ليلة القدر هي الليلة الأحادية الرقم الأكثر أهمية، لأنه فيها بدأ نزول الوحي بالقرآن، تقع في الليالي العشر الأواخر من رمضان، وتتصادف مع ليلة السابع والعشرين من هذا الشهر، وتلقى عند المغاربة أهمية خاصة وإقبالا كبيرا على المساجد مقارنة مع الأيام العادية الأخرى، فيها تتعالى حلقات تلاوة القرآن وتكثر دروس العلم، ويتولى تلك الدروس والحلقات بعد صلاة التراويح أهل العلم والفقهاء. ويخرج الناس لإحياء هذه الليلة، ويمكثون في المساجد حتى مطلع فجر اليوم التالي، قبل ذلك يسارعون إلى إخراج زكاة الفطر ودفعها إلى مستحقيها من الفقراء ويكثر تبادل التحية ابتداء من هذه الليلة، وتتدوال بين الناس الجمل الشهيرة ك "عواشر مباركة مسعودة" و (المقصود بها العسر الأواخر من رمضان)، "مبروك هذه الليلة"، ذلك لأن العيد بالنسبة إلى المغاربة يبدأ مع حلول ليلة القدر. لكن لا يمكن الحديث عن ليلة القدر في المغرب، البلد الذي غالبا ما تجسد صورته في الأحياء الشعبية والأرياف، ويكبر الاهتمام بطقوس خاصة في العديد من المناسبات الدينية، دون الحديث عن بصمات التاريخ في الطريقة التي تحيي بها بعض النساء هذه الليلة. لا تغيب الأسطورة والسحر عن الطقوس والاحتفالات، إذ تعرف الأسواق رواجا مهما لبيع الأبخرة وممارسة أمور غريبة يعتقد أن مفعولها قوي ويبقى طيلة السنة. وتستغل العديد من النساء في المغرب مناسبة ليلة القدر لممارسة أعمال الشعوذة والسحر، اعتقادا منهن أن لها مفعول قوي وفعال يدوم حتى حلول السنة الموالية، وبمجرد جولة بدكاكين العطارين المعروف أكثر ب "العراكات" في درب السلطان ترى العجب ، هناك تحج المكان العديد من النساء من أجل اقتناء وصفات جاهزة تساعد على امتلاك القلوب، وحروز وأبخرة وحجابات لفك عقدة العكس وما إلى ذلك. ونظرا للطلب الذي يكثر على مختلف أنواع الشعوذة، فإنك تجد وصفات جاهزة للأخذ، فترى هنا وهناك خيوط العنكبوت متدلية في أسقف الدكاكين، ورؤوس غزلان، وسلاحف، وضباع، وأظافر هدهد وأشواك القنافذ، وفئران يتيمة، بالإضافة إلى أقفاص فيها نسور وقارورات زجاجية فيها شعر أسود أو لسان حمار أو مرارة غراب، ويستعمل كل ذلك في السحر والدجل، وللإشارة فإن أغلب من يرتد على هذه الأماكن هم النساء من مستويات اجتماعية مختلفة. وحسب أراء علماء النفس والاجتماع، المرأة هي الأكثر تصديقا لكلام الدجالين، وترى أن بإمكانه حل مشاكلها، كما أنها تجد في السحر أسهل وسيلة لحل الأزمات التي تتعرض لها وتميل للبوح بما يشغل بالها. وحسب دراسة بعض الباحثين الاجتماعيين على بعض البلدان العربية، يزيد تفشي الشعوذة والاعتقاد بالخزعبلات في مجتمع ما، كلما زاد الجهل, ولأن مشاكل المجتمع هي نفسها، ولأن النتيجة والدوافع تبقى واحدة مهما اختلف الإطار، فإن هذا النوع من الممارسات ليس حكرا على الأميات والفئات الفقيرة، بل حتى الفئات المتعلمة تتعاطي بدورها للسحر وأمور الشعوذة. تحكي الحاجة فاطمة أن تجهيز البخور لاستعماله وقت المغرب، لأنه حسب