بمجرد تجولك بدكاكين العطارين بمختلف المدن المغربية، سترى العجب، خيوط العنكبوت متدلية من أسقف الدكاكين وسلاحف وضباع وأظافر هدهد وأشواك القنافذ وفئران يتيمة لا يعرف أبواها وشموع مختلفة الألوان والأحجام، بالإضافة إلى أقفاص فيها نسور وقارورات زجاجية بها شعر أسود أو لسان حمار أو الضبع، ومشعوذون مستعدون دائما لتضبيع الأزواج، ويضعون أنفسهم في خدمة النساء اللواتي يعتبرن هذه المناسبة الأفضل لقتل فحولة الزوج وتحويله إلى "خاتم في الأصبع"، تستعمله الزوجة كما شاءت وكيفما أرادت. قنابل سحرية ضد الأزواج وصفات متعددة الاختصاصات جاهزة للاستعمال في ميدان السحر والدجل بغية امتلاك القلوب، وسجن زوج تعتقد زوجته أنه أصبح خارج السيطرة، تقول فتيحة إحدى المترددات على "العركات" بدرب البلدية بالبيضاء، إنها منذ مدة لاحظت تغيرا في سلوك زوجها، حيث أصبح يتأخر في العودة إلى البيت ويرفض تناول الطعام مع أبنائه بدعوى البحث عن الهدوء والسكينة، حيث تؤكد أنها وبعد تفاقم المشكل قررت الاستعانة بوصفات سحرية لاستعادة زوجها، حالة فتيحة ليست الوحيدة، بل في كل مناسبة من هذه المناسبات تتقاطر النسوة على هذه الأماكن، حيث تختلف الحكايات وتتعدد لكنها تتوحد في موضوع واحد الرجل. في عتمة هذه الأماكن، تتداول الكثير من المواد "حروز وأبخرة وحجابات" لفك عقدة العكس وما إلى ذلك، من طقوس تعزز الدعاية الشعبية للمشعوذين بالادعاء أن الطب الحديث قد عجز عن فك ألغاز عدد من الأمراض النفسية والعضوية، واستطاعوا بطرقهم حل شفرة عدد من الأمراض المزمنة، فتحدث الركبان بكراماتهم وقدراتهم الخارقة، فإذا كان البعض ينتظر قدوم ليلة السابع والعشرين من رمضان بفارغ الصبر للتضرع لله عز وجل لعل أبواب السماء تتفتح لهم فتتقبل أدعيتهم، فإن البعض الآخر يستثمرون البركة العظيمة لهذه الليلة في الاتجاه المعاكس، حيث يمارسون خلالها طقوسا سحرية غريبة يحرص على تنفيذها في هذه الليلة بالضبط، لاعتقادهم بأنها ليلة مصيرية في حياة الإنسان، فيها يتحدد مصيره ورزقه ويستمر إلى غاية نفس الليلة من العام القادم. النساء بطلات ليلة 27 بامتياز في هذه الليلة المباركة تستغل النساء المناسبة لممارسة أعمال الشعوذة والسحر، اعتقادا منهن أن لها مفعول قوي وفعال يدوم حتى حلول السنة الموالية، فتتهافت النساء من مستويات اجتماعية مختلفة، لتصديق كلام الدجالين أن بإمكانه حل مشاكلهن، فيجدن في السحر أسهل وسيلة لحل الأزمات التي تتعرض لهن ويميلن للبوح بما يشغل بالهن، وما يزيد تفشي الشعوذة والاعتقاد بالخزعبلات في أي مجتمع انتشار الجهل وغياب الوازع الديني لدى هؤلاء، وحتى نكون منصفين، فإن هذا النوع من الممارسات ليس حكرا على الأميات والفئات الفقيرة، بل حتى الفئات المتعلمة تتعاطي بدورها للسحر وأمور الشعودة، فحسب بعض الاعتقادات الراسخة لدى بعض النساء فالروائح التي تفوح من هذه الوصفات هي التي تذهب الشياطين وتقضي على الجن من المنزل لأنه خلال شهر رمضان تختفي الشياطين والجن نهائيا، لتعود ليلة القدر... لكن وفي المقابل نجد نساء مومنات طائعات راكعات ساجدات يحرصن على آداء فرائضهن بكل خشوع لايهتمن بهده الخزعبلات، يهيئن طعام الكسكس ويتصدقن به في المسجد، كما يصرن على قضاء الليلة في التعبد والصلاة والتوجه إلى الله بالدعاء الصالح. غياب التدخل الأمني يزيد من رواج هذه التجارة ففي غياب تدخل صارم للجهات المعنية، يستمر هذا الوضع، بالرغم من تسجيل حالات عدة من النصب والاحتيال التي يمارسها المشعوذون على زبنائهم، بل وتسجل في بعض الأحيان حالات وفاة إثر طقوس الصرع الذي يمارسها الفقهاء على رواده، ليبقى الوضع على ما هو عليه، لأسباب يعتبرها البعض أنها رغبة الفاعلين السياسيين والذين هم في نفس الوقت رجال أعمال وأصحاب مشاريع كبرى، يساهمون بشكل كبير في إنعاش هذا التفكير الشعبي من خلال دعمهم المالي وحضورهم أحيانا في المواسم والحفلات الشعبية التي تنشط فيها ممارسات من قبيل طلب "البركة" وقراءة الطالع، وكذا التقرب إلى "الأولياء" وكتبة التمائم "الحروز"..محمد منفلوطي