للوقوف بجانبي والتنديد علنًا بالعنف. وهكذا، فإننا نستمر في دعم تلك التغييرات الحاصلة في ليبيا وتونس ودعم هؤلاء القادة والمواطنين الذين يدركون ما هو متوقع منهم إذا كانوا يرغبون بتحقيق آمالهم. والآن، يختلف الوضع في بقية بلاد المغرب العربي. لم تشهد المغرب والجزائر ثورات، ولكن الأحداث الأخيرة اختبرت أيضًا قيمهما وتصميمهما. في العام الماضي، عندما طالب مواطنو المغرب بإدخال تغييرات، استجابت الحكومة تحت قيادة الملك محمد السادس باعتماد إصلاحات دستورية رئيسية، تبعتها انتخابات مبكرة وتوسيع سلطات البرلمان. يقود حزب إسلامي الائتلاف الحاكم الجديد مع مجموعة متنوعة من الأحزاب الأخرى بعد أن أمضى ثلاثة عشر عامًا في صفوف المعارضة. ولقد تشجعنا وتفاءلنا بأن قادته سعوا لضمان انخراط جميع المغاربة معهم، وركزوا اهتمامهم على خلق فرص العمل ومكافحة الفساد. وسوف نستمر في حثهم على الوفاء الكامل بالتزاماتهم باعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية. في الشهر الماضي، في أعقاب نزول محتجين مناهضين للولايات المتحدة إلى الشوارع عبر مدن المغرب، توجه وزير الخارجية المغربي إلى واشنطن لإجراء أول حوار استراتيجي على الإطلاق معنا. كان من الممكن له أن يتجنب آلات التصوير، غير أنه، وبدلاً من ذلك، أدان بشدة الهجوم الذي وقع في بنغازي، وتبنى شراكة أوسع مع الولاياتالمتحدة، وتعهد بأن تستمر بلاده في العمل من أجل تحقيق الديمقراطية وسيادة القانون. كما أن الجزائر أيضًا لديها الكثير من المكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال تبني التغيرات الحاصلة حولها، وقد رأينا بعض التقدم في هذا المجال. إذ أجرت الحكومة انتخابات تشريعية في شهر أيار/مايو ودعت للمرة الأولى مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات لديها. وتحركت الحكومة بسرعة الشهر الماضي لحماية البعثات الدبلوماسية، بما في ذلك السفارة الأميركية، ونزع فتيل التوترات في الشوارع. ومع ذلك، لا يزال هناك قدر كبير من العمل الذي يتوجب على الجزائر القيام به لدعم الحقوق الأساسية وخلق الحيز اللازم لعمل المجتمع المدني، وذلك كما قلت في شباط/فبراير في رسالة سلمتها شخصيًا إلى أعلى المستويات في السلطة في البلاد. والآن، ما الذي ترويه لنا هذه اللقطات السريعة والقصص الواردة من مختف أنحاء المنطقة؟ من ناحية، لقد كشفت أعمال العنف في الشهر الماضي عن وجود سلالات من التطرف تهدد تلك الدول، كما تهدد المنطقة الأوسع، وحتى تهدد الولاياتالمتحدة. ومن ناحية أخرى، رأينا أعمالا كان من الصعب تصور تنفيذها قبل بضع سنوات، قادة منتخبون ديمقراطيون وشعوب حرة في بلدان عربية تكافح من أجل تحقيق مستقبل سلمي وتعددي. إنه من المبكر جدًا القول كيف سوف تتطور هذه التحولات الديمقراطية، ولكن مما لا شك فيه أن لأميركا مصلحة كبيرة في نتائجها. قابلت في الشهر الماضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قادة من مختلف أنحاء المنطقة، وأبلغت كل واحد منهم بأن الولاياتالمتحدة سوف تستمر في اتباع استراتيجية لدعم الديمقراطيات الناشئة في الوقت نفسه الذي تعمل فيه على توفير أمن فعّال قائم على سيادة القانون، وذلك من أجل تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز المؤسسات الديمقراطية. لقد جعلنا هذه الأولويات السمة المميزة التي تؤكد انخراط أميركا في المنطقة. فقد عقدنا مؤتمرات للمانحين من أجل تنسيق المساعدة مع شراكات جديدة من خلال مجموعة الدول الثماني الكبرى (G-8)، ومجتمع الديمقراطيات، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في أوروبا، وضاعفنا انخراطنا مع جامعة الدول العربية، حيث وقعنا مذكرة تفاهم هي الأولى من نوعها على الإطلاق لإجراء حوار استراتيجي بيننا. إلا أننا ندرك أن الكلمات، سواءً أكانت صادرة منا أو من آخرين، لا قيمة لها. فعندما نتحدث عن الاستثمار في القيادات المسؤولة والمؤسسات الديمقراطية الخاضعة للمساءلة، لا بد من أن يتبع ذلك استثمارات فعلية. وهكذا، قمنا بحشد أكثر من بليون دولار كمساعدات موجهة منذ بداية الثورات. فقد طلبت حكومة أوباما من الكونغرس تخصيص صندوق تمويل جديد بقيمة 770 مليون دولار سوف يرتبط بمعايير محددة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وإنني أحث الكونغرس مجددًا على المضي قُدمًا في الموافقة على هذه الأولوية. ولكن اسمحوا لي بأن أتطرق بصورة مختصرة إلى الأجزاء الثلاثة لاستراتيجيتنا، بدءًا من الأمن. فأعمال الشغب والخروج على القانون الأخيرة تؤكد على التحديات المتمثلة في حماية السلامة العامة في المجتمعات الحرة وإصلاح قوات الأمن. إذ إن هذه القوات دأبت على مدى عقود من الزمن على حماية الأنظمة أما الآن فقد بات من واجبها حماية المواطنين، وعلى وجه الخصوص من التهديد الذي يطرحه المتطرفون العنيفون. فقد ارتكب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومجموعات إرهابية أخرى، لفترة من الزمن، هجمات وعمليات اختطاف من شمال مالي إلى البلدان المجاورة. والآن، فإن هذه الفوضى والنزاع العرقي القائم هناك قد أتاحا لهذه المجموعات التمكن من الحصول على ملاذ آمن أكبر لها مع السعي إلى توسيع نطاق انتشارها وشبكاتها في اتجاهات متعددة. ولذلك، فإننا نستخدم كل أداة نستطيع استخدامها لمساعدة شركائنا في مكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الأمنية التي تواجههم. أدخلنا مؤخرًا مزيدا من الدبلوماسيين من وزارة الخارجية من الذين يملكون خبرة إقليمية إلى القيادة الأميركية لأفريقيا من أجل تحسين تكامل نهجنا. وقد أصبح الدبلوماسيون، وخبراء التنمية، والعسكريون يعملون جنباً إلى جنب في ربوع المنطقة. كما أننا نتشارك أيضًا، عبر أنحاء المنطقة، مع مسؤولين أمنيين تابعين لتلك الحكومات الجديدة التي بدأت في التحرك بعيدًا عن النهج القمعي الذي ساعد في تزكية لهيب الراديكالية في الماضي، ونحاول مساعدتهم في تطوير استراتيجيات قوامها سيادة القانون وحقوق الإنسان . إننا نقوم بمساعدة حرس الحدود على تحديث المعدات لديه ورفع مستواهم كي يتمكنوا من إحكام مراقبتهم للحيلولة دون إغراق المنطقة بالأسلحة أكثر مما هي عليه الآن. وكذلك نساعد في تدريب النواب العامين وبناء مختبرات للطب الشرعي تستطيع أن تقدم الأدلة التي يمكن الاستناد إليها في المحاكم. وفي الشهر الماضي، بعد أيام فقط من أعمال الشغب في تونس، أطلقنا شراكة جديدة مع تونس لتدريب أفراد قوات الشرطة وغيرهم من العاملين في القضاء. وكنا سعداء جدًا لأن تونس وافقت على استضافة مركز تدريب دولي جديد من شأنه أن يساعد المسؤولين من مختلف أنحاء المنطقة على تطوير وسائل لحماية أمن وحرية مواطنيهم. والآن فإن دول المغرب العربي ليست الأولى التي تصارع التحدي المتمثل في حماية الديمقراطية الجديدة. ومن الدروس التي تعلمناها في مختلف أنحاء العالم هي أن التدريب، والتمويل، والتجهيز لا تحقق سوى أهداف محدودة. إذ إن هناك حاجة لوجود إرادة سياسية يمكنها أن تتخذ الخيارات الصعبة وتطالب بإخضاع الحكومات للمساءلة الضرورية لإنشاء مؤسسات قوية وضمان الأمن الدائم. كما يتطلب الأمر إحداث تغيرات في العقليات حتي يتسنى لهذه الإصلاحات أن تتجذر. في جميع محادثاتي مع المسؤولين الرفيعي المستوى في هذه البلدان، أدركت، وخاصة في تونس وليبيا، أن الناس الذين كنت أتكلم معهم كانوا ضحايا للقوى الأمنية، أو أنهم سًجنوا، أو ضربوا، وفي بعض الأحيان تعرضوا للتعذيب. وبالنسبة لهم جميعًا فإنهم عندما وجدوا أنفسهم فجأة إلى جانب القوى الأمنية، وحتى تلك القوى التابعة لنظام الحكم الجديد، كان لا بد لهم من تغيير العقلية التي كانوا يفكرون بها، وقد اعترفوا بأن تلك مسؤولية أصبحوا يدركون الآن أن عليهم أن يتحملوها. كما تقوم الولاياتالمتحدة أيضًا برفع وتيرة جهودها المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وتساعد بلدان شمال أفريقيا في استهداف الهيكليات الداعمة للمجموعات المتطرفة، وبوجه خاص تنظيم القاعدة وفروعه- أي عن طريق إغلاق الملاذات الآمنة التابعة لها، وقطع إمدادات التمويل عليها، ومكافحة أيديولوجياتها، وحرمانها من تجنيد المزيد من العناصر. تقوم شراكتنا الخاصة بمكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى ببناء القدرات لدى عشر دول، وتقدم التدريب والدعم لها لكي تتمكن من العمل سوية بشكل أفضل لتعويق شبكات الإرهابيين، ومنع الهجمات. كما نقوم كذلك بتوسيع مدى عملنا مع منظمات المجتمع المدني في نقاط ساخنة معينة للإرهابيين، مثل قرى محددة، وفي السجون والمدارس. والآن، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة المغرب العربي هي التي غذّت الثورات والمطالبات بإجراء إصلاحات. ومن أجل تحقيق النجاح، تحتاج هذه البلدان الديمقراطية الناشئة إلى أن تُظهِر أنها قادرة على تحقيق نتائج ملموسة. ولذا فإن المجال الثاني الذي نركز اهتمامنا عليه هو : العمل مع مشاريع الأعمال الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تخلق فرص العمل والبدائل المضادة للراديكالية، وتقوم بإدخال النساء والشباب في الاقتصاد الرسمي، وتؤمن رأس المال والتدريب لرواد الأعمال، وتساعد الديمقراطيات الناشئة في تحديث أنظمتها الاقتصادية، بما في ذلك القوانين المتعلقة بالاستثمار، والسياسات المتعلقة بالتجارة بحيث تتمكن قطاعاتهم الخاصة من الازدهار فعليًا. إننا بصدد تأسيس صندوق المشاريع التجارية وريادة الأعمال الأميركي-التونسي، برأسمال أولي قدره 20 مليون دولار، لأجل تحفيز الاستثمارات في القطاع الخاص وتأمين رأس المال اللازم لشركات الأعمال. وتقدم مؤسسة الاستثمارات الخاصة في الخارج (أوبيك) 50 مليون دولار من القروض، وضمانات القروض، وتساعد مؤسسة تحدي الألفية في معالجة القيود المعيقة للنمو الاقتصادي على المدى الطويل. وكذلك قدمنا دورات تدريبية لأصحاب شركات الأعمال الصغيرة والتدريب على الوظائف للمئات من المواطنين التونسيين. وإنني أعتز على وجه الخصوص بصندوق المنح الدراسية الذي تمّ إطلاقه في شهر آب/أغسطس لمساعدة الطلاب التونسيين على الدراسة في الجامعات والكليات الأميركية. إننا نتطلع قُدمًا للعمل مع الحكومة الليبية الجديدة حالما يتم تشكيلها، حول المسائل الاقتصادية. ومن أولوياتنا القصوى الأولية المتعلقة بمساعدة الدول على زيادة التبادل التجاري فيما بينها. إذ إن من شأن ذلك، في نهاية المطاف، أن يخلق الوظائف الجديدة لمواطني تلك الدول ويفتح الأسواق الجديدة لمنتجاتها. غير أن شمال أفريقيا هي اليوم إحدى مناطق العالم الأقل اندماجًا وتكاملا. ولكن لا ينبغي لها أن تكون كذلك. وسوف يشكل فتح الحدود بين الجزائر والمغرب خطوة هامة على طريق التحرك باتجاه ذلك التكامل. ويقوم المجال الثالث الأساسي في استراتيجيتنا على تقوية المؤسسات الديمقراطية والدفع قُدمًا بالإصلاحات السياسية- وهذه ليست بالعملية السهلة، كما يمكننا رؤية ذلك جليًا من صعوبة تشكيل الحكومة الجديدة في ليبيا، وعلى التقدم السياسي أن ينمو من الداخل، وليس عن طريق فرضه من الخارج أو من جانب الدول الأجنبية. ولكن ثمة طرق يمكننا من خلالها تقديم المساعدة ونحن نقدمها فعلا. ففي ليبيا، على سبيل المثال، قامت الولاياتالمتحدة بتدريب مئات المحامين والناشطين من المجتمع المدني حول قوانين الانتخابات وقدمت حصصًا تعليمية لمدراء الحملات الانتخابية وللمرشحين خلال فترة التحضير للانتخابات الأخيرة. أما الآن فإننا نشجع المجتمع المدني لكي يكون منخرطًا بالكامل في صياغة دستور جديد سيتيح حماية الحقوق المتساوية لجميع المواطنين الليبيين. وهناك جهود مماثلة جارية في ربوع المغرب العربي، ومصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات والظروف المحلية، ولا يحدث أي من هذه الجهود في فراغ. فعمليات التحول الانتقالية التي تحصل في جميع أنحاء المغرب العربي مرتبطة، كما تعرفون جيدًا، بالتطورات الحاصلة عبر مختلف أنحاء الشرق الأوسط الأوسع. ومصر، بالطبع، بصفتها أكبر دولة عربية، تشكل حجر الزاوية للمنطقة، وقد رأينا أن قياداتها المنتخبة تقول إن نجاح العملية الديمقراطية الانتقالية المصرية يعتمد على بناء إجماع الآراء والتجاوب مع الاحتياجات والاهتمامات لجميع المصريين، نساءً ورجالا، ومن جميع الأديان والمجتمعات الأهلية المختلفة. والآن فإننا نقف إلى جانب الشعب المصري في السعي الحثيث للحصول على الحريات والحمايات الأساسية. وقد شددنا على النقطة القائلة إن مكانة مصر الدولية تعتمد على كل من علاقاتها السلمية مع جيرانها، وعلى الخيارات التي تتخذها داخل الوطن، وعلى ما إذا كانت تلبي وعودها الخاصة التي تقدمت بها إلى شعبها نفسه. وفي سوريا، يواصل نظام الأسد شن حرب وحشية غاشمة ضد أبناء شعبه، وحتى في هذا الوقت الذي بدأت فيه أراضي دولته تنزلق من ين يديه. ولقد أعلنت مؤخرًا عن مساهمات أساسية جديدة من المعونات الإنسانية والمساعدات الأخرى للمعارضة المدنية، ولا نزال ملتزمين مع شركائنا الذين يشاركوننا في آرائنا بزيادة الضغط على ذلك النظام. وفي اليمن، حيث دعمنا المفاوضات التي أفضت في نهاية المطاف إلى تحقيق عملية انتقالية سلمية، فإننا نسعى الآن لمنع تنظيم القاعدة وجهات متطرفة أخرى من تهديد تلك المؤسسات الديمقراطية الناشئة الهشة، وكذلك منعها من الحصول على ملاذ آمن تستطيع من خلاله شن هجمات جديدة. وعندما اجتمعت مع عاهل الأردن الملك عبد الله في الشهر الماضي، ناقشنا أهمية مواصلة الإصلاحات في سبيل دفع بلاده قدمًا نحو تعزيز الديمقراطية وتحقيق الرخاء والازدهار هناك. وهكذا، في جميع هذه الأماكن، وفي أماكن غيرها كثيرة، تقوم الولاياتالمتحدة بمساعدة شعوب تلك الدول على تحديد مصيرها بنفسها وتحقيق كامل درجات الكرامة الإنسانية الخاصة بها. إن كلمة الكرامة تعني الكثير من الأشياء بالنسبة للعديد من الشعوب والحضارات المختلفة، ولكنها تعني شيئًا أساسيًا قائمًا في أنفسنا جميعًا. وكما أشار إليه أحد المصريين في أعقاب الثورة في ذلك البلد، فإن الحرية والكرامة "أكثر أهمية من الغذاء والماء. إذ عندما تأكل في ظل الإذلال فلن تكون قادرا على تذوق الطعام." غير أن الكرامة لا تنجم عن الانتقام مما قد يُعتبر بمثابة إهانة، وخاصة عن طريق استخدام العنف الذي لا يمكن تبريره أبدًا. إنما هي تنجم عن تحمل المرء مسؤولية نفسه ومسؤولية مجتمعه الأهلي بنفسه. وإذا نظرتم إلى العالم من حولكم اليوم، سوف تجدون أن تلك البلدان التي تركز اهتمامها على دعم وتشجيع النمو، بدلا من إثارة المظالم والشكاوى، هي التي تتقدم عن غيرها- بناء المدارس بدلا من إحراقها، الاستثمار في إيداعات شعوبها بدلا من إثارة غضبهم، تمكين النساء بدلا من استثنائهن، فتح اقتصاداتها ومجتمعاتها لتعزيز اتصالاتها مع العالم الأوسع بدلا من قطع خطوط الإنترنت ومهاجمة السفارات. إنني لا زلت على قناعة بأن شعوب العالم العربي لا تريد مبادلة طغيان الحكم الديكتاتوري باستبداد الغوغاء. فليست هناك أية كرامة في ذلك. فقد أعلن سكان بنغازي للعالم بصوت عالٍ وجلي عما يصبون إليه وينشدونه عندما رفضوا أولئك المتطرفين الموجودين بينهم. وكذلك فعلت القيادات الليبية عندما تحدت الميلشيات، وكذلك فعل التونسيون عندما أطلقوا الصوت عاليًا ضد العنف والكراهية. هذه هي العبرة التي يتعين علينا الخروج بها من أحداث الشهر الماضي. والآن، أريد أن أضيف، فكرة أخرى، وأختتم كلمتي بها، وهي تتعلق بما حدث مؤخرًا في بنغازي. لأنه، كما قد تتوقعون، يشكل هذا الحدث مسألة شخصية جدًا بالنسبة لي وبالنسبة للرجال والنساء العاملين في وزارة الخارجية. إن العمل الدبلوماسي بحكم طبيعته، كثيرًا ما يحتاج إلى الممارسة في أماكن خطرة. إننا نرسل أناسًا إلى مراكز دبلوماسية في 170 بلدًا من حول العالم. ونعم، فإن البعض من هذه المراكز قائم في مناطق حروب ونزاعات. وهناك دبلوماسيون آخرون يعيشون في بلدان غير مستقرة تتعرض لتهديدات معقدة دون أي وجود عسكري أميركي. هذه هي حقيقة العالم الذي نعيش فيه. وإننا لن نتمكن أبدًا من منع حصول كل عمل من أعمال العنف أو الأعمال الإرهابية، أو أن نحقق الأمن المثالي. لا يستطيع موظفونا العيش داخل مخابئ تحت الأرض والقيام بواجباتهم في الوقت نفسه. ولكن مسؤوليتنا الحقيقية تكمن في تحقيق تحسن دائم في الأمن، والحد من مستوى المخاطر التي يواجهها موظفونا، والتأكد من أنه تتوفر لهم الموارد التي يحتاجون إليها للقيام بتلك الواجبات التي نتوقع منهم القيام بها. وبالطبع، لا يأخذ أي إنسان هذا الأمر بجدية أكثر مما آخذه أنا، وكذلك الأمر بالنسبة للمهنيين الأمنيين في وزارة الخارجية. كان كريس ستيفنز يدرك أن على الدبلوماسيين العمل في أماكن عديدة لا يعمل فيها الجنود أو لا يستطيع العمل فيها، وحيث لا توجد أي قوات عسكرية أخرى على الأرض، والأمن أبعد ما يكون عن كونه مضمونًا. ومثله مثل هذا العدد الكبير من زملائنا الشجعان، ومن الذين خدموا في قواتنا المسلحة أيضًا، فإنه كان يتطوع للقيام بمهامه. في العام الماضي هوجم سفيرنا لدى سوريا، روبرت فورد، على يد غوغاء موالين للنظام في دمشق، ولكنه أصر على مواصلة اجتماعاته مع المحتجين المسالمين ومواصلة عمله كمظهر حي للدعم الاميركي لهم. وعندما قاد سيارته إلى مدينة حماه المدمرة غطى الناس هناك سيارته بالأزهار. إن الأشخاص من أمثال كريس ستيفنز وروبرت فورد يجسدون الدبلوماسية الأميركية في أفضل صورها، كما أنهم يمثلون أميركا خير تمثيل. إنهم يدركون أنه عندما تغيب أميركا عن مسرح الأحداث، ولا سيما عن الأماكن الخطرة يكون لذلك عواقب. فيتجذر التطرف، وتعاني مصالحنا، ويُهدد أمننا في الوطن. وهكذا، سوف نستمر في إرسال دبلوماسيينا وخبراء التنمية لدينا إلى أماكن خطرة، ولن تتراجع الولاياتالمتحدة أبدًا. سوف نستمر في تولي زمام القيادة وسوف نظل منخرطين في المغرب العربي وفي كل مكان آخر من العالم، ومن بينها تلك الأماكن القاسية حيث تتعرض مصالح أميركا وقيمها للخطر. هذا هو ما نحن عليه. وهذه هي الطريقة التي نضمن بها تكريم أولئك الذين فقدناهم، وهذه هي الطريقة أيضًا التي نضمن من خلالها موقع القيادة العالمية لبلدنا لعقود قادمة. وشكرًا جزيلاً لكم. (تصفيق)