الاعتقادات الراسخة في دهن المغاربة، الروائح التي تفوح منه هي التي تذهب الشياطين و تقضي على الجن من المنزل، لأنه خلال شهر رمضان تختفي الشياطين والجن نهائيا، لتعود ليلة القدر. وتأسف الحاجة فاطمة عن اندثار بعض التقاليد والمعتقدات الخاصة بليلة القدر المباركة، تقول إن الناس لا يزورون بعضهم البعض كما في السابق، فقد اختفت ظاهرة صلة الرحم بينهم، وتحكي أنها لا تؤمن بأمور السحر والشعوذة في هذه الليلة، بل تحرص على تهيئ طعام الكسكس وتصدق به في المسجد، كما تصر على قضاء الليلة في التعبد والصلاة والتوجه إلى الله بالدعاء الصالح. وحكت لنا ثريا بنت الزيزونة، التي ورثت حرفة تهيئ بعض أعمال الشعوذة لصناعة المحبة الزوجية عن حماتها، والتي اكتسبت بفضلها أموالا طائلة، أن الأيام العشر الأخيرة من رمضان »هي فرصة لاتعوض طيلة السنة« وأضافت أن فعالية الطقوس التي تقوم بها لاجدال فيها، وحسب تجربتها ناجحة مائة في المائة، لجعل خيط المحبة يستمر دائما بين المرأة وزوجها، وتضيف أن لها عدد كبير من الزبونات من الأسر الغنية والراقية، اللواتي لا يغفلن عن فرصة ليلة السابع والعشرين من كل سنة لتجديد الطقس، ولا يترددن في دفع أي ثمن مقابل ذلك، وأوضحت أن المسألة أضحت عادة لابد لهن من ممارستها وتجديدها، وقال لنا محماد، صاحب محل لبيع التوابل ولوازم الشعوذة بالعراكات ، أن مكسبه خلال الأيام الأربعة الأخيرة من رمضان يضاهي نسبة دخله لمدة ستة أشهر، فقط من بيع الشموع والأبخرة و ما إلى ذلك. واعترف كذلك أنه غالبا ما يتفاجأ عند رؤية بعض الأنواع من الزبونات امتنع عن ذكر أسمائهن، وشرح أن اللون الأسود من الشموع هو الأكثر طلبا من قبل النساء في هذه الليلة، وأن لون الشموع يختلف حسب الغرض المراد قضاؤه. يرى بعض علماء الأنتربولوجيا أن الكثير من العادات البعيدة عن الدين الحنيف وعن التقاليد والثقافة الإسلامية مازالت راسخة في معتقدات بعض من فئات المجتمع المغربي، وأبعد من ذلك فهناك من يتوارثها من جيل إلى آخر، مما يدل على تغلغل مخلفات القرون الماضية والعهود الوثنية التي خلت في الذاكرة الشعبية الوطنية. ويؤكد مجموعة من الباحثين الاجتماعيين والمحللين النفسانيين أن الاعتقاد بالسحر لا يمكن أن يندثر بسيادة العلم ومحاربة الأمية، لأنه معتقد ناتج عن رغبات عميقة في الإنسان، الذي بطبيعته لا يقبل الضعف ولا الخسارة، ويعتمد على الخيال والقوى الغائبة لكي تحميه من قوى الشر، فمثلا الزوجة المهددة في استقرارها العائلي، يزداد خوفها من وجودها في الشارع، فتلجأ إلى العرافة أو »الفقيه« لمساعدتها على الإبقاء على الزوج، وهكذا يكون عدم الإحساس بالطمأنينة هو الدافع إلى التعاطي للسحر والوسائل غير عقلانية. وتلعب »الشوافة« مع الأمل بربط أواصر المحبة بين الزوجين والحفاظ على شمل الأسرة، في حين يرى الفقهاء وعلماء الدين أن صيام شهر رمضان والدعاء الصالح إلى الله، هو الوسيلة المثلى للتخلص من الدائرة الشيطانية التي تدور حول الإنسان